مصادر أميركية: قمة أوباما وأبو مازن ونتنياهو لجس نبض أفكار جديدة لإطلاق عملية سلام

بعد تعثر مدخل «بناء الثقة تمهيدا للمفاوضات».. توقعات بتدخل مباشر من الرئيس الأميركي * أرون ميلر لـ«الشرق الأوسط»: أضعنا 6 أشهر في عملية مستحيلة.. والملف الإيراني أخطر من أن يربط بالسلام

TT

بعد ستة أشهر من جولات مبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل إلى الشرق الأوسط ومباحثاته شبه الأسبوعية مع العشرات من المسؤولين العرب والإسرائيليين والأوروبيين بهدف إطلاق مباحثات سلام رسمية نهاية الشهر الجاري، يبدو أن إطلاق مباحثات للسلام ما زال متعثرا، وفي المحصلة النهائية نتيجته صفر حتى الآن. إلا أن أجواء التشاؤم لم تخيم بعد على البيت الأبيض، فهناك أفكار معدلة لعملية السلام يمكن أن تنطلق قريبا من قلب تعثر محاولات جورج ميتشل. وقال مسؤول أميركي قريب من ملفات الشرق الأوسط في الإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط» «ما نحتاجه الآن هو إعادة تمهيد الأرضية لإطلاق عملية السلام»، موضحا «لا نستخدم كلمة فشل.. لكننا نعرف أن مدخلنا للسلام قد يحتاج إلى تغيير». وأوضح المسؤول الأميركي «هناك نقاش جار حول تعثر بدء إطلاق المفاوضات. هناك نقاش جار حول كيف يمكن أن نتحرك للأمام من هذه النقطة. الرئيس أوباما سيبحث هذا مع المسؤولين العرب والإسرائيليين خلال الفترة القصيرة المقبلة. هناك نقاش حول الأسس التي يمكن على أساسها إعادة إطلاق المفاوضات»، وفيما رفض المسؤول الأميركي الخوض في تفاصيل محتوى النقاشات داخل الإدارة الأميركية وما إذا كانت الإدارة تبحث أفكارا جديدة لإطلاق عملية السلام، لم تستبعد مصادر قريبة من ملف السلام أن يعود إطلاق المفاوضات لكن في إطار «منهج شامل يطلق عملية مفاوضات بشأن قضايا الوضع النهائي مثل القدس واللاجئين جنبا إلى جنب مع مفاوضات بناء الثقة التي تشمل إجراءات من الطرفين تتضمن إطلاق الأسرى ووقف الهجمات وتجميد بناء الاستيطان في الضفة»، وذلك في اختلاف عن الصيغة التي بدأت بها إدارة أوباما مساعيها لإطلاق المفاوضات حتى الآن. فإدارة الرئيس الأميركي دخلت مسار عملية السلام في إطار رؤية تقوم على «إجراءات خطوة خطوة لبناء الثقة» تسبق بدء المفاوضات الفعلية. وانطلقت الإدارة في تحركاتها هذه من مبدأ أن كل مفاوضات السلام السابقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حدثت بمعزل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه القوي الإقليمية النافذة وبمعزل عن تحركات إسرائيلية تشي بالرغبة في السلام وبالتالي عندما جاءت لحظة تقديم تنازلات أو الإقدام على قرارات غير شعبية طوال الثلاثين عاما الماضية حول القضايا المصيرية مثل القدس والحدود واللاجئين، تراجع الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي خطوات للخلف أكثر مما تقدما خطوات للأمام وهذا يفسر تاريخ الفشل في مباحثات سلام الشرق الأوسط التي تعد موضوعا أساسيا من موضوعات السياسة الخارجية على مائدة كل رئيس أميركي منذ أكثر من 30 عاما. ويقول مسؤول أميركي بارز، عمل مع إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ومن المقربين من أعضاء الإدارة الحالية، لـ«الشرق الأوسط»، إن إدارة أوباما رأت أنه كانت هناك دائما «سلة واسعة جدا من المقترحات التي صيغت حول السلام. أي من هذه المقترحات كان يمكن أن يحقق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن المفاوضات لم تحقق أبدا مبتغاها وهو السلام بسبب غياب شيء اعتقد باراك أوباما أن إدارته يمكن أن تقدمه وهو خطوات لإظهار الرغبة في السلام». إلا أن الخطأ الذي بدأت أطراف في الإدارة الأميركية تدركه هو أن «التطبيع المسبق ووقف الاستيطان المسبق كانت قفزة أطول من احتمال الطرفين العربي والإسرائيلي»، بحسب وصف المسؤول الأميركي السابق. ويتابع «في موضوع التطبيع أعربت دول عربية عن استعدادها لتطبيع جزئي للمساعدة في بناء أجواء الثقة، إلا أن دولا أخرى كانت متشككة في هذا النهج مثل السعودية. مصر لم ترحب بالفكرة في البداية، إلا أن وزير خارجيتها عاد وقال: ممكن خطوات نحو التطبيع بالتزامن مع بدء تفاوض جاد ووقف الاستيطان. كانت وما زالت هناك خلافات عربية حول هذه النقطة. أما داخل إسرائيل فإن موقف نتنياهو من رفض وقف الاستيطان كشرط مسبق للمفاوضات أخذ دعما كبيرا من غالبية التيارات السياسية داخل إسرائيل».

وفيما تسعى الإدارة الأميركية إلى أن تظهر خيبة أملها من تعثر مباحثات جورج ميتشل للاتفاق مع الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية عربية وأميركية على موعد رسمي لإطلاق المفاوضات، إلا أن هناك بلا شك خيبة أمل وشعورا بأن المشاورات عادت إلى نقطة البداية بعدما قبلت أميركا أن خطوات التطبيع لن تشمل دولا عربية كبيرة رفضت المبدأ وشككت في جدواه، وبعدما أظهرت إسرائيل بشكل قاطع أنها لن تقبل بمبدأ وقف المستوطنات كشرط مسبق لإطلاق المباحثات، وبعد أن اضطرت أميركا إلى التراجع مرتين في هذه النقطة، المرة الأولى عندما قالت إنها لن تصر على وقف بناء المستوطنات كشرط مسبق إذا لم يصر الفلسطينيون عليه كشرط. والتراجع الثاني عندما قالت إن وقف المستوطنات ليس شرطا مسبقا لاستئناف المفاوضات بدون أن تذكر الفلسطينيين وموقفهم، مما أعطى نتنياهو الحجة ليقول إن الفلسطينيين هم سبب تعثر بدء التفاوض لأنهم أصروا على شرط لم يطرحوه من قبل لدى الإدارات السابقة «فوقف الاستيطان كان جزءا من عملية التفاوض وليس شرطا مسبقا لاستئنافها» كما قال نتنياهو. ويوضح المسؤول الأميركي القريب من ملف السلام لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك اعتقادا داخل الإدارة بأن ملف السلام قد يحتاج إلى مدخل مختلف»، إلا أنه رفض أن يسمي التعثر الحالي فشلا، موضحا «لا نستخدم كلمة فشل.. لكننا نعرف أن مدخلنا للسلام قد يحتاج إلى تغيير.. من الواضح أننا نحتاج إلى مواصلة المباحثات مع الأطراف المعنية. ربما يكون الحل الوسط هو أن يربط الاستيطان والتطبيع بجدول زمني في إطار عملية السلام. مثلا هناك رؤى أنه يمكن الاتفاق على وقف الاستيطان وبدء التطبيع من 9 إلى 18 شهرا من التفاوض. هذا كله خاضع لاتفاق الأطراف المعنية». وفيما لا تميل الإدارة الأميركية إلى وصف تعثر إطلاق المفاوضات الحالي بالفشل، إلا أن مسؤولين سابقين عملوا في ملف السلام يعتقدون أن الإدارة الأميركية ربما أساءت اختيار مدخل السلام، وأنها أضاعت 6 أشهر ثمينة في عملية مستحيلة. ومن هؤلاء أرون ديفيد ميلر مستشار دينيس روس منسق عملية السلام في الشرق الأوسط لإدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. ويقول ميلر لـ«الشرق الأوسط» «لست متفائلا كثيرا بنتائج مباحثات أوباما ونتنياهو وعباس. فالقضايا الأساسية التي بين أيدينا هي كيف يتوصل الفلسطينيون لتسوية حول اللاجئين والحدود والأمن والقدس، هذه القضايا لم يتم الاقتراب منها طوال 6 أشهر. أخشى أن يغرق الرئيس أوباما في تفاصيل لعبة المفاوضات وليس في جوهر المفاوضات ذاتها. العرب لن يقدموا على تطبيع من دون سلام، وحتى إذا وافقت إسرائيل بشكل جزئي على وقف الاستيطان فإن هذا لن يساعد كثيرا ولن يؤدي إلى أن تتقدم الأمور كثيرا على الإطلاق. وبالتالي لا أرى العلاقة بين ما كانت تفعله الإدارة خلال الشهور الستة الماضية والأهداف التي من المفترض أن تصل إليها وهى التقريب بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القضايا الجوهرية». ويتابع ميلر «لا أرى ما الذي حدث خلال الأشهر الستة الماضية، أو العلاقة بين دعوة العرب للتطبيع ووقف المستوطنات الإسرائيلية حتى جزئيا وبين الأهداف النهائية في عملية السلام. فالخط الذي تسير فيه الإدارة حاليا وهو التطبيع مقابل وقف المستوطنات لا يحمل في طياته أسسا لعملية سلام حقيقية. فحتى إذا بدأت المفاوضات فورا فإنه من المؤكد أنها كانت ستفشل