فضيحة تجسس تهدد أكبر حلفاء واشنطن في أميركا اللاتينية

متاعب رئيس كولومبيا تزداد إثر كشف تجسس استخباراته على سياسيين وحقوقيين وصحافيين

TT

سقط الرئيس ألفارو أوريبي، أكبر حلفاء الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، في فضيحة بشأن تنامي الأدلة حول اضطلاع وكالة الاستخبارات الرئيسة ببلاده في عمليات تجسس غير قانونية واسعة النطاق استهدفت كبار منتقديه، بمن فيهم أعضاء في المحكمة العليا وسياسيون معارضون ومسؤولون في مجال حقوق الإنسان وصحافيون. وتكشفت فصول الفضيحة على امتداد شهور، وتعمقت خلال الأسابيع الأخيرة مع كشف النقاب عن مقطع سمعي مسجل خلال التجسس على مسؤول بارز بالسفارة الأميركية. وكانت مجلة «سيمانا» الإخبارية العريقة قد حصلت على المقطع المسجل من محادثة هاتفية عادية جرت بين جيمس فولكنر، الملحق القانوني بالسفارة الأميركية، وقاض بالمحكمة العليا يجري تحقيقا حول الصلات القائمة بين أنصار أوريبي السياسيين وفرق موت شبه عسكرية. وتوحي التسجيلات الأخرى التي جرى الحصول عليها خلال التحقيقات التي أجراها صحافيون ومحققون ببذل جهود قوية على مستويات عدة للتجسس على كبار منتقدي أوريبي من قبل «هيئة الأمن الإداري»، وهي وكالة استخبارات تضم 6.500 موظف (ربما تكون الأكبر على مستوى أميركا الجنوبية) وتعمل مباشرة تحت سلطة مكتب الرئيس. وشكلت الوكالة محور اتهامات بالتجسس غير القانوني من قبل، إلا أن هذه القضية تكشف المخاوف السائدة بين منتقدي أوريبي داخل النخبة السياسية، في وقت يمضي الرئيس الشعبوي المحافظ قدما في مساعيه لتولي فترة رئاسة ثالثة. وفي الوقت الذي يعاني أوريبي من عزلة أيديولوجية على مستوى القارة التي تحولت باتجاه اليسار، فإنه يحتذي حذو جيرانه الذين غيروا دساتيرهم ليبقوا في مناصبهم، مثل الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز، ونظيره الإكوادوري، رافاييل كوريا. وقال راميرو بيجارانو، وهو محام وزعيم معارض تولي منصب مدير «هيئة الأمن الإداري» في التسعينيات: «إن أوريبي يلحق الضعف على نحو خطير بالديمقراطية في كولومبيا». وفي وقت سابق من العام حصلت «سيمانا» على تسجيلات ونصوص كتابية لمحادثات تم التنصت عليها وملفات أخرى من موظفين حاليين وسابقين لدى «هيئة الأمن الإداري» كشفت أن بيجارانو كان بين العديد من كبار قادة المعارضة الذين جرى التنصت بصورة غير قانونية على هواتفهم من جانب «هيئة الأمن الإداري». يذكر أن خمسة أفراد قادوا «هيئة الأمن الإداري» منذ تولي أوريبي الرئاسة عام 2002. واستقال أول أربعة منهم في خضم ادعاءات بحدوث عمليات مراقبة غير قانونية ويجري حاليا التحقيق معهم من جانب المدعي العام الكولومبي. وتتمثل الاتهامات الأكثر خطورة في تلك الموجهة إلى أول مدير لـ«هيئة الأمن الإداري» في عهد أوريبي، جورج نوغيرا، حيث يواجه اتهامات بتدبير قتل ثلاثة من النشطاء المعنيين بالنقابات العمالية وعالم اجتماع معروف يدعى ألفريدو كوريا داندريس. وتعتمد الاتهامات على تقارير تشير إلى أنه في ظل إدارة نوغيرا، قدمت «هيئة الأمن الإداري» لقادة جماعات شبه عسكرية قائمة اغتيالات بها أسماء هؤلاء الضحايا. وتنحى نوغيرا من منصبه عام 2005، عندما عينه أوريبي قنصلا في ميلانو. ومنذ رحيل نوغيرا عن منصبه عمدت الحكومة إلى إبعاد نفسها عنه. إلا أن جميع خلفاء نوغيرا، بمن فيهم المدير الحالي، فيليب مونوز، يخضعون لمراقبة وثيقة نظرا لورود تقارير حول وقوع تجاوزات خلال فترات توليهم المسؤولية، على رأسها عمليات تنصت، ما يعد أمراً غير قانوني داخل كولومبيا دون توافر أمر من المحكمة. والملاحظ أن بعض المقاطع المسجلة التي كشف عنها مؤخرا تنتمي إلى أسابيع