اتجاه لتضييق التحقيق ضد «سي آي إيه»

7 مسؤولين سابقين للاستخبارات طالبوا أوباما بوقف التحقيق في الانتهاكات

TT

يعالج تحقيق وزارة العدل في إساءة معاملة المحتجزين عددا محدودا من القضايا، تتعلق أحدها على الأقل بمقتل سجين أفغاني في منشأة سرية وفقا لمصدرين مطلعين.

وقد طالب سبعة من المديرين السابقين بالاستخبارات الأميركية الرئيس أوباما يوم الجمعة بإنهاء ذلك التحقيق، بحجة أنه سوف يحد من عمليات الاستخبارات في المستقبل، ويهز ثقة موظفي الوكالة الذين كانوا يعتقدون أن ساحتهم قد برئت في التحقيقات السابقة.. فقد كتب المديرون الذين عملوا في ظل رؤساء جمهوريين وديمقراطيين خلال الخمسة والثلاثين عاما الماضية في خطاب: «إن قرار المحامي العام إريك هولدر بفتح التحقيق الجنائي يخلق جوا مقلقا بالنسبة لهؤلاء الذين كانت وزارة العدل قد رفضت محاكمتهم قبل ذلك».

وقال الرؤساء السابقون لوكالة المخابرات المركزية الأميركية إنه جرى التحقيق بالفعل في هذه القضايا خلال إدارة جورج بوش السابقة ورفض المحامون مقاضاة المتعاقدين باستثناء متعاقد واحد. وقالوا في رسالة إن هذا النهج سيضر بشكل خطير باستعداد ضباط المخابرات للقيام بمخاطر من أجل حماية البلاد. ووقع الرسالة الموجهة إلى أوباما ثلاثة من الذين تولوا رئاسة وكالة المخابرات المركزية الأميركية خلال رئاسة بوش، وهم: مايكل هايدن، وبورتر جوس، وجورج تينيت، بالإضافة إلى جون ديوتش وجيمس وولسي ووليام ويبستر وجيمس شليزنغر الذين عملوا في إدارة نيكسون. وقال أوباما إنه يتطلع إلى ما بعد إدارة بوش التي اتهمتها جماعات للحقوق المدنية باستخدام التعذيب لانتزاع معلومات من متشددين مشتبه بهم في خرق للقانونين الأميركي والدولي. ويتزايد عدد المعارضين لذلك التحقيق منذ أن أعلن هولدر عن فتحه قبل عدة أسابيع، وذلك على الرغم من أن القضايا التي سوف يتناولها التحقيق قد أصبحت أكثر تحديدا؛ فمن بين القضايا التي سيعاد التحقيق فيها القضية المتعلقة بوفاة شاب أفغاني تم ضربه وتقييده إلى الأرض الإسمنتية بدون بطاطين، مما أسفر عن وفاته في إحدى الليالي الباردة في منشأة سرية تابعة للاستخبارات في شمال كابول معروفة باسم «سولت بيت». وتلقي حادثة نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 والتفاصيل المهمة التي ما زالت مبهمة الضوء على التحديات التي تواجه المدعي العام جون دورهام، الذي اختاره هولدر لكي ينظر فيما إذا كان سوف يتم فتح تحقيق جنائي واسع النطاق في استجوابات الوكالة التي ربما تكون قد خرقت القانون خلال إدارة بوش، أم لا. ووفقا لأحد المصادر، فإن أحد الأسباب التي دفعت هولدر لاتخاذ قراره كان تلك العناصر غير المحددة التي أخذت تتكشف منذ بدء التحقيق في تلك القضايا قبل عدة سنوات. ومن جهة أخرى، قلل المدعي العام من الآمال المعلقة على ذلك التحقيق؛ حيث صرح الشهر الماضي قائلا: «إن فتح تحقيق مبدئي ـ إذا كان مدعوما بالدليل ـ أو فتح تحقيق شامل لا يعني بالضرورة أنه سوف يتم توجيه تهم لهؤلاء الأشخاص».

