نظام دفاعي متطور قد يغير القرارات الإستراتيجية في الشرق الأوسط

إسرائيل تجد قوة في دفاعاتها الصاروخية

TT

في الوقت الذي تدعو فيه إسرائيل بشدة لاتخاذ إجراء دولي ضد البرنامج النووي الإيراني، تقوم بتجميع أحد أكثر نظم الدفاع الصاروخية تقدما في العالم، يتكون من عدد من الأسلحة متعددة الطبقات بهدف حمايتها من هجمات صاروخية متزامنة ومتعددة المصادر. ويحصل هذا المشروع على تمويل أميركي ويستخدم رادارات أميركية متطورة ووسائل تكنولوجية أخرى. ولكن، يقول محللون إسرائيليون إن المشروع وصل حاليا إلى مرحلة النضج ويمكنه البدء في تغيير طبيعة القرارات الإستراتيجية داخل المنطقة. ويركز المشروع على نظام الدفاع الصاروخي «السهم/ حيتس ـ 2»، الذي تم نشره، ويجري حاليا تعزيزه ليضم نظام «السهم 3» الأطول مدى ونظام «مقلاع داوود» الاعتراضي المصمم لضرب الصواريخ التي تطير على ارتفاعات أقل وبسرعات أقل بينما صممت منظومة «القبة الحديدية» لإسقاط صواريخ غراد والكاتيوشا والقسام وغيرها من القذائف التي يتم إطلاقها من قطاع غزة وجنوب لبنان. ومع بدء عمل هاتين المنظومتين، سيكون لدى إسرائيل «شيء يساعدها على تحقيق استقرار أمني من خلال معرفة فشل أي هجوم»، حسب ما يقوله أوزي روبين، مستشار خاص للشؤون الدفاعية، كان يدير برنامج الدرع الصاروخي الإسرائيلي في التسعينيات. وقال روبين إن إيران لا يمكنها الآن أن تكون متأكدة من أن الضربة الأولى ضد إسرائيل ستكون ضربة ناجحة، وستجد حركات مثل حماس في غزة وحزب الله في لبنان تفقد قوتها. ويمثل التطور في التقنية الصاروخية لدى إيران، بالإضافة إلى برنامجها النووي، مصادر قلق رئيسية للولايات المتحدة وأوروبا بالإضافة إلى إسرائيل ودول أخرى في منطقة الشرق الأوسط. وإلى جانب الجهود الدبلوماسية لإقناع إيران بالحد من أبحاثها النووية، يجري تطوير برامج دفاع صاروخي يضع في اعتباره القوة الإيرانية. وقررت إدارة أوباما هذا الأسبوع إلغاء خطة تعود إلى عهد الرئيس السابق جورج بوش، لنشر نظام دفاع صاروخي في جمهورية التشيك وبولندا، وقالت الإدارة إنها ستعمل عن نظام متوسط يتناسب بدرجة أكبر مع تقييماتها للمقتدرات الإيرانية. وينظر داخل إسرائيل إلى هذه القضية على أنها تمثل أولوية كبرى في مجال السياسة الخارجية. وكانت هناك تقييمات إسرائيلية متفاوتة حول التقدم الذي تحرزه إيران في سعيها للحصول على سلاح نووي. وقال رئيس الموساد مئير دوغان، أمام لجنة برلمانية إنه ربما يفصل إيران خمسة أعوام عن الحصول على قنبلة نووية، ولكن رئيس الاستخبارات العسكرية يعتقد أن ذلك ممكن بنهاية هذا العام. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيرى أن برنامج إيران يمثل خطرا وشيكا. وقال خلال زيارته الأخيرة إلى ألمانيا إنه «شيء يهدد إسرائيل والمنطقة والسلام في العالم، لا يوجد الكثير من الوقت».

ويعتقد محللون إسرائيليون إن زيارة نتنياهو السرية لروسيا، مرتبطة بمجموعة من القضايا ذات الصلة بإيران بما فيها احتمالية بيع روسيا صواريخ متطورة مضادة للطائرات لطهران واحتمالية قيام إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية، إذا لم تتمكن الولايات المتحدة وأوروبا من الوصول إلى حل آخر.

ولكن، يلقي النمو المضطرد لنظم الدفاع الصاروخية الإسرائيلية الضوء على النهج العسكري لإسرائيل وإحساسها بالخطر. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الأسبوع الماضي إنه لا يعتقد أن البرنامج النووي الإيراني «قضية وجود» لأن «إسرائيل قوية». ويكمن جزء من قوة إسرائيل في مقتدراتها النووية غير المعلنة رسميا، بينما يكمن الجزء الأخر في فرضية أن الولايات المتحدة ستقف وراء إسرائيل إذا ما تعرضت لهجوم. ويعتمد ذلك أيضا على تقدير أن عددا كافبا من القواعد الجوية الإسرائيلية وغيرها من المنشآت العسكرية الأخرى ستتمكن من البقاء بعض الضربة الأولى كي تقوم بالانتقام. وتسعى إسرائيل من خلال منظومات الدفاع الصاروخية إلى الحصول على نوع من الردع مثلما كان لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق عن طريق نشر رؤوس حربية نووية داخل غواصات وإبقاء المقاتلات على ارتفاعات كبيرة. ويقول المستشار الدفاعي روبين إن إيران «راديكالية ولكن لا تعني الراديكالية أنها لاعقلانية. إنهم يريدون أن يغيروا العالم وليس الانتحار».

