الملك عبد الله بن عبد العزيز.. حامل شعاري «التعامل بالندية» و «دبلوماسية التنمية»

فتح عينيه على أحداث مشحونة بالصراعات القبلية والفكرية والسياسية محلياً وعربياً وعالمياً * مكتبة الملك عبد العزيز في الرياض وشقيقتها في الدار البيضاء تأكيد على اهتمام الملك عبد الله بالثقافة

الملك عبد الله حامل شعاري التعامل بالندية ودبلوماسية التنمية
TT

في قصر الحكم في الرياض وبالتحديد عام 1343 هـ الموافق عام 1924م فتح «عبد الله بن عبد العزيز» عينيه لأول مرة على ملحمة البطولة والوحدة، وقد رآها تتحقق على يد والده القائد المؤسس مما أثر على الأمير ودفعه إلى التعلق بمآثر العرب وبطولاتهم، ليصبح فيما بعد سادس ملوك الدولة السعودية الحديثة وأحد قادة العرب البارزين والمؤثرين والرقم الصعب في العديد من المواقف والأحداث، وحوّل بلاده إلى رقم صعب في المعادلة الدولية الراهنة بحقائقها التي لا تنفصم فيها عرى الاقتصاد عن السياسة.

ويعد الملك عبد الله بن عبد العزيز سليل أسرة عربية أصيلة جذورها ضاربة في الأعماق، فهو ابن الجزيرة، وابن الصحراء، وابن عبد العزيز الملك والإنسان الموحد، أما خؤولته فمن رؤساء عشائر شمر، فجده لوالدته هو العاصي بن شريم، فارس نجيب من فرسان العرب وأحد شيوخ قبائل شمر، وكذا كان خاله مطني بن العاصي بن شريم.

أما والدته فهي «الفهدة» بنت العاصي بن شريم تزوجها الملك عبد العزيز وسكنت في قصر الحكم بالرياض، وقد ولدت له الأمير عبد الله والأميرة صيتة والأميرة نوف، وقد توفيت في هذا القصر. عاش عبد الله بن عبد العزيز في كنف والده مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز فتشرّب صفات العروبة من إباء وكرم ونجدة، فهو عنصر عربي أصيل بكل ما تحمله الأصالة من معنى، حيث علقت أحداث تلك المرحلة التاريخية بذهنه، وهي مرحلة مشحونة بالصراعات القبلية والفكرية في شبه الجزيرة العربية، إلى جانب التطورات السياسية في الوطن العربي، وفي العالم أجمع إبان الحربين العالميتين.

نشأ الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ طفولته في محيط القيادة الواعية، والعقيدة الإسلامية السمحة، في عمق وصفاء، وشمائل عربية متعددة من الرجولة والصدق، وقوة الإرادة، ونقاء السريرة والشجاعة، فمعلمه الأول هو الملك عبد العزيز الذي أثر فيه تأثيراً واضحاً، وأفاد الملك عبد الله من مدرسة والده وتجاربه في مجالات الحكم والسياسة والإدارة، وتلقى تعليمه ملازماً لكبار العلماء والمفكرين الذين عملوا على تنمية قدراته بالتوجيه والتعليم أيام صغره، لذلك فكان ولا يزال حريصاً على التقاء العلماء والمفكرين وأهل الحل والعقد سواء داخل بلاده أو خارجها، كما أن الدعامة الثانية في تكوين شخصيته هي ثقافته التي استمدها من قراءاته المختلفة في جوانب العقيدة والفكر والثقافة والسياسة والتاريخ حيث إن للملك عبد الله اهتمامات خاصة وكبيرة بالأدب والأدباء وله علاقات وثيقة بكثير من الأدباء، حيث يرى أن في الكتاب طريقاً لفهم ثقافة العصر ونظرياته وأفكاره وعلومه التي لا تنتهي، وهذا ما جعله يهتم بالكتاب وأهل الثقافة وكان من نتاج ذلك أن أسس مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض، كما أسس شقيقتها الأخرى في الدار البيضاء في المغرب، وتأكيداً على اهتمام الملك عبد الله بن عبد العزيز بالثقافة فقد أنشأ قبل ربع قرن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) فهو صاحب فكرة المهرجان الذي أصبح يقام سنوياً، وتشارك فيه كل الفعاليات الثقافية والتراثية من مختلف أنحاء السعودية، ويدعى إليه كثير من المفكرين والعلماء والمثقفين في جميع أنحاء العالم. تعددت هوايات الملك عبد الله التي لازمته منذ الصغر وحتى اليوم ما بين القراءة والسباحة وممارسة رياضة المشي والفروسية، كما برز الملك باستخدام الأسلحة المختلفة، ويعد من الرماة المشهورين، كما يجيد الملك لعبة البوليز.

ويميل الملك عبد الله بطبعه إلى البساطة في العيش، فهو يرى نفسه دائماً بين البسطاء من الناس، لا يعرف الكبر أو التعالي إلى قلبه طريقاً، طاهر النفس، ومتسامٍ مع مكارم الأخلاق، يتعامل مع الآخرين بكل رحابة صدر، وينصت لمحدّثه بكل هدوء فيوحي له بالاطمئنان، إن تحدث أوجز، وإن قال فعل، فهو مع إحقاق الحق ومناجزة الباطل، رافقت طفولته وصباه الصفات العربية، يهوى الصحراء وقد أمضى جزءاً من شبابه خارج المدن في الصحراء ولا يزال يخرج إليها كلما وجد متسعاً من الوقت، وتعد روضة خريم مقراً موسمياً له، خصوصاً أيام الربيع والشتاء.

ويعد الملك عبد الله من الشخصيات النادرة في الوطن العربي التي تتعامل مع الأحداث بكل الصراحة والوضوح والحكمة والاعتدال، والشجاعة في مواجهة المواقف، كلماته تخرج حاسمة من نفس مؤمنة بما تقول وتعتقد. يحترم الملك عبد الله من يتعامل مع بلاده بالندية، فكرامة وطنه ينبغي ألا تمس، فالعالم وجد ليتعاون، والمهم أن يكون التعاون متكافئاً كما يؤمن الملك عبد الله بالوحدة والتضامن ويشعر بالألم حيال الذين يظهرون خلاف ما يبطنون في الساحة العربية، في وقت تحقق فيه المطامع الدولية أهدافها في العالم العربي، قدره غير هذا ووطنه كان يمكن أن يكون أفضل وأقوى من هذا الواقع.

وتمكن الملك عبد الله أن يضع بلاده خلال سنوات قليلة من عمر الدول والشعوب في مصاف الدول ذات الحضور السياسي والاقتصادي اللافت على مستوى العالم، كما أصبح رقماً صعباً في كثير من المواقف والأحداث، وتميز بأطروحاته الواضحة وجرأته في الكثير من المواقف والرؤى.

وعلى المستوى المحلي أقر الملك عبد الله عندما تولى مقاليد السلطة في بلادة قبل أكثر من أربع سنوات أسساً لمشاريع اقتصادية وتعليمية وصحية كان أبرزها وآخرها الاستراتيجية الصحية الشاملة في البلاد التي تعد الأولى من نوعها في السعودية، وتنفذ على مدى العشرين سنة المقبلة، إضافة إلى قيام الملك بخطوات إصلاحية شاملة لكافة القطاعات، وكان من أبرز نتائجها أن حققت السعودية قبل أسبوعين المركز 13 على مستوى العالم في التنافسية من بين 183 دولة متصدرة بذلك دول العالم العربي والشرق الأوسط كأفضل بيئة استثمارية وفقاً لتقرير أداء الأعمال لعام 2010 الذي صدر في الثامن من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي من مؤسسة التمويل الدولية IFC التابعة للبنك الدولي، علماً بأن السعودية حققت المركز 16 العام الماضي في ذات التصنيف والمركز 38 في تصنيف العام السابق له، والمركز 67 من بين 135 دولة خلال تصنيف عام 2005، وهو ما يؤكد نجاح وتنامي الخطوات الإصلاحية التي تمت في البلاد في مجال تحسين بيئة أداء الأعمال والاستثمار. كما أنجز الملك عبد الله إنشاء أحدث جامعة عالمية تقبل طلاباً من مختلف أنحاء العالم خاصة للعلوم والتقنية في منطقة ثول غرب البلاد تحمل اسمه، بدأت نشاطاتها بداية الشهر الحالي باستقبال 400 طالب من مختلف أنحاء العالم في أول فصل دراسي للجامعة التي سيتم افتتاحها رسمياً اليوم الأربعاء 23 سبتمبر، بحضور عدد من زعماء دول العالم والفعاليات العلمية في كوكب الأرض، ويتزامن هذا الحدث مع مناسبة اليوم الوطني السعودي.

وإذا كان الملك عبد الله قد حمل منذ سنوات برنامج الإصلاح الاقتصادي من خلال خطوات وقرارات مهمة تمثلت في إنشاء المزيد من المؤسسات الاقتصادية كالمجلس الاقتصادي الأعلى وهيئة السوق المالية والهيئة العامة للاستثمار والهيئة العليا للسياحة ومشاريع إسكانية حملت اسمه واسم والديه، بالإضافة إلى تحديث وتجديد الأنظمة الاقتصادية وتفعيلها في ظل قبول بلاده كعضو كامل في منظمة التجارة العالمية ومبادرات أخرى تتعلق بالغاز وبرنامج التخصيص، فإن الملك عبد الله بعد أشهر من توليه مقاليد السلطة في البلاد وجد نفسه أمام تحدٍ جديدٍ وملف اقتصادي ساخن تمثل في الانهيار المفاجئ والكبير في سوق الأسهم المحلي وذهب ضحيته الملايين من السكان، إلا أن الملك أبدى اهتماماً بالغاً بهذا الموضوع وبادر على الفور باتخاذ خطوات عملية لإعادة العافية للسوق، وعلاج النكسة التي أصابته من خلال إنشاء بنك الإنماء وصندوق الادخار والاستثمار وتخصيصه لمحدودي الدخل بهدف فتح فرص الاستثمار أمامهم في أجواء آمنة، كما أصدر قراراً بتكليف رئيس جديد لهيئة السوق المالية ووجه بالحرص على إعادة الانضباط للسوق واستقراره وحماية مدخرات المواطنين ومكافحة التدليس والغش في السوق التي بدأت مؤشراتها تتجه إلى التعافي من النكسة.

وإذ استطاع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يحقق توازناً بين الداخل والخارج، فيمكن القول إن الملك عبد الله أصبح القائد المدافع عن قضايا الأمة، كما نجح بحكمته في أن يخرج علاقات بلاده والأمة العربية مع الدول الكبرى من الاختبارات الصعبة التي وضعتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001، كما نجح في القضاء على الفئة الضالة داخل بلاده، وأطلق في عاصمته مبادرة عالمية لمكافحة الإرهاب، كما لاحق فلول تنظيم القاعدة داخل الجزيرة العربية بهدف القضاء على هذا التنظيم مع دول العالم الأخرى التي هي الأخرى اكتوت بناره.

وحمل الملك عبد الله شعار «دبلوماسية التنمية» واستطاع بحنكته وحكمته أن يجعل من هذا الشعار واقعاً ملموساً لخدمة اقتصاد البلاد وتحقيق التنمية في الداخل، إذ استكمل في عامه الأول من توليه مقاليد الحكم في البلاد ما بدأه منذ سنوات عندما كان ولياً للعهد من خلال استثمار علاقات بلاده بالدول الأخرى في مجال تبادل المصالح الاقتصادية وعقد شراكات وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع الشرق والغرب، ولعل جولاته التي شملت الصين والهند وهونج كونج وماليزيا وباكستان قد أثمرت عن توقيع اتفاقيات اقتصادية وصلت مبالغها إلى عدة مليارات من الدولارات، كما فتحت هذه الجولات أمام قادتها وفعاليتها السياسية ملفات دولية حساسة، خصوصا تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط وما يجري في أرض العراق وفلسطين، كما تحركت الدبلوماسية السعودية لاحتواء الأزمة التي تفجرت في لبنان.

وتميز الملك عبد الله بصراحته ورغبته في تعزيز العلاقات العربية ـ العربية، وإصلاح البيت العربي، كما عمل على محاربة الإرهاب، الذي كانت بلاده إحدى ضحاياه، وكان يدعو دائما إلى الوسطية في الدين والابتعاد عن جميع أنواع التطرف والغلو. وحمل الملك عبد الله توجهات رائدة فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، حيث أعلن قبل سنوات عن توجّه جاد لعلاج مشكلة الفقر في بلاده، بعد زيارته المشهورة لعدد من الأحياء الفقيرة في العاصمة السعودية الرياض، وتم على إثرها تبني سياسة لمحاربة الفقر في البلاد، كما سعى إلى إطلاق الحوار الوطني الذي جمع أطياف المجتمع السعودي السياسية والمذهبية في اللقاءات المتعددة، التي أقيمت لتحقيق أهداف هذا الحوار، من خلال مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، كما أطلق المبادرة العربية التي تدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين، والانسحاب من القدس الشرقية، مقابل السلام مع إسرائيل. كما كان الملك عبد الله جريئا في دعمه للانتفاضة الفلسطينية واستخدامه للغة مختلفة في التعبير عن دعمه لها، إبان انطلاقتها في عام 2000. وحرصت السياسة السعودية على دعم التضامن الإسلامي والعربي، وتعميق الروابط الأخوية القائمة بن الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية، وتقوية روابط التضامن الإسلامي بين دول العالم الإسلامي وشعوبها في إطار المؤتمرات الإسلامية. ومن أجل هