يوم القدس في إيران: عنف واعتقالات وهتافات ضد غزة ولبنان وضرب خاتمي ومحاصرة موسوي

مصادر إصلاحية لـ«الشرق الأوسط»: مقاطعة شعبية لأنواع سلع يستوردها الحرس الثوري * باريس «قلقة جدا» من العنف ضد المعارضين

موالون لاحمدي نجاد يحاولون الهجوم على موسوي خلال توجهه مع انصاره للمشاركة في المظاهرات في طهران أمس (أ. ب)
TT

وسط هتافات «لا غزة ولا لبنان.. نستشهد فقط من أجل إيران»، واعتقالات وإصابات بين متظاهرين واعتداء بالضرب على الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي، ومحاصرة موكب زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي لمنعه من المشاركة، أحيت إيران أمس «يوم القدس» الذي يقام سنويا تضامنا مع الشعب الفلسطيني. وفيما كان المحافظون هم عادة من يخرجون في الشوارع في ذلك اليوم استجابة للسلطات الرسمية، فإن يوم أمس كان مغايرا، إذ أن الحركة الإصلاحية نجحت في إخراج عشرات الآلاف من مؤيديها ومن الرافضين لنتائج الانتخابات الإيرانية بالرغم من أن السلطات سعت لمنع التظاهرات وقامت باعتقالات، فيما قامت قوات الباسيج بضرب عدد من المتظاهرين والتصدي للتظاهرات في تبريز، مشهد، وأصفهان ومدن أخرى. وفيما قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن «حركة المعارضة في رمقها الأخير»، أكدت مصادر إصلاحية لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة الإصلاحية «هي اليوم أقوى مما كانت عليه بعد الانتخابات مباشرة»، موضحة أن تحركات الإصلاحيين في الشارع تتزايد. وقال مصدر إصلاحي إن الكثيرين من الإيرانيين «يقاطعون منتجات يحتكر الحرس الثوري استيرادها مثل بعض أنواع الأرز والسجائر»، مشيرين إلى أن نسبة مشاهدة التلفزيون الإيراني الرسمي انخفضت بنحو 40% بسبب انحياز التلفزيون للرأي الرسمي، موضحا: «الحركة شعبية وليست حركة مسؤولين ناقمين على نتائج الانتخابات. الدعوات المتكررة لاعتقال قادة الإصلاحيين لن تحل المشكلة. هناك معتقلون ما زالوا في السجون وهناك انتهاكات حدثت. لا بد أن يطلق سراح هؤلاء من سجنوا لأشهر بدون ذنب، ولا بد من فتح تحقيقات في الاغتصاب والتعدي على المسجونين والقتل العمد».

وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قد حثت الإيرانيين على الخروج في «يوم القدس» وظلت طوال الأيام الأخيرة تبث مواد إخبارية حول أهمية المشاركة، فيما حذر الحرس الثوري الإيراني الإصلاحيين من استغلال اليوم للقيام بمظاهرات. وأدت الحملة الرسمية والتهديدات والتحذيرات إلى توترات وعصبية، وقام عدد من المحافظين وأنصار أحمدي نجاد بمواجهة المتظاهرين من الإصلاحيين، مما أدى كما قال شهود عيان إلى جرح شخصين. وقوبل موسوي الذي وصل بسيارته للمشاركة في إحدى التظاهرات في طهران بهتافات «الموت لموسوي المنافق» أطلقها متظاهرون موالون للسلطة قاموا في ما بعد بمهاجمة سيارته وأجبروه على مغادرة المكان بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).

بينما قال موقع «برلمان نيوز» الإصلاحي الإيراني إن «مجموعة من المحافظين هاجمت الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.. فسقطت عمامته وأرادت مجموعة منهم التعرض له بالضرب، لكن مناصريه منعوهم من ذلك ثم تدخلت شرطة مكافحة الشغب». وذكر شهود عيان أن مناصرين للنظام المتشدد يرتدون اللباس المدني ويركبون دراجات نارية ضربوا بالعصي عددا كبيرا من المتظاهرين المعارضين في ميدان «هفت تير» قبل أن تتدخل الشرطة لتفريقهم.