ويعود البرنامج الدفاعي الصاروخي الإسرائيلي إلى الثمانينات من القرن الماضي، وكان سببه الخوف من احتمالية امتلاك سورية أسلحة كيميائية. وزادت أهمية ذلك خلال حرب الخليج الثانية عندما ضرب نحو 40 صاروخ سكود عراقي منطقة تل أبيب. وتم نشر منظومة «السهم» في عام 2000، ومنذ ذلك الحين قامت إسرائيل والولايات المتحدة بمناورات دفاع صاروخية ثنائية ومشتركة للعمل على نظم أسلحة ورادارات متكاملة بالإضافة إلى نظم أخرى خاصة بالدولتين. وعلى سبيل المثال، لدى إسرائيل الرادار الأميركي «إكس باند» الموجود في صحراء النقب. ويقول مسؤولو قطاع الدفاع الإسرائيلي إن باستطاعة إسرائيل الإطلاع على بعض البيانات الأميركية التي تنقلها الأقمار الصناعية، ويعد ذلك جزءا مهمتا في نظام الإنذار المبكر لديها. ومن المقرر عقد المناورات المقبلة في أكتوبر (تشرين الأول).

ومع تحول القلق إلى التهديد الذي تمثله الصواريخ طويلة الأمد من إيران، يركز البرنامج أيضا على أسلحة ذات مدى أقل، استخدمها حزب الله وحركة حماس خلال الأعوام القليلة الماضية. وجعلت الصواريخ التي أطلقها حزب الله على شمال إسرائيل خلال الحرب عام 2006، المسؤولين الإسرائيليين يعجلون العمل في منظومة دفاع صاروخية للصورايخ ذات المدى الأقل، وهو نفس ما حدث خلال إطلاق صواريخ غراد على عسقلان، شمال قطاع غزة ويعيش فيها 120.000 إسرائيلي، وفيها منشآت كهرباء كبرى ومنشآت إزالة الملوحة من مياه البحر. ويقول ألان ماركوس، مدير التخطيط الإستراتيجي بالمدينة، «كما هو واضح لا توجد لدينا نظم دفاعية ولا ملاذات ولا حاميات للمباني العامة». ويضيف: «ماذا نفعل؟ هل نغلق الشاطئ ونقول للمواطنين إنه ربما يكون هناك هجوم صاروخي؟».

ويقول مسؤولون إسرائيليون إن منظومة «القبة الحديدة» التي يبدأ العمل فيها العام المقبل يمكن أن تقدم بعض العزاء. وفي البداية ستوضع منصات الإطلاق المتحركة حول المدن والمنشآت بالقرب من قطاع غزة ولكن ربما تنشر في النهاية في مختلف أنحاء إسرائيل. وقد تسببت هذه المنظومة في بعض الجدل، فهي لم تبرهن على فعاليتها ضد قذائف الهاون ويمكن أن تبقى المدن الأقرب من الحدود عرضة للمخاطر بما في ذلك الأهداف الرئيسية مثل مدينة سديروت. ودعا المنتقدون لوضع نظم أخرى مثل المنظومة الليزرية الكيميائية التي ابتكرتها إسرائيل والولايات المتحدة ونظام «فالانكس» للإطلاق السريع الذي يمكن أن تستخدم لحماية المنشآت المهمة مثل محطات الكهرباء. وهناك مخاوف من أن التنظيمات المسلحة يمكن أن تحاول التغلب على المنظومة عن طريق إطلاق كمية كبيرة من صواريخ القسام رخيصة التكلفة ومحلية الصنع لإجبار إسرائيل على إنفاق عشرات الآلاف من الدولارات لاعتراض هذه الصورايخ وليس من أجل إلحاق الضرر المباشر. ولكن، يقول مسؤولون إسرائيليون، إن منظومات مثل منظومة القبة الحديدية لها أهمية في التخطيط العسكري الإسرائيلي في ما يتعلق بالحد من الدمار وتقليل الحاجة إلى الانتقام. وحسب شالومو درور، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إنه رغم أن الكثير من صواريخ حماس وحزب الله تسقط في أرض خالية، فإنه «في أحد هذه المرات سيضرب صاروخ قسام حافلة وبعد ذلك ستتخذ الحكومة قرارا» بخصوص كيفية الرد. «هناك قضية أكبر من قضية التكلفة. وسيعطينا ذلك بعض الأجوبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»