فورا وتصل لطريق مسدود لأن الفجوة كبيرة جدا بين نتنياهو وعباس. ولتقليل الفجوة بين الطرفين يجب أن تكون للإدارة الأميركية خطة لإطلاق المفاوضات بدلا من الغرق في لعبة تفاصيل السلام.. أمام الرئيس أوباما تحد مستحيل. وأعتقد أنه بدلا من إهدار 6 أشهر كاملة حول وقف المستوطنات كشرط لاستئناف المفاوضات، كان من الأفضل أن يتم التركيز مع الفلسطينيين والإسرائيليين طوال الأشهر الستة الماضية على وضع أسس لانطلاق المفاوضات وبدء مفاوضات فعلية. وحتى هنا لم يكن نجاح أوباما مؤكدا، لكنه كان سيقول لمنتقديه: انظروا لقد حاولنا بدء المفاوضات لكننا فشلنا لأن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يتخذوا الخطوات اللازمة. كذلك يمكن أن يقدم أوباما نفسه مقترحات لاستئناف المفاوضات. لكن المشكلة أن مصداقيته تضررت بالفعل بسبب إخفاق الأشهر الستة الماضية». لكن مع عدم وجود أرضية مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتخوف البعض من أن يحرق أوباما نفسه بعقد لقاء ثلاثي مع نتنياهو وأبو مازن بلا سقف توقعات له وبلا نتائج محددة يمكن أن ترجى من اللقاء، إلا أن ميلر لا يعتقد أنها مخاطرة غير محسوبة العواقب، موضحا «من الجيد أن نعرف أين نحن من هذا المسار. فحتى إذا قرر نتنياهو وأبو مازن بدء مفاوضات غدا فإن هذه المفاوضات سوف تتعثر تقريبا بشكل فوري لأننا لم نعمل بشكل كاف على تحضير الأرضية لها. وبالتالي القمة الثلاثية ستطرح أمام أوباما سؤالا طرحُه الآن أفضل من طرحه لاحقا، وهو: ماذا يمكننا أن نفعل إذن أمام هذه العقبة. ما الذي يمكننا أن نفعله أمام ذلك الحائط المسدود في المفاوضات؟ هل نقدم أفكارا جديدة؟. أم نرسل هيلاري كلينتون في جولات مكوكية بالمنطقة على مدار الأشهر الأربعة المقبلة كي تضع الخطوط العامة لبدء المفاوضات. وإذا فشل هذا، هنا سيتدخل أوباما بنفسه ويضع بنفسه أفكارا لبدء المفاوضات؟. الآن مطالبة العرب بالتطبيع مع إسرائيل لا علاقة لها بالسلام. فتطبيع العرب مع إسرائيل في رأيي لن يؤدي إلى تسوية مسائل القدس واللاجئين والأمن والحدود. هذه القضايا شديدة التعقيد والحساسية تحل عبر التفاوض حولها وليس بالالتفاف عليها بمطالب مثل إجراءات لبناء الثقة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فالسلام في النهاية مرتبط بحل هذه القضايا الحساسة جدا للطرفين. أما المستوطنات فيمكن التوصل إلى تسويات حولها خلال المفاوضات نفسها. وضع التطبيع والمستوطنات كشروط مسبقة للتفاوض، أعاق العملية 6 أشهر ولم يؤد إلى أي نتيجة». وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دعت منتصف يوليو (تموز) الماضي الدول العربية إلى المبادرة «الآن» باتخاذ تدابير ملموسة باتجاه تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. إلا أنها وجدت ردود فعل عربية متباينة، فهناك دول عربية تشاورت مع واشنطن ولم تمانع في اتخاذ خطوات نحو التطبيع خلال عملية تفاوض توقف خلالها إسرائيل الاستيطان، لكنّ هناك دولا أخرى مثل السعودية رأت أن الطرح الأميركي يقدم القضايا الثانوية والفرعية على القضايا الجوهرية، وبالتالي يعطل السلام الحقيقي. وانتقد وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل في 31 يوليو الماضي في مؤتمر صحافي مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون دبلوماسية «الخطوة خطوة»، مؤكدا ضرورة معالجة القضايا الأساسية مثل الدولة الفلسطينية واللاجئين.

وقال «المسألة ليست معرفة ما سيقدمه العرب». وأضاف أن «المسألة الحقيقية هي ما ستعطيه إسرائيل مقابل هذا العرض الشامل»، مشيرا إلى المبادرة العربية التي اقترحتها السعودية وأقرتها الدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية والتي تعرض تطبيعا كاملا وشاملا في العلاقات مع إسرائيل مقابل انسحابها من كل الأراضي التي احتلتها في 1967 وإقامة دولة فلسطينية. واتهم الأمير سعود إسرائيل «بمحاولة تحويل الانتباه عن لب القضية» من خلال التركيز على مسائل ثانوية، مثل مشكلة الطيران المدني. وقال إن «هذه ليست الوسيلة للتوصل إلى السلام»، محذرا من أن ذلك لن يؤدي سوى إلى «عدم الاستقرار والعنف» في المنطقة، داعيا إدارة أوباما إلى معالجة النزاع العربي الإسرائيلي بسرعة.

وفيما اتخذت مصر نفس موقف السعودية في البداية، إلا أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عاد وتحدث في 8 سبتمبر (أيلول) الجاري عن إجراءات باتجاه التطبيع إذا استؤنفت المفاوضات وتم تجميد الاستيطان. وقال أبو الغيط في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإسباني، ميغيل أنخيل موراتينوس، إن إجراءات باتجاه التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ممكنة «إذا تحركت إسرائيل خطوة كبيرة تجاه الفلسطينيين تعكس مصداقية الموقف الإسرائيلي واستعداد إسرائيل للتفاوض الجاد والحقيقي بما يقودنا إلى نهاية الطريق أو ما يسمى الهدف النهائي للفلسطينيين في الدولة».

لكن كيف يؤثر التعثر في مسار عملية السلام على الملف النووي الإيراني. فأميركا تحتاج إلى دعم دول المنطقة والعالم عموما إذا قررت التصدي للخطر الإيراني بمزيد من العقوبات أو بما هو أفدح. فهل تؤثر مشكلات السلام على الملف الإيراني. الإجابة هي: لا. فكما يرى المسؤولون الأميركيون والغربيون أن الملف الإيراني وصل في الأشهر الماضية لدرجة من الحساسية تجعله أخطر من أن يربط بملف السلام أو بأي ملف آخر. بمعنى أن واشنطن ستراقب كيف ستتصرف إيران في اجتماع الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في اجتماع دول 5+1 في تركيا، وبناء على التحركات الإيرانية ستتخذ أميركا والدول الغربية قرارها المرتقب حول ما إذا ما كانت إيران جادة في التفاوض أم تسوّف الوقت. ويقول ميلر في هذا الصدد «الملفان ليسا مرتبطين من هذه الناحية، أي إذا فشلت أو تعثرت جهود السلام، تتعثر جهود الضغط على إيران. أميركا لديها مشكلة مع إيران، والمجتمع الدولي لديه مشكلة مع إيران. ساعة البرنامج النووي الإيراني تدق بسرعة أخطر كثيرا من ساعة ملف السلام. وليس هناك أي شيء يمكن أن يحققه أوباما في ملف السلام خلال الستة أو التسعة أشهر المقبلة يجعل الملف الإيراني أكثر سهولة في إدارته أو أقل خطورة في إدارته. وبالتالي هذان الملفان ليسا مرتبطين بشكل مباشر، وإنما بشكل استراتيجي، فكلاهما عنصر من عناصر حل الأزمات في الشرق الأوسط وتسوية الملفات العالقة في المنطقة، وكلاهما يمكن أن يشكل مستقبل المنطقة».