قليلة ماضية، بينما تنتمي مقاطع أخرى إلى فترة تمتد لسنوات عدة في وقت سابق من هذا العقد. على سبيل المثال، عملت «المجموعة الاستخباراتية الخاصة»، وهي وحدة سرية تتبع «هيئة الأمن الإداري» وتعرف كذلك باسم «جي ـ3»، عام 2006 وركزت جهودها على مراقبة الجماعات المعنية بحقوق الإنسان المنتقدة لحكومة أوريبي، مثل «اللجنة الكولومبية للقانونيين» و«اتحاد محامو جوزيه ألفيار ريستريبو». وقال أليريو أوريبي، وهو محام يعنى بحقوق الإنسان (ليست له صلة بالرئيس اوريبي): «لقد شعرت بقشعريرة لدى اكتشافي إلى أي مدى تمادت (هيئة الأمن الإداري) في مراقبة جميع تحركاتي». يذكر أنه من خلال التحقيقات الرسمية الجارية والشهادات التي أدلى بها بعض المسؤولين أمام البرلمان، تمكن أليريو أوريبي من الاطلاع على جزء من الملف الذي تحتفظ به «جي ـ 3» بشأنه وزوجته وأطفاله. وقال: «كانت هيئة الأمن الإداري تبحث عن أدلة تفيد بتلقينا أموالا من عصابات مسلحة، وبالطبع لم يتوصلوا إلى أي شيء لأن ذلك غير حقيقي». على الجانب الآخر، رفض المتحدث الرسمي باسم أوريبي التعليق على الأمر، وحول جميع الأسئلة في هذا الصدد إلى مونوز، المسؤول السابق بمجال التخطيط الحضري والذي أصبح هذا العام مديرا لـ«هيئة الأمن الإداري». وخلال مقابلة أجريت داخل مقر رئاسة «هيئة الأمن الإداري» بالقرب من مركز بوغوتا القديم، اعترف مونوز بتجهم بإمكانية وقوع تجاوزات في عمليات المراقبة في وقت سابق من هذا العقد. وأضاف أنه يقود الحملة الأكبر لإعادة تنظيم «هيئة الأمن الإداري» منذ إنشائها في الخمسينات. ونوه بوجود خطط لتقليص أعداد العاملين بالهيئة بما يصل إلى النصف بهدف تركيز الجهود على مجالات الاستخبارات والاستخبارات المضادة والسيطرة على الحدود. يذكر أن العديد من الرؤساء عمدوا إلى تعزيز «هيئة الأمن الإداري» على حساب المؤسسات الأخرى، ما انعكس على النطاق الواسع لنشاطات الهيئة، بما في ذلك تسجيل الأجانب وتوفير حرس شخصي لـ500 شخص يعتقد أنهم يواجهون خطر الاغتيال وخدمة المقر الرئيس للإنتربول في كولومبيا. علاوة على ذلك، تتنافس الشرطة السرية التابعة لـ«هيئة الأمن الإداري» مع الوكالات الاستخباراتية الكولومبية الأخرى، بما في ذلك قسم مكافحة الجرائم المالية التابع لوزارة المالية، بمجال إجراء تحقيقات. وربما ساعد النطاق الواسع لعمليات «هيئة الأمن الإداري» بعض عملائها على بيع معلومات إلى الجيوش الخاصة التي عانت منها كولومبيا طيلة الحرب التي اندلعت بها لأربعة عقود، أو ربما تعرضت الهيئة لاختراق من قبل عملاء شبه عسكريين أو يتبعون عصابات مسلحة. في إحدى الحالات التي حققت «سيمانا» بشأنها حمل جهاز كومبيوتر آلي جرى استخدامه العام الماضي من قبل متمردين تابعين «لجيش التحرير الوطني» معلومات مفصلة جمعتها «هيئة الأمن الإداري» حول الخطط العسكرية ضد جماعة المتمردين.

وبالنسبة للولايات المتحدة التي تعمل بصورة وثيقة مع «هيئة الأمن الإداري» حول القضايا الرئيسة بمجال جمع الاستخبارات، تسبب الفضيحة تعقيدا في علاقاتها الطيبة مع حكومة أوريبي، التي تلقت أكثر من 5 مليارات دولار كمساعدات أمنية من واشنطن هذا العقد. ومن ناحيته، أعلن إيان سي. كيلي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي أن الاتهامات بوقوع أعمال تنصت غير قانونية «مثيرة للقلق وغير مقبولة». لكنه استطرد في البيان ذاته موضحا أن سجل حقوق الإنسان في كولومبيا مرض على نحو كاف للتوافق مع المعايير التي تؤهل حكومة أوريبي لتلقي كافة المساعدات العسكرية المتضمنة في المساعدات الأميركية التي من المقرر أن تتلقاها كولومبيا هذا العام وتبلغ قيمتها 545 مليون دولار.

* «خدمة «نيويورك تايمز»