التوغل الإسرائيلي في مناطق التماس في غزة يهدف لتجنيد العملاء

يعتقلون من تصل إليهم أيديهم ويخضعونهم للاستجواب قبل أن يعرضوا عليهم التعاون

TT

من فوق دراجته الهوائية كان محمد الحمايم، 19 عاما، يكابد صعود الهضبة التي ينتصب عليها منزل عائلته في منطقة قوز الشيخ حمودة، أقصى شرق قرية القرارة، وسط قطاع غزة، قبل دقائق معدودة من موعد رفع أذان المغرب، عندما فوجئ بخمسة من الجنود الإسرائيليين يندفعون صوبه من خلف إحدى أشجار الزيتون على جانبي الطريق، ويلقون القبض عليه ويعصبون عينيه ويقيدون يديه خلف ظهره. كان محمد قادما من مدينة دير البلح القريبة، حيث كان هناك لشراء قطايف رمضان لأسرته، فبقي الكيس الذي يحتوي على القطايف مثبتا على الدراجة التي قذف بها الجنود أسفل شجرة الزيتون. وما أن سار محمد برفقة الجنود مسافة مائة متر حتى سمع صوت بعض الشباب يصرخون بشكل يشي بأنهم يتعرضون لضرب على أيدي مجموعة أخرى من الجنود، ومن خلال معرفته بأهل المنطقة، أدرك أن الشباب الذين يصرخون هم من جيرانه. لم يتعرض محمد للضرب لكنه كان يعاني بشكل كبير من ألم القيد في معصميه، إذ كانت تزداد وطأة القيود البلاستيكية على يديه كلما حرك يديه بشكل أوثق. اقتيد محمد نحو 200 متر قبل أن يشعر بأن قدميه تطآن طريقا معبدة، وأدرك عندها أنه تجاوز الخط الفاصل بين إسرائيل والقطاع.

ولدى عبورهم الخط الأخضر نقله الجنود مع بقية المختطفين في عربة عسكرية صوب أحد المواقع العسكرية، التي ما إن وصلها حتى أدخل على الفور إلى غرفة، وبعد أن نزعت العصابة عن عينيه وفكت قيوده، شاهد في الغرفة شخصا بلباس مدني.

أدرك محمد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الشخص ليس إلا ضابطا في جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك». وفور دخوله ورفع العصابة عن عينيه وفك قيود المعصمين، بادره الضابط بأسئلة عن عائلته ودراسته.

لكن صبر الضابط الذي عرف نفسه بجيمي، وهو بالتأكيد اسم مستعار، لم يكن كبيرا، فبادره بالعرض الذي اعتقل من أجله، وهو التخابر مع «الشاباك» وتقديم معلومات عن تحركات رجال المقاومة قرب الخط الفاصل بين القطاع وإسرائيل، على اعتبار أنه يقطن في منطقة التماس الحدودية. وحاول الضابط أولا إغراء محمد بالمال ووعده بالسماح له وعائلته بفلاحة الأرض التي تقع للغرب من الخط الفاصل. رفض محمد العرض بشكل قاطع، على الرغم من أن جيمي طلب منه تزويده برقم هاتف نقال لكي يتواصل معه. وقال محمد لـ«الشرق الأوسط» إنه تم الإفراج عنه بعد عدة ساعات من القاعدة العسكرية، موضحا أنه من خلال حديثه مع الشباب من جيرانه الذين اعتقلوا، تبين له أن عناصر المخابرات الإسرائيلية طرحوا عليهم العرض نفسه، لكن منهم من تعرض للتهديد بأنه في حال لم يقبل بالعرض سيقوم الجيش بتدمير منزله في أقرب فرصة. وأبلغ مصدر أمني فلسطيني في غزة «الشرق الأوسط» أن محاولة تجنيد عملاء لصالح جهاز «الشاباك» يكاد يكون القاسم المشترك بين جميع عمليات التوغل التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في أطراف القطاع. وأشار إلى أن المخابرات الإسرائيلية معنية بالحصول على أكبر قدر من المعلومات حول تحركات المقاومة. وأضاف أن محاولة الحصول على معلومات استخبارية لا تقتصر على عمليات التوغل، موضحا أن «الشاباك» يواصل الاتصال بشكل محدد أو عشوائي بالكثير من الفلسطينيين في القطاع عارضا عليهم الارتباط به أو تقديم معلومات محددة، لا سيما حول الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. وأشار المصدر إلى أن عمليات التوغل تهدف أيضا لمحاولة استكشاف قدرات المقاومة الدفاعية الجديدة واستنزافها، والتأكيد على وجود قواته لردع أي عملية مهما كانت صغيرة، وتنظيف الشريط من العبوات والكمائن والبحث عن أنفاق قريبة، فضلا عن إبقاء الجيش على حالة من الاستعداد واليقظة المستمرة.