وثيقة سرية لقائد القوات الأميركية في أفغانستان: مزيد من القوات.. أو الفشل

حدد 3 جماعات.. طالبان وقائدها الملا عمر في كويتا.. وجماعة حقاني التي تتلقى تمويلا من باكستان وشبكات عربية.. وحكمتيار * الجنرال مكريستال: ضعف مؤسسات الدولة والفساد وأخطاء «إيساف»، لم تجعل أمام الأفغان ما يدعوهم لمساندة حكومتهم

TT

حذر قائد القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في أفغانستان، في إطار تقييم عاجل وسري للحرب، من أنه بحاجة إلى مزيد من القوات في غضون العام المقبل، وأعلن بوضوح أنه من دون تلقيه هذه القوات، فإن الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات «من المحتمل أن تنتهي بالفشل»، طبقا لنسخة من وثيقة مؤلفة من 66 صفحة حصلت عليها «واشنطن بوست». وشدد الجنرال ستانلي إيه. مكريستال بوضوح على أن «الفشل في الفوز بالمبادرة والقضاء على زخم التمرد في المستقبل القريب (الشهور الـ12 المقبلة) ـ أثناء فترة بلوغ قوات الأمن الأفغانية النضوج ـ ينطويان على مخاطرة جعل هزيمة حركة التمرد أمرا متعذرا». وقد أُرسل التقييم الذي وضعه مكريستال إلى وزير الدفاع روبرت غيتس في 30 أغسطس (آب)، وتجري مراجعته حاليا من قبل الرئيس أوباما وفريق العمل المعني بالأمن القومي المعاون له. يذكر أن مكريستال اختتم الجزء المعنون «موجز القائد» الواقع في خمس صفحات بنبرة متفائلة، حيث قال: «رغم خطورة الموقف، ما زال النجاح ممكنا». بيد أنه حذر مرارا من أنه من دون توافر مزيد من القوات والتنفيذ السريع لاستراتيجية حقيقية لمكافحة التمرد، تبقى الهزيمة أمرا محتملا. ووصف مكريستال الحكومة الأفغانية بأنها مفعمة بالفساد، وأشار إلى أن جهود القوات الدولية تتعرض للتقويض جراء تكتيكات تثير سخط المدنيين. إضافة إلى ذلك، طرح القائد الأميركي معلومات جديدة مفصلة حول حركة التمرد التي تتزعمها جماعة «طالبان»، التي يصفها بالعدو القوي والمعقد الذي يستخدم حملة دعائية حديثة، ويعمد بصورة منظمة إلى التواصل مع المحتجزين داخل السجون الأفغانية بهدف تجنيد أعضاء منهم، بل والتخطيط لشن عمليات. جدير بالذكر أن التقييم الذي وضعه مكريستال يعد واحدا من خيارات عدة يعكف البيت الأبيض على دراستها. ويمكن أن تزيد خطته من حدة الجدال الدائر على الصعيد الوطني، الذي أعرب في إطاره المشرعون الديمقراطيون عن ترددهم حيال إرسال مزيد من القوات إلى حرب تفتقر إلى التأييد الشعبي.

من جهته، أعلن أوباما الأسبوع الماضي، أنه لن يتخذ قرارا إزاء إرسال مزيد من القوات لأفغانستان حتى «تتضح له تماما ماهية الاستراتيجية المتبعة». على الجانب الآخر، أعد مكريستال طلبا تفصيليا منفصلا للحصول على قوات إضافية وموارد أخرى. إلا أن مسؤولي الدفاع قالوا إنهم بانتظار الحصول على تعليمات قبل إرساله إلى البنتاغون. من ناحية أخرى، طلب مسؤولون بارزون بالإدارة الأميركية من «واشنطن بوست» خلال عطلة نهاية الأسبوع حجب أجزاء موجزة من التقييم؛ بدعوى أنها قد تعرض العمليات المستقبلية للخطر. وتم إقرار بعض إجراءات الحذف بناء على طلب الحكومة. من جهته، أوضح مكريستال، أن دعوته لإرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان تعتمد ضمنيا على انتهاج استراتيجية تركز خلالها القوات على حماية الأفغان، بدلا من قتل المتمردين أو السيطرة على المناطق. ومن بين أبرز ما أشار إليه مكريستال قوله: «من المحتمل أن تسفر الموارد غير الملائمة عن الفشل. لكن من دون استراتيجية جديدة، لا ينبغي توجيه موارد إلى المهمة». كما يحوي التقييم الذي قدمه مكريستال نقدا لإخفاقات الحكومة الأفغانية، حيث أكد أن الفساد الحكومي يشكل تهديدا على نفس قدر خطورة حركة التمرد بالنسبة لمهمة «القوة الدولية للمساعدة الأمنية»، حسبما تعرف قوات حلف «الناتو» التي تقودها واشنطن، والتي تعرف اختصارا باسم «إيساف». قال مكريستال: «ضعف مؤسسات الدولة والإجراءات المعيبة من قبل من يتولون السلطة وتفشي الفساد وسوء استغلال السلطة من جانب العديد من المسؤولين، إضافة إلى الأخطاء التي تقترفها «إيساف»، لم تجعل أمام الأفغان ما يدعو لمساندة حكومتهم». تمثلت المحصلة النهائية في ظهور «أزمة ثقة بين الأفغان، إلى جانب ذلك، فإن الاعتقاد بأن عزمنا مقلقل جعل الأفغان مترددين حيال التحالف معنا ضد المتمردين»، حسبما أوضح مكريستال. امتدت انتقادات مكريستال إلى القيادة التي تولى مسؤوليتها منذ 15 يونيو (حزيران). وأعرب عن اعتقاده بأن نقطة الضعف الرئيسة في قوات «إيساف» أنها لا تدافع بقوة عن الشعب الأفغاني. وقال: «انشغالنا بحماية قواتنا جعلنا نعمل على نحو إيجاد مسافة بيننا ـ فعليا ونفسيا ـ وبين الشعب الذي نسعى لحمايته، ليس بإمكان المتمردين هزيمتنا عسكريا، لكن بمقدورنا هزيمة أنفسنا». واستطرد مكريستال قائلا: «ليس هناك تفهم ملائم للشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية الأفغانية المعقدة. ولا تقدر «إيساف» بما يكفي الديناميكيات القائمة داخل المجتمعات المحلية، ولا كيف يجتمع التمرد والفساد والمسؤولون وأصحاب السلطة منعدمو الفاعلية والإجرام جميعا في التأثير على الشعب الأفغاني». أضاف مكريستال، أن جهود التحالف الدولي لجمع الاستخبارات ركز على كيفية مهاجمة المتمردين، ما أعاق «تفهم «إيساف» للجوانب الجوهرية من المجتمع الأفغاني». في ملحق مؤلف من أربع صفحات حول عمليات الاحتجاز، حذر مكريستال من أن نظام السجون في أفغانستان تحول إلى «ملاذ وقاعدة لتنفيذ عمليات فتاكة» ضد الحكومة وقوات التحالف الدولي. وذكر كمثال وجود صلة واضحة بين تفجير فندق «سيرينا» عام 2008 في كابل وهجمات أخرى من جهة والسجون من جهة أخرى. وأضاف: «نظرا لعدم كبح جماحهما، ينسق ويدبر قادة «طالبان» و«القاعدة» بتأنٍ، غير عابئين بتدخل من مسؤولي السجن أو القوات العسكرية». ذكر التقييم الذي قدمه مكريستال، أن متمردي «طالبان» و«القاعدة» «يشكلون أكثر من 2.500 من بين إجمالي 14.500 محتجز داخل النظام العقابي الأفغاني، الذي يعاني من التكدس بصورة متزايدة». داخل هذا النظام، «يختلط إسلاميون متشددون ومثابرون من دون تمييز مع مرتكبي جرائم حقيرة واعتداءات جنسية، وهم يستغلون الفرصة لجذب الآخرين للتيار الراديكالي ونشر أفكارهم بينهم». ونوه القائد الأميركي إلى أن الولايات المتحدة «أتت إلى أفغانستان عام 2001 متعهدة بحرمان هؤلاء الأعداء من الملاذ الآمن»، مستطردا بأنهم يعملون حاليا مع تمتعهم بحصانة نسبية داخل السجون. وقال: «هناك عدد أكبر من المتمردين بالنسبة للقدم المربع داخل منشآت العقاب عما عليه الحال في باقي أنحاء أفغانستان». من ناحية أخرى، حدد مكريستال معالم خطة لبناء قدرة الحكومة الأفغانية على إدارة معسكرات الاحتجاز التابعة لها، ووضع جميع مثل هذه المنشآت في نهاية الأمر تحت السيطرة الأفغانية، بما في ذلك منشأة باغرام الخاضعة للإدارة الأميركية. في الوقت الحاضر، نظرا لنقص القدرات، «تراجعت العمليات المثمرة للتحقيق وجمع الاستخبارات من المحتجزين» في باغرام. «وعليه، يجري حاليا احتجاز