مصادر فرنسية رسمية: الملف اللبناني «يجمد» العلاقات الأميركية ـ السورية

امتناع ميتشل عن زيارة دمشق في جولته الأخيرة يعكس حالة «الجفاء»

TT

أفادت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع أن العلاقات الأميركية ـ السورية عادت «لتراوح مكانها»، مؤكدة أنه «لم يحصل اختراق جدي» بين الجانبين باتجاه التطبيع الكامل، رغم الاجتماعات الكثيرة التي حصلت بينهما في الأشهر الأخيرة.

ورأت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن امتناع المبعوث الرئاسي الأميركي، جورج ميتشل، عن زيارة دمشق في جولته الأخيرة في المنطقة، يعكس حالة «الجفاء» بين واشنطن ودمشق وفشلهما في التفاهم على عدد من الملفات الإقليمية.

وتؤكد باريس أن مصدر الخلاف الأول هو الملف اللبناني، حيث ترى واشنطن أن الأداء السوري في لبنان «لم يرق إلى مستوى الوعود» التي أغدقها المسؤولون السوريون على الجانب الأميركي لجهة البقاء خارج اللعبة السياسية الداخلية اللبنانية والامتناع عن التدخل في الشؤون اللبنانية وترك اللبنانيين يتدبرون أمورهم الداخلية بأنفسهم.

وبكلام آخر، ترى باريس أن الإدارة الأميركية تحمل الجانب السوري المأزق السياسي الذي يتخبط فيه لبنان منذ الانتخابات النيابية في شهر يونيو (حزيران) الماضي، والمتمثل في العقد التي حالت دون إنجاز الرئيس المكلف سعد الحريري مهمته.

وتختلف القراءة الأميركية عن القراءة الفرنسية للتطورات السياسية في لبنان، كما تختلف حالة العلاقات الثنائية مع دمشق، فالعلاقات الفرنسية ـ السورية مستمرة في التطور وتنتظر زيارة مسؤول سوري رفيع المستوى إلى باريس قبل نهاية الشهر الحالي. وتبدو فرنسا عازمة على السير في نهج التقارب مع دمشق. وفيما تركز المصادر الفرنسية على العامل الإيراني كعنصر تعطيلي في لبنان فإنها «تبرئ»، بشكل ما، ساحة دمشق من اتهامات التعطيل. وفي أي حال ترى باريس أن ثمة «تنافسا» سوريا ـ إيرانيا على النفوذ في لبنان، وأن دمشق تريد تحاشي ازدياد تأثير إيران على الوضع اللبناني، كما أنها، في الوقت عينه، لا تريد العراق واقعا تحت النفوذ الإيراني.

وكشفت المصادر الفرنسية أن باريس عازمة على القيام بتحرك دبلوماسي مكثف في الأيام القليلة المقبلة باتجاه الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في لبنان، ومن ضمنها دمشق، للطلب منها أن تدفع باتجاه تسهيل قيام حكومة لبنانية جديدة وتطبيع الوضع السياسي في لبنان.

وتلخص باريس الأهداف السورية في لبنان في الوقت الحاضر باثنين: الاستمرار في التوازنات القائمة حاليا في لبنان، حيث، عمليا، لا يستطيع فريق أن يفرض هيمنته على الفريق الآخر، وخصوصا على فريق المعارضة، والثاني إظهار أن اللبنانيين والمجتمع الدولي «يحتاج لدور سوي في لبنان».

وفيما ترى باريس أن ثمة «تداخلات واضحة» بين العوامل الداخلية والخارجية التي أعاقت التفاهم السياسي وولادة الحكومة الجديدة، فإنها تعتبر أن الرئيس المكلف «سيعول على تنشيط الدور السعودي» كعامل أساسي للخروج من دوامة الفراغ. وتعتقد باريس أن الرياض قلصت دورها مع نهاية يونيو (حزيران) الماضي، وربما «تراجعت خطوة إلى الوراء»، مشيرة إلى الجدل الذي ثار وقتها حول إمكانية قيام العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيارة لدمشق وتاريخ الزيارة.

وتلتزم باريس موقفا حذرا إزاء الموضوع الحكومي اللبناني، وذلك لسببين: الأول، تريد فرنسا تحاشي اتهامها بالتدخل في شؤون لبنان الداخلية. والثاني، لا ترغب في أن يكون موضوع التغلب على مشكلة الحكومة الجديدة المستعصية بابا لإضعاف المؤسسات اللبنانية وإظهار لبنان كجهة عاجزة عن معالجة مشكلاته بنفسه، أو أنه بحاجة إلى وصاية دائمة من أي جهة أتت. ولذا، فإن باريس «غير متحمسة» لأي طرح من شأنه تظهير هذه الصورة، مثل الدعوة إلى مؤتمر الدوحة 2 أو غيره. ولا تنفك فرنسا في جميع اتصالاتها مع الأطراف اللبنانية عن دعوتها إلى التحلي بروح المسؤولية وإثبات نضجها السياسي والتفاهم مع بعضها البعض، وعدم ارتهانها لارتباطات ومصالح خارجية.