وعلى الرغم من أن التقارير الأولية أشارت إلى أن دورهام سوف يعيد النظر في عشر قضايا، فإن مصدرا صرح أخيرا بأن عدد القضايا التي سوف ينظر فيها دورهام أقل من ذلك بكثير. وكان المحقق العام بوكالة الاستخبارات الأميركية قد أحال 24 قضية تتعلق بسوء المعاملة إلى المدعين الفيدراليين، رفضت 22 قضية منها، وفقا لخطاب من مسؤول الاتصال التشريعي بوزارة العدل في فبراير (شباط) 2008. وقد أدين في تلك التحقيقات شخص واحد هو العميل بالاستخبارات دايفيد باسارو الذي أدين بتهمة إساءة معاملة السجناء؛ حيث اعتدى باسارو بالضرب على المحتجز الأفغاني عبد الوالي بمشعل كهربائي (بطارية)، وقد توفي عبد الوالي بعد ذلك. ومع ذلك لم يتهم باسارو بل وجهت له تهمة أقل خطورة وهي الاعتداء نظرا لصعوبة الربط بين وفاة والي والضرب الذي تعرض له. وعندما رفضت القضايا الأخرى، أشار مسؤولون بوزارة العدل إلى الصعوبات التي تواجههم بما فيها الافتقار إلى الأدلة، وحدود نطاق سلطاتهم، و«الاحتمالات المنخفضة للإدانة»، وذلك وفقا لخطاب أرسل إلى الديمقراطيين بمجلس الشيوخ الذين كانوا قد طالبوا بمعلومات حول سير التحقيقات. وقد نعت أحد المحاميين الحكوميين ذوي الصلة بذلك التحقيق مسألة الأدلة بأنها «مأزق» قائلا إن المواد التي تم جمعها من ميدان المعركة ومن السجون السرية يصعب استخدامها في قضية جنائية حيث يتطلب ذلك أن يتجاوز الدليل كونه مجرد شك منطقي.

وذكر مسؤولون بالاستخبارات أن فريقا متشددا من المدعين الفيدراليين قام بتقييم مزاعم إساءة معاملة المحتجزين، ورفض توجيه تهم جنائية لموظفي الاستخبارات بعد أن تعرض بعض هؤلاء الموظفين للعقاب الداخلي. فيقول بول غيمجليانو، المتحدث الرسمي باسم الاستخبارات: «تتعاون الوكالة مع التحقيقات الرسمية الحالية لكي تتأكد من سير الأمور بفعالية».

يذكر أن المسؤولين بالاستخبارات كانوا قد أحالوا قضية «سولت بيت» إلى وزارة العدل قبل خمسة أعوام، ولكن المدعي العام توصل في ذلك الوقت إلى أن السجين الأفغاني لم يكن تحت طائلة القانون الأميركي، وذلك بالرغم من أن الاستخبارات الأميركية هي التي كانت تمول تلك المنشأة وتشرف على الحراس المحليين لها.

ولم يكن واضحا بالنسبة للمحققين إذا ما كان المحتجز ـ كان ضمن السجناء الذين ألقي القبض عليهم في باكستان ـ قد مات جراء الإصابات التي أصيب بها خلال الحجز أو من برودة الجو؛ وذلك حيث إن انخفاض حرارة الجسم كان من بين أسباب الوفاة التي سجلها الطب الشرعي في تقرير الوفاة ولكن الجثة لم تكن متاحة للمحققين، وظل هناك تساؤلا يتعلق بما إذا كان انخفاض الحرارة قد استخدم كذريعة لحماية الأشخاص الذين ضربوا السجين.

ولاحقا، منحت الاستخبارات الأميركية لأحد عملائها الشباب الذي كان يشرف على الاستجوابات في «سولت بيت» ـ كانت أول المهام الموكلة إيه ـ ترقية، مما أوحى بأن الوكالة لا ترى أن هناك جريمة قد ارتكبت. ووفقا لمصادرنا فقد لعب ذلك العميل دورا غير واضح في عدد من حوادث إساءة معاملة المحتجزين في العراق.

وقد أكد أحد المسؤولين الكبار الذين شاركوا في كتابة التقرير، إنه من بين ما يقارب الأربع والعشرين إحالة، كانت قضية «سولت بيت» واحدة من بين قضيتين أو ثلاث أقرب لكونهم حوادث جنائية.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط »