القيادات اللبنانية «تصيف» و«تشتي» تبعا للأجواء الطبيعية.. والسياسية

مقراتهم اختزلت أسماءهم.. ونصر الله وحده مجهول الإقامة

TT

أفسدت الأزمة الحكومية الناشئة في لبنان «صيفية» رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فاضطر بعد استقالة الحريري أن يقطع عطلته، وهي الأولى له منذ انتخابه ربيع 2008، ويعود إلى قصر بعبدا في ضاحية بيروت الشرقية لإجراء الاستشارات النيابية اللازمة.

ورغم أن انتقال الرئيس سليمان إلى قصر بيت الدين الأثري لا يعد بمثابة «عطلة» بكل ما للكلمة من معنى، لأنه يتابع من هناك نشاطه الرسمي كالمعتاد، فإنها مناسبة له لكي يستنشق بعض «الهواء النظيف» في المنطقة المعروفة بجوها الجبلي اللطيف والمنعش، خلافا للطقس في بيروت.

وقصر بيت الدين هو المقر الصيفي للرئاسة، حيث كانت دوائر القصر تنتقل بكاملها إلى هذا المقر. وقد اعتمد القصر الصيفي في بيت الدين من قبل كل من الرئيسين بشارة خليل الخوري، وكميل شمعون، كما استخدمه لفترات قصيرة كل من الرؤساء اللواء فؤاد شهاب، الياس سركيس وإميل لحود الذي كان أول من أعاد استعمال هذا القصر بعد الحرب الأهلية، من دون أن يخلو هذا الانتقال من المعاني السياسية، فبيت الدين الذي كان مقرا لحاكم لبنان المسيحي بشير الشهابي الثاني، يقع في قلب منطقة الشوف ذات الكثافة الدرزية. وقد اختار لحود آنذاك الانتقال إلى القصر في تحد واضح للزعيم الدرزي وليد جنبلاط خلال مرحلة الفتور بينهما. أما المقرات الأُخرى لرئاسة الجمهورية فكانت تتغير مع كل رئيس جديد، تبعا للمنطقة التي ينتمي إليها، ومنها قصور سن الفيل، وجونيه، وزغرتا، وبكفيا.

أما البطريرك الماروني نصر الله صفير، فقد عاد بدوره من مقره الصيفي في الديمان في شمال لبنان إلى المقر الأساسي في بكركي في منطقة كسروان شمال بيروت الأسبوع الماضي منهيا إجازته الصيفية التي اعتاد تمضيتها في «الديمان»، وهي بلدة ارتبط اسمها بـ«صيف البطاركة الموارنة»، وهو تقليد أحياه البطريرك صفير مطلع التسعينات، إذ ذهب إليه رغم أنه كان عمليا تحت السيطرة السورية.

وترتبط أسماء المناطق باسم الموقع السياسي أو الزعيم، فيكفي أن يقال في لبنان إن بعبدا تريد كذا ليفهم أن المقصود هو رئيس الجمهورية، وأما اسم بكركي فقد تحول عنوانا لقاطنه، وكذلك كليمنصو وعين التينة وقريطم ومعراب.

وكما الرؤساء والبطاركة، اعتاد السياسيون اللبنانيون امتلاك منازل صيفية وأخرى شتوية، ولا ترتبط المنازل «الصيفية» بالموسم الصيفي فقط، بل تتعداه إلى مواسم الانتخابات ومواسم الأزمات السياسية التي يحتاج فيها السياسي إلى قضاء الوقت قرب قاعدته الشعبية.

ويمتلك رئيس مجلس النواب نبيه بري منزلا في محلة المصيلح عند مدخل الجنوب اللبناني، ورغم أن هذا المنزل لا يتمتع بمواصفات المنازل الصيفية لجهة الطقس المنعش صيفا، إذ لا يعلو سوى أمتار قليلة عن سطح البحر، فإن بري يمضي فيه نهايات الأسبوع صيفا، وكذلك في مواسم الانتخابات حيث يلتقي ناخبيه. علما أن بري هو من بلدة تبنين في عمق الجنوب، لكنه اختار منزله في هذا المكان باعتباره بوابة الجنوب، وهو يترشح عن مقعد الزهراني الشيعي الذي تتبع له بلدة المصيلح. ويمضي بري معظم أوقاته في بيروت، في مقر خاص لرئاسة المجلس بوشر بناؤه قبل وصول بري إلى المنصب، لكنه كان أول من دشنه.

