«سي آي إيه» ستوسع عملياتها بأفغانستان لتكون أكبر قواعدها الخارجية

طالبان تكسب أرضاً وتدخل مرحلة إعداد انتحاريين لتوريدهم إلى منظمات أخرى

TT

قال مسؤولون أميركيون إن وكالة الاستخبارات الأميركية ( سي أي ايه) سوف تنشر فرقا من العملاء، والمحللين، والعملاء شبه العسكريين في أفغانستان، كجزء من عمليات استخباراتية توسعية، سوف تجعل قاعدتها هناك واحدة من أكبر قواعد الوكالة في التاريخ.

ومن المتوقع أن ينافس حجم قوة الاستخبارات الأميركية في أفغانستان، بعد الانتهاء من عمليات التوسع، حجم قواعدها الكبرى في العراق، وفيتنام في ذروة الحربين. وعلى الرغم من الأرقام الدقيقة لا تزال سرية، قال أحد المسؤولين الأميركيين، إن الوكالة لديها بالفعل حوالي 700 عميل في أفغانستان.

ويتزامن ذلك التوسع مع التوسع العسكري الذي تقوم به الولايات المتحدة، ويأتي في ظل تعرض الهيئات التابعة لوكالة الاستخبارات لضغط شديد من الجنرال ستانلي ماككريستال بغرض تكثيف العمليات الاستخباراتية على حركة طالبان، وإيجاد طريقة للتعامل مع عدد من المشكلات التي تواجههم هناك؛ التي من بينها زيادة انفجار القنابل على جانب الطريق إلى ضعف العدد، والعدد المتنامي للهجمات الدقيقة الموجهة لقوات التحالف، بالإضافة إلى وجود أدلة على أن حركة طالبان قد طورت مقاربة جديدة لإعداد الأشخاص المستعدين للقيام بعمليات انتحارية، وتوريدهم لغيرها من منظمات المتمردين، كما كان المسؤولون بالولايات المتحدة أكثر توجسا من العمليات الانتحارية الدقيقة: مثل إرسال أكثر من مقاتل مسلحين لشن هجمات منظمة في نفس الوقت قبل تفجير أنفسهم.

وسيوكل لعملاء الوكالة في أفغانستان عدة مهام؛ منها التعاون مع وحدات القوات الخاصة، التي تلاحق أهدافا ذات أهمية قصوى، رصد المشاعر العامة في المقاطعات التي أصبحت متعاطفة مع حركة طالبان، بالإضافة إلى جمع معلومات استخباراتية تتعلق بالفساد في الحكومة الأفغانية.

ويقول المسؤولون، إن التوسع الاستخباراتي سوف يمتد من وكالة الاستخبارات لكي يشمل كافة الهيئات الاستخباراتية الأخرى، مثل وكالة الأمن القومي، التي تراقب المكالمات الهاتفية والبريد الالكتروني، بالإضافة إلى وكالة استخبارات الدفاع التي تتعقب التهديدات العسكرية.

وتتعرض إدارة أوباما لضغوط كبيرة، لكي تحرز تقدما في أفغانستان، أخذا في الاعتبار أن الإدارة الأميركية ليس أمامها أبعد من الصيف المقبل قبل أن ينهار التأييد العام لجهود الحرب.

وتتزامن عمليات التوسع مع التحذيرات التي أطلقتها الهيئات الاستخباراتية، التي تتعلق باكتساب المتمردين في أفغانستان أرضا وقوة جديدتين. فيقول أحد المسؤولين بوزارة الدفاع المطلعين على التقديرات السرية الاستخباراتية: «لقد وصلت طالبان إلى أعلى مستويات تقدمها منذ عام 2001، عندما طردوا من الدولة». وقد تحدث هذا المسؤول وغيره، شريطة عدم ذكر أسمائهم نظرا لحساسية الموضوع.

ويضيف المسؤول، أن المكاسب الجغرافية لحركة طالبان لم تتباطأ، إلا أنها قد توغلت بالفعل في معظم المناطق التي يقطنها أغلبية من الباشتون ـ الشبكات القبلية التي جعلت من تلك المناطق مناطق نفوذ لها. مضيفا: «لا يبدو أنهم قد افتقروا أبدا للقوى البشرية، أو للتمويل».

ويقول المسؤولون، إنهم يعتقدون أن لدى المتمردين حوالي 15 إلى 20 ألف مقاتل، ويضيف المسؤولون أن ذلك النطاق من التقديرات واسع نظرا لتفاوت الانتماء بين تلك الجماعات، فكل منها لديها مقاتلون على درجة مختلفة من الولاء للقضية. ويقول أحد المسؤولين بمواجهة الإرهاب بأميركا: «أنت لا تتحدث عن تشكيلات ثابتة تعتمد على مقاتلين متفرغين. فأعداد المقاتلين تقل وتزيد، كما تظهر مجموعات من المقاتلين ثم تختفي».

وقد رفض المتحدث الرسمي باسم وكالة الاستخبارات بول غيمجليانو، التعليق على مسألة توسع الاستخبارات في أفغانستان، ولكن أحد المسؤولين بوكالة الاستخبارات قال، إن هيئات الاستخبارات «توقعت ذلك التوسع نظرا لأن الاستخبارات في حاجة له». مضيفا: «لقد كانت الاستخبارات منذ بعض الوقت تنشر المزيد من موظفيها في أفغانستان».

وتعد عملية التوسع تلك هي العملية الاستخباراتية الأخيرة ضمن سلسلة من عمليات التوسع هناك، فبعد أن كان لدى الوكالة عدد محدود من العملاء في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ازداد عدد عملائها الموجودين هناك، ليصل إلى 150 بنهاية عام 2001 و300 بنهاية 2005.

وكان تقرير حديث لمجلس الشيوخ قد انتقد دور الاستخبارات في أفغانستان خلال السنوات الثماني الماضية، قائلا إن الوكالة قد وفرت قدرا كبيرا من المال والدعم للقادة العسكريين الذين يرتبط بعضهم بتجار المخدرات، وحولوا الدعم الأميركي لهم إلى فرصة للارتقاء إلى المناصب الحكومية العليا.

من جهة أخرى، يقول أحد المسؤولين إن وكالة الاستخبارات تتمركز في السفارة الأميركية في العاصمة الأفغانية كابل، يديرها رجل مخضرم على دراية بالعمليات شبه العسكرية. ولكن معظم قوة العمل في الاستخبارات الأميركية موزعة على القواعد السرية والمراكز العسكرية التي تحيط بالبلاد.

ومؤخرا، كانت الاستخبارات تستعد لنشر فرق اتصال مع عمليات الأزمات، وهي عبارة عن وحدات صغرى مرتبطة بالإدارة العسكرية الإقليمية تمكن الضباط من الوصول إلى المعلومات التي يجمعها عملاء الاستخبارات، بالإضافة إلى تمكينهم من استخدام الأقمار الصناعية وغيرها من الموارد.

ومن أكثر المناطق التي يوجد بها عدد كبير من العاملين بالاستخبارات هي منطقة القاعدة الجوية «باغرام» بشمال كابل، التي تعد مركز قوات العمليات العسكرية الخاصة الأميركية، بالإضافة إلى أنها كانت لعدة سنوات السجن السري للوكالة.

ومن المتوقع أن يقوم ماككريستال بتوسيع نطاق استخدام تلك الفرق التي تتضمن عملاء استخبارات وجنود العمليات الخاصة، ففي العراق، استخدم ماككريستال، الذي كان يشرف على قوات العمليات الخاصة من عام 2003 إلى 2008 مثل تلك الفرق، لكي يسرع من دائرة جمع المعلومات الاستخباراتية وشن الغارات التي تستهدف قتل أو أسر المتمردين. فيقول مسؤول سابق بالاستخبارات العسكرية الأميركية، كان يعمل مع الجنرال ماككريستال في العراق: «لقد كان قادرا على التخطيط خلال النهار، وشن الغارات أثناء الليل، وفي بعض الأحيان كان يشن عدة غارات في نفس الوقت إذا تمكن من نقل المعلومات بالسرعة المطلوبة. وما يحتاج إلى عمله الآن هو أن يجعل دائرة العمل أسرع من دائرة الرجال الأشرار».

ويواجه رجال الاستخبارات عدة تحديات في أفغانستان؛ فيقول مسؤولون حاليون وسابقون بالاستخبارات، إن العملاء والمحللين لا يمثلون إلا ثلث القوة الفعلية للوكالة في أفغانستان، بينما يشارك الآخرون في عمليات الدعم ـ مثل توفير الأمن وإدارة أنظمة الكمبيوتر ـ التي تعد من المهام الشاقة في أفغانستان نظرا لحجم الدولة، وانهيار البنية التحتية.

بالإضافة إلى أن الاستخبارات تنفذ كذلك حملة الهجمات الصاروخية، التي تطلقها الطائرات من دون طيار على معاقل تنظيم القاعدة في باكستان. وقد وصل عدد الهجمات حتى الآن إلى حوالي 37، وبالتالي فقد تجاوز هذا الرقم إجمالي الهجمات في 2008، وفقا للبيانات التي نشرها موقع «لونج وور جورنال»، الذي يرصد هجمات الطائرات من دون طيار على باكستان. وقد قدمت الوكالة مؤخرا طلبا بالمزيد من الطائرات من دون طيار من القوة الجوية التي تدير أسطول طائرات «الدرون»، وفقا لأحد المسؤولين. ولعدة سنوات، كان يتم شن تلك الهجمات من خارج باكستان، ولكن بعضها كان يطلق من قاعدة جوية داخل الحدود الأفغانية بالقرب من جلال آباد. ويذكر أن إحدى الهجمات بالطائرات التي تعمل من دون طيار قد قتلت خلال الشهر الماضي بيت الله محسود زعيم حركة طالبان. ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يراقبون من كثب، لكي يروا إذا ما كان موته سوف يتزامن مع انخفاض مؤقت لعدد العمليات الانتحارية أم لا.

وكانت منظمة محسود قد أصبحت هي المورد الرئيسي للمفجرين الانتحاريين للجماعات الأخرى؛ حيث تدرب المهاجمون الذين يتم توزيعهم في بعض الحالات لشن هجمات في باكستان وأفغانستان.

ويقول المسؤول بوزارة الدفاع: «لقد حول الأمر إلى عمل تجاري. حيث إنه كان يدرب الناس، ويعدهم لتنفيذ العمليات، ثم يقايضهم أو يبيعهم».

وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين الأميركيين يقولون إن محسود لم تكن تحركه الدوافع المالية، إلا أنهم أكدوا أنه كان يعقد صفقات لتوريد انتحاريين، فيقول أحد المسؤولين الأميركيين بمكافحة الإرهاب: «لم يكن يبيع الانتحاريين مثل البضائع من أجل الربح. فقد كان يقدم الموارد ـ في هذه الحالة كانت الموارد هي بشر مستعدون للموت ـ للمجموعات الموالية له مقابل أشياء يحتاجها، فقد كانت صفقات تعقد بين شخصيات قبلية وليست اتفاقيات للبيع بين شركتين».

ولمدة ثماني سنوات، اشتملت أولويات الاستخبارات الأميركية في أفغانستان مطاردة القاعدة، وإقامة علاقات مع القادة العسكريين مقدمين لهم حوافز ـ كانت تشتمل النقد في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان الأخرى كانت تتضمن الفياجرا ـ بالإضافة إلى إعادة بناء الهيئات الاستخباراتية الأفغانية، وقد ظهرت صعوبة تلك المهمة خلال الشهر الجاري باغتيال المسؤول الثاني بالاستخبارات الأفغانية. ولكنه من المرجح أن يتغير دور الوكالة تحت إدارة ماككريستال، الذي أكد حرصه على حماية المدنيين واجتثاث الفساد الحكومي. وقد زادت بالفعل الهيئات الاستخباراتية من عمليات التدقيق التي تجريها على الفساد في كابل. كما ألقى تقرير مجلس الشيوخ الأخير الضوء على نظام التسجيلات السرية، الذي تم تفعيله العام الماضي، والذي كان موجها لرصد الصلات بين المسؤولين الحكوميين وتجار المخدرات في الدولة.

*خدمة لوس أنجليس تايمز

* خاص بـ«الشرق الأوسط»