المئات من دون توجيه اتهام لهم، ومن دون استراتيجية واضحة لمستقبل التعامل معهم، الأمر الذي يسمح للعدو باجتذابهم إلى الأفكار الراديكالية بدرجة أكبر عما كانوا عليه قبل إلقاء القبض عليهم. ولا يمكن تجاهل هذه المشكلة بعد الآن»، حسبما أكد مكريستال. واشتكى الجنرال من أن قيادته «لا تنفذ على النحو الملائم العناصر الأساسية» لجهود مكافحة التمرد المتعلقة بمنح الأولوية للشعب الأفغاني. وقال: «يجب النظر إلى أفراد «إيساف» باعتبارهم ضيوفا على الشعب الأفغاني وحكومتهم، وليس جيشا محتلا. ويجب أن تتلقى العناصر بالغة الأهمية من «إيساف» تدريبا على استخدام اللغات المحلية». كما أوضح مكريستال، أن قوات التحالف ستغير ثقافة عملها، ومن بين ملامح هذا التغيير قضاء «أقل وقت ممكن داخل المركبات المدرعة أو خلف أسوار قواعد العمليات الأمامية». وأعرب عن اعتقاده بان تعزيز شعور الأفغان بالأمن سيتطلب خوض القوات مخاطر أكبر، لكن التحالف «لا يمكنه النجاح إذا لم يكن على استعداد للتشارك في المخاطر، بصورة متكافئة على الأقل، مع الشعب». وحذر مكريستال من أنه على المدى القصير، «من الواقعي توقع زيادة الضحايا في صفوف الأفغان وقوات التحالف». كما اقترح الجنرال الإسراع من وتيرة نمو قوات الأمن الأفغانية. يذكر أن الهدف الحالي يتمثل في زيادة أعداد أفراد الجيش من 92.000 إلى 134.000 بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2011. لكن مكريستال يسعى لتقديم الموعد الزمني النهائي بحيث يصبح أكتوبر (تشرين الأول) 2010. بصورة عامة، يرغب مكريستال في أن ينمو الجيش الأفغاني ليصل إلى 240.000 فرد، وأن تصل الشرطة إلى 160.000 فرد، بحيث تتألف قوة أمنية إجمالية قوامها 400.000 فرد، إلا أنه لم يحدد متى سيتم الوصول إلى هذه الأهداف. علاوة على ذلك، دعا مكريستال إلى جهود «أكثر تناغما وشراكة بدرجة بالغة» مع الوحدات الأفغانية. وقال مكريستال، إنه يتحتم على المؤسسة العسكرية الاضطلاع بدور نشط في جهود المصالحة، واستقطاب المقاتلين المتمردين الأقل التزاما بحركة التمرد. وأضاف أن التحالف «بحاجة إلى برنامج موثوق به لعرض حوافز معقولة على المتمردين المؤهلين لتلقيها كي يتوقفوا عن القتال ويعاودوا حياتهم الطبيعية، وربما يتضمن ذلك توفير فرص عمل وحماية». وشدد مكريستال على أن قوات التحالف سيتعين عليها تعلم أن «هناك الآن ثلاث نتائج ممكنة بدلا من اثنتين» أمام المقاتلين الأعداء: ليس فقط الأسر أو الموت، وإنما كذلك «إعادة الاندماج». وشدد مكريستال على حجته بأن قيادته يجب تعزيزها حال وجود رغبة حقيقية في تجنب الفشل. وقال: «إن «إيساف» بحاجة لمزيد من القوات»، منوها بمتطلبات سابقة لموارد لم يتم الاستجابة لها، في إشارة واضحة إلى طلب سلفه الجنرال ديفيد دي. مكيرنان إرسال 10.000 جندي إضافي إلى أفغانستان. وحدد مكريستال ثلاث مجموعات متمردة رئيسة «تبعا لمستوى تهديدها للمهمة» وقدم معلومات تفصيلية حول هياكلها القيادية وأهدافها. أولها «كوتا شورى طالبان» التي يترأسها الملا عمر، الذي فر من أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ويعمل حاليا من داخل مدينة كويتا الباكستانية. طبقا لتقييم مكريستال، فإن «على مستوى العمليات، تشن «كويتا شورى» مراجعة رسمية لحملتها كل شتاء، يعلن في أعقابها الملا عمر تعليماته وأهدافه للعام المقبل». وأشار مكريستال إلى أن حركة التمرد التي يقودها الملا عمر أقرت حكومة بديلة تعرف باسم الإمارة الإسلامية في أفغانستان، التي تعمد إلى استغلال نقاط الضعف في الحكومة الأفغانية. وقال: «إنهم يعينون حكام ظل بمعظم الأقاليم، ويراجعون أدائهم، ويستبدلونهم بآخرين دوريا. كما أقروا كيانا لتلقي الشكاوى ضد «مسؤوليهم» واتخاذ إجراءات ضدهم. وأسسوا محاكم شريعة لتطبيق العدالة السريعة والحازمة داخل المناطق المتنازع عليها، والأخرى التي يسيطرون عليها. ويزعمون أنهم يوفرون الأمن من الحكومة الفاسدة وقوات «إيساف» والجرائم وأصحاب السلطة من المحليين. كما يدعون حماية الهوية الأفغانية والمسلمة ضد العدوان الأجنبي». وأردف مكريستال موضحا أن ««كويتا شورى طالبان» ظلت تعمل على السيطرة على قندهار والمناطق القريبة منها طيلة سنوات عديدة، وهناك مؤشرات حول أن نفوذهم بالمدينة والضواحي القريبة منها كبير ومتنام». تتمثل ثاني أكبر جماعة متمردة في شبكة «حقاني»، النشطة في جنوب شرقي أفغانستان وتحصل على المال والقوة البشرية «بصورة رئيسة من باكستان وشبكات عربية خليجية ومن وراء تعاونها الوثيق مع «القاعدة» والجماعات المتمردة الأخرى التي تتخذ من باكستان مقرا لها». في جزء آخر من التقييم، ذكر مكريستال أن «صلات «القاعدة» بشبكة «حقاني» تزايدت، ما يوحي بأن تنامي رقعة سيطرة «حقاني» ربما توفر بيئة مناسبة» للحركات المتطرفة المتعاونة معها «لإعادة بناء ملاذات آمنة في أفغانستان». أما الجماعة الثالثة فتتمثل في «الحزب الإسلامي» بقيادة غلب الدين، الذي يحتفظ بقواعد في ثلاثة أقاليم أفغانية «علاوة على باكستان»، حسبما ورد في التقييم. يتولى زعامة هذه الشبكة القائد السابق للمجاهدين غلب الدين حكمتيار وترمي «للتفاوض حول الاضطلاع بدور كبير في حكومة طالبان المستقبلية. لكنه لا يتبع حاليا أهدافا جغرافية مثلما الحال مع الجماعات الأخرى»، رغم سعيه «للسيطرة على الثروة المعدنية وطرق التهريب الواقعة في الشرق». بوجه عام، طرح مكريستال النتيجة النهائية التي خلص إليها بشأن العدو على النحو التالي: «يسيطر المتمردون أو يسعون للسيطرة على جزء كبير من البلاد، رغم أنه من الصعب تقدير المساحة تحديدا بسبب نقص وجود قوات «إيساف»،» وذكر مكريستال أن المتمردين يجنون المال من وراء إنتاج وبيع الأفيون والمخدرات الأخرى، لكنه أضاف، أن «القضاء على قدرة المتمردين جني عوائد من وراء المخدرات ـ حتى لو كان ممكنا، ورغم ما يسببه من مشكلات لهم ـ يبقى غير كافٍ لتدمير قدرتهم على العمل طالما بقيت مصادر التمويل الأخرى سليمة من دون مساس». ونوه مكريستال إلى أنه في الوقت الذي يهيمن الأفغان على حركة التمرد، فإنه «من الواضح أنها تتلقى دعما من باكستان. ويتخذ كبار قادة الجماعات الأفغانية المتمردة الكبرى من باكستان مقرا لهم، ويرتبطون بـ«القاعدة» والجماعات المتطرفة العنيفة الأخرى، وتشير تقارير إلى أنهم يتلقون مساعدة من قبل بعض عناصر في «إدارة الاستخبارات الداخلية» الباكستانية». وتعمد «القاعدة» والحركات المتطرفة الأخرى «التي يوجد مقرها بباكستان إلى نقل المقاتلين الأجانب والتفجيريين الانتحاريين والمساعدة الفنية إلى داخل أفغانستان، وعرض التحفيز الأيديولوجي والتدريب والدعم المالي». قرب نهاية التقرير، عاد مكريستال إلى فكرته الرئيسة: «الفشل في توفير موارد مناسبة يحمل أيضا مخاطرة مواجهة صراع أطول أمدا، وسقوط ضحايا أكثر، وتحمل تكاليف إجمالية أكبر، وفي النهاية فقدان الدعم السياسي ذي الأهمية الحيوية. من المحتمل أن تسفر أي من هذه المخاطر، بدورها، عن فشل المهمة». * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»