أما رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، فهو ضيف جديد على الساحة السياسية التي لم يكن في وارد خوض غمارها، لولا اغتيال والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري الذي كان قد شيد منزلين كبيرين، أولهما في بيروت، والثاني في بلدة فقرا الجبلية. لكن منزل فقرا لم يكن يرتبط بواقع انتخابي أو سياسي، إلا عندما يعمد الرئيس الحريري إلى الاعتكاف فيه عندما كانت تتعقد في وجهه الأمور، خصوصا مع الراعي السوري وحلفاء سورية في لبنان. وفي المقابل وسع الحريري الأب نطاق منزله في محلة قريطم في بيروت، ليصله ببناء ضخم من 5 طبقات خصص لعمله، وهو مقر مجهز لاستقبالات شعبية واسعة لا تكاد تخلو ليلة من ليالي شهر رمضان من الإفطارات فيه، وكذلك اللقاءات السياسية على أبواب الانتخابات. أما الحريري الابن، فقد استعمل بيت قريطم في عمله طوال السنوات الماضية، قبل أن يبدأ عملية انتقال بطيئة إلى منزله الجديد في وسط بيروت، وهو عبارة عن ثلاث عقارات متلاصقة اشتراها قبل اغتيال والده، وانتهى العمل بالبناء عليها العام الماضي. ويمضي الرئيس المكلف بعض أوقاته في هذا المنزل المؤلف من منزلين قديمين جرى ترميمهما فاتخذ من الأول منزلا للعائلة ومن الثاني مقرا للاستقبالات السياسية، أما الثالث فيقع بينهما، فوق وتحت الأرض وهو مخصص للمكاتب. ولا يمتلك الرئيس المكلف منزلا صيفيا في لبنان، ربما بسبب ابتعاد عائلته القسري عنه، جراء الوضع الأمني، فيستغل بعض المناسبات للسفر إليهم في المملكة العربية السعودية، أو يصطحبهم إلى منزلهم الصيفي في مدينة «نيس» في جنوب فرنسا. وبما أن قاعدته الناخبة أوسع من القواعد الأخرى، يضطر الحريري خلال مواسم الانتخابات إلى استعمال الفنادق لإقامته، وأبرزها فندق القادري في البقاع، وفندق «كواليتي إن» في مدينة طرابلس.

أما رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، فقد ورث منزل العائلة في بلدة «المختارة» في عمق الشوف اللبناني، وهو يقيم معظم أوقات السنة في بيروت، في منزل على الطراز القديم ـ المفضل لدى جنبلاط ـ أعيد تجديده منذ عامين في محلة «كليمنصو» في بيروت، وهو منزل صغير نسبيا من 3 طبقات ولا يضم في إطاره سوى العائلة والحراسة الشخصية. وفي أيام الصيف ينتقل جنبلاط إلى المختارة كل خميس ويعود إلى بيروت الاثنين. وهو يخصص ظهر كل سبت وأحد للاستقبالات الشعبية، يستمع إلى الناس ويحاول تحقيق بعض مطالبهم، حتى وإن كانت غير منطقية أحيانا. أما في الأزمات، فينتقل جنبلاط إلى معقله الحصين، كما حصل خلال موجة الاغتيالات عامي 2005 و2006، عندما كان على رأس قائمة المرشحين للاغتيال، وقد أثبتت أحداث 7 مايو(أيار) وجهة النظر هذه حيث حوصر جنبلاط لأيام في منزله، على غرار العديد من السياسيين اللبنانيين.

وتكر سبحة السياسيين، وبينهم رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يفضل «المعاقل الخشبية» منذ أيام دير القطارة في الشمال خلال الحرب الأهلية، ثم إقامته في الأرز بعيد إطلاقه من السجن عام 2005، ثم انتقاله إلى بزمار فبلدة معراب، وهي كلها بلدات مسيحية جبلية. أما الرئيس السابق للجمهورية رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، فيقيم شتاء في منطقة سن الفيل في ضاحية بيروت الجنوبية، وصيفا في منطقة بكفيا الجبلية، فيما يقيم رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في منزل «بالإعارة» في منطقة الرابية الفخمة، يعود أساسا إلى أحد رجال الأعمال من آل الصحناوي، وقد ترشح نجل الأخير عن أحد مقاعد بيروت على لائحة عون خلال الانتخابات الأخيرة. أما عطلته الصيفية، فقد أمضاها هذا العام في أحد المنتجعات الفرنسية بدعوة من رجل أعمال لبناني.

أما الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فهو مجهول الإقامة منذ زمن طويل، لا يعرف موقعه صيفا ولا شتاء. ومنذ تدمير المنزل الذي كان يستأجره في محلة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2006، فقد كان آخر ارتباط له بعالم الواقع المعروف، خصوصا أن المنزل الذي أعيد بناؤه تم تسليمه لمالكيه الأساسيين مباشرة بعد إنجاز إعادة البناء. ويقال إن نصر الله يقيم بشكل دائم في «غرفة عمليات المقاومة» وهي أكثر الأماكن سرية في لبنان.. والعالم ربما.