أتراك ألمانيا.. قوة انتخابية لا تستطيع قلب الموازين في اقتراع الأحد

توقع التجديد لميركل.. والرهان على شريكها المقبل في الائتلاف الحاكم

TT

يشكل الأتراك المقيمون في ألمانيا، الميالون تقليدياً إلى اليسار، قوة انتخابية معتبرة، لكنهم يبدون عاجزين عن قلب الموازين في الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل، إذ لا تزال استطلاعات الرأي ترجح بقوة التجديد للمستشارة المحافظة انغيلا ميركل.

وعادة، يمنح الأجانب الذين يحق لهم التصويت في ألمانيا 90% من أصواتهم إلى الأحزاب اليسارية الممتدة بين الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر وحزب اليسار. ويقيم في ألمانيا، حسب الدائرة المركزية للإحصاء، 8.4 مليون أجنبي، يشكل الأتراك 2.8 مليون منهم. وهناك نصف مليون تركي يحق لهم التصويت فقط، بحكم نيلهم الجنسية الألمانية، في حين يوجد 7 ملايين أجنبي لا يحق لهم الانتخاب.

ولا يدخل ضمن هذه الإحصائية الألمان الذين انتقلوا من أوروبا الشرقية بعد تحقق الوحدة الألمانية، وأبناء الأجانب المولودين في ألمانيا.

ويستفيد الحزب الديمقراطي المسيحي وحليفه التقليدي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) من أصوات مليوني ألماني جاءوا إلى ألمانيا بعد الوحدة الألمانية من روسيا وبولندا على وجه الخصوص. فهؤلاء «المتجنسون المتأخرون»، يمنحون أصواتهم إلى المحافظين واليمين المتطرف، أي عكس الأتراك تماما.

ويرى الباحث البرليني، اندرياس فوست، المختص في شؤون الأجانب والأتراك على وجه التحديد، أن خيارات الأجانب في التصويت لا تختلف كثيرا عن خيارات الأتراك، إذ ينتخب التركي أو الأجنبي عموما حسب موقف الأحزاب من قضايا الأجانب والاندماج، ويركز الأتراك على الشخصيات أكثر من تركيزهم على الأحزاب.

وأوضح استطلاع للرأي أجراه معهد «امنيد»، أن غالبية الناخبين الأتراك، يفضلون النائب عن حزب الخضر التركي الأصل جيم اوزدمير مستشاراً لألمانيا. وتتوزع أصواتهم على اوزدمير ولالة أكجون (الاشتراكي) وسفيم داجدلين (حزب اليسار)، تاركين بعض الأصوات فقط لمرشح الحزب الليبرالي سيركان تورن. وبموجب الاستطلاع، يحصل اوزدمير على 25.1% من أصوات الأتراك، مقابل 20.2% للمرشح الاشتراكي فرانك فالتر شتاينماير، و6.5% للمرأة الحديدية ميركل، و2% لليبرالي فيستر فيللة.

ويقول التركي الأصل، بولنت ارسلان، الذي رشح نفسه عام 2002 في قائمة الحزب الديمقراطي المسيحي، إن الأتراك وصفوه بالـ«معتوه» و«الغشيم» لأنه ترشح ضمن المحافظين. وتلقى آنذاك العديد من الشتائم من أصدقائه ومعارفه، الذين لم يفهموا كيف يمكن لتركي مسلم أن يُرشح في حزب ألماني مسيحي. وبعيدا عن تأثير أصوات «المهاجرين»، يفيد آخر استطلاعات الرأي أن الحزب الديمقراطي المسيحي مرشح للفوز بالانتخابات التشريعية، لكن الرهان الرئيسي في هذه الانتخابات هو معرفة من سيكون شريك ميركل المقبل في الائتلاف الحاكم، الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي تحكم معه البلاد منذ أربع سنوات، أم الحزب الديمقراطي الحر.

وتتوقف الائتلافات المقبلة على نسبة الأصوات التي ستحصل عليها كل من الأحزاب الرئيسية الثلاثة. ويبدي الاتحادان الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي بزعامة ميركل رغبتهما في الحكم مع الليبراليين في الحزب الديمقراطي الحر. وقد كانا يريدان ذلك بالفعل في انتخابات 2005، غير أن فوزهما بفارق ضئيل أرغمهما على عقد «زواج مصلحة» مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وهو السيناريو الذي يمكن أن يتكرر.

وتعطي استطلاعات الرأي الأخيرة 35% من نوايا التصويت إلى الاتحادين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي و23% للحزب الديمقراطي الاشتراكي و13% للحزب الديمقراطي الحر و11% للخضر الشركاء المحتملين للحزب الاجتماعي الديمقراطي.

ويعد «الائتلاف الكبير» الذي يقود ألمانيا منذ 2005 مسؤولا إلى حد كبير عن الفتور الذي شاب الحملة الانتخابية. فإضافة إلى افتقارهما للجاذبية السياسية، تحكم ميركل ومنافسها الديمقراطي الاشتراكي فرانك فالتر شتاينماير البلاد معا، ومن ثم فإنهما يتقاسمان المسؤولية عن حصيلة الأداء الحكومي.

وشتاينماير وهو تكنوقراطي في الثالثة والخمسين من العمر، يطرح نفسه الأحد للمرة الأولى في الاقتراع الشعبي وهو نائب المستشارة ووزير الخارجية. وخلال المناقشات البرلمانية بشأن الأزمة التي أغرقت ألمانيا في أسوأ حالة انكماش منذ الحرب العالمية الثانية أشار المعلقون إلى توافق تام بين ميركل وشتاينماير فيما أطلق عليه «شتاينميركل».

وكانت المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي جرت بينهما الأسبوع الماضي ودية إلى حد دفع أحد المقدمين بعد أن فاض به الكيل إلى وصفهما بأنهما «زوجان قديمان منسجمان».

من جهة أخرى، لا يبدو أن ميركل نسيت أن تقدمها المريح عام 2005 شهد تدهورا خطيرا قبل الانتخابات مباشرة بسبب مواقفها الليبرالية، لذلك لم يقدم المحافظون هذه المرة أي وعود في حملتهم التي تركزت كليا عليها شخصيا.

وفي الجوهر لا يوجد اختلاف كبير في برنامجي الحزبين الرئيسيين، سواء فيما يتعلق بالخروج من الأزمة الاقتصادية أو الدفاع عن الوجود، المرفوض شعبيا، للجيش الألماني في أفغانستان.

وينصب الخلاف بين المحافظين وبين الديمقراطيين الاشتراكيين على وضع حد أدنى للرواتب للجميع، وأيضا وبشكل رئيسي على الملف النووي، إذ في حين يريد الحزب الديمقراطي الاشتراكي احترام القانون، الذي ينص على إغلاق المفاعلات النووية اعتبارا من عام 2020، يريد الاتحاد الاجتماعي المسيحي إطالة عمر هذه المفاعلات.