وكان لافتا أن نائب رئيس البرلمان الإيراني محمد رضا باهونار ندد بالاعتداءات التي طالت زعماء المعارضة قائلا «أرفض هذه الاعتداءات والأعمال غير القانونية».

وبالرغم من الانتشار الأمني الكثيف، تمكن عشرات الآلاف من التظاهر في ميدان «هفت تير» (السابع من تير الشهر الرابع في التقويم الإيراني) في التظاهر.

وردد المتظاهرون من رجال ونساء، الذين يضعون عصبا وشارات خضراء «يا حسين! مير حسين!»، في إشارة إلى مير حسين موسوي وسيدنا الحسين حفيد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) و«لا غزة ولا لبنان، نستشهد فقط من أجل إيران»، و«الموت لروسيا» التي تعد من حلفاء إيران الأساسيين. لكن في المقابل هتف متظاهرون موالون للسلطة «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل»، وهي الهتافات التي يكررونها تقليديا في يوم القدس الذي أطلقه الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية قبل ثلاثين عاما دعما للفلسطينيين.

وقال شهود عيان إن الاشتباكات اندلعت بين الشرطة وأنصار موسوي أثناء الاحتجاجات في منطقة وسط وشمال طهران وأطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع وفرقت المتظاهرين.

وأفادوا بأنهم شاهدوا بعض المحتجين يعتقلون ويضربون. وقال أحد الشهود لـ«رويترز» «اعتقل للتو أكثر من عشرة أشخاص». وتابع «إنهم يدفعون المحتجين ويضربونهم».

وأضاف «أنصار الرئيس محمود أحمدي نجاد يضربون أنصار موسوي بالقرب من شارع ولي عصر في وسط طهران، وأصيب اثنان من المحتجين على الأقل». وأكد شهود عيان أن كثيرا من السائقين الذين يربطون معاصمهم بشارة خضراء لوحوا بعلامة النصر بأياديهم، بينما كانوا يقودون سياراتهم في المدينة وخصوصا على الطرق السريعة. وخارج طهران هاجم عناصر الباسيج متظاهرين في مدينة تبريز شمال البلاد، كما أوقف عناصر تابعون للنظام يرتدون اللباس المدني أنصارا للمعارضة كانوا يتظاهرون، حسب ما ذكر موقع المعارضة «موجكامب». كذلك تعرض معارضون للضرب في مدينة أصفهان بوسط إيران.

وفي جامعة طهران حيث احتشد مناصرون للنظام الإيراني، اعتبر الرئيس محمود أحمدي نجاد أن حركة المعارضة في إيران باتت في رمقها الأخير، قائلا «أعلنوا أخيرا أن بضعة أشخاص سيتجمعون في نيويورك للاحتجاج، لكن زمن هذه الأعمال اليائسة قد ولى»، في إشارة إلى الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة التي افتتحت الثلاثاء الماضي والتي سيشارك فيها الرئيس الإيراني.

وبالرغم من سعي السلطات الحثيث للإيحاء بأن الوضع السياسي في إيران أقل اضطرابا عما كان عليه بعد الانتخابات، إلا أن هناك حالة من الغليان تحت السطح، عززها ما وصفته مصادر إصلاحية لـ«الشرق الأوسط» بـ«الاعتقال الانتقامي» لقادة الحركة الإصلاحية.

وأوضح مصدر إصلاحي لـ«الشرق الأوسط»، لا يريد الكشف عن هويته بسبب حساسية الوضع في إيران: «يعتقدون أن الحركة الإصلاحية يمكن أن تنزوي تدريجيا مع استمرار اعتقال ابطحي ورمضان زاده وعبد الله نوري وسعيد حجاريان. يعتقدون أن من هم في الخارج سيخافون. لكن الحقيقة التي يعلمها الإيرانيون هي أن الحركة الإصلاحية ليس لها رأس واحد أو متحدث واحد باسمها أو مركز واحد أو مطبعة واحدة أو موقع إنترنتي واحد. هذه حركة تغيير طويلة المدى وليست حركة سياسية لديها مطلب فوري يمكن تحقيقه». وأوضح المصدر الإيراني أنه وعلى غرار حركات المقاطعة التي كان الإيرانيون يقومون بها خلال عهد الشاه، فإن الإيرانيين يقاطعون اليوم أنواعا معينة من الأرز والسجائر يحتكر استيرادها الحرس الثوري. وتابع: «حتى شركة نوكيا قاطعها إيرانيون بسبب برنامج الرقابة الذي وضعته في أجهزة تليفونها (جوالها) المحمول بناء على طلب إيراني».

وفي إطار الاهتمام المتزايد بأوضاع حقوق الإنسان في إيران، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو أن «فرنسا قلقة جدا بسبب المعلومات» التي تفيد بأن أعمال «عنف ارتكبت بحق مسؤولين معارضين في إيران». وتابع المتحدث في مؤتمر صحافي «ندين هذه الموجة الجديدة من القمع ونحيي كل الذين يتحلون بالشجاعة في إيران ليناضلوا من أجل حقوقهم الأساسية». وأضاف «نحن قلقون جدا بسبب المعلومات التي تردنا والتي تفيد بأن أعمال عنف ارتكبت ضد أنصار المعارضة وقادتها فيما كان يتظاهرون سلميا في طهران. وعرفنا أيضا أن توقيفات جديدة حصلت».

وفيما وجهت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تحذيرا لإيران أمس بشأن موقفها من الحوار النووي، تطرقت أيضا أمس إلى قضية الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 12 يونيو (حزيران). وقالت هيلاري «منذ شهر يونيو، شهدنا الحكومة الإيرانية تقوم بحملة اعتقالات سياسية وبمحاكمات صورية وبقمع لحرية التعبير». واعتبرت أن «الحكومة الإيرانية تسعى إلى الحصول على العدالة في العالم، لكنها تقف عائقا في طريق تحقيق هذه العدالة».

اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية أن على إيران أن تقرر من دون تأخير ما إذا كانت مستعدة لقبول عرض التحاور مع الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى حول برنامجها النووي المثير للجدل. وقالت كلينتون «أعربنا بوضوح عن أملنا» في أن نناقش إيران في شأن برنامجها النووي.

وجاء كلامها في كلمة أمام خبراء في السياسة الخارجية تمهيدا لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل. وأضافت «على إيران أن تقرر الآن ما إذا كانت ستنضم إلينا في هذا الجهد». وحذرت كلينتون إيران من أنها ستعرض نفسها لعقوبات جديدة في حال رفضت التحاور. وأكدت أن «الموقف التحريضي المستمر» لإيران سيكون «له ثمن»، متحدثة عن «مزيد من العزلة والضغط الاقتصادي وتضاؤل فرص التقدم بالنسبة إلى الإيرانيين».

وهذه هي المرة الأولى منذ التاسع من يوليو (تموز)، أي منذ شهرين ونصف الشهر، التي تسنح فيها فرصة التظاهر للمعارضة التي تتهم السلطات بتزوير الانتخابات التي أعقبتها حركة احتجاج شعبية أدخلت البلاد في أزمة غير مسبوقة منذ الثورة الإسلامية في 1979. وأوقف أربعة آلاف متظاهر على الأقل، لا يزال 150 من بينهم في السجن، كما قتل 36 شخصا خلال أعمال العنف بحسب حصيلة رسمية بينما تشير حصيلة المعارضة إلى مقتل 72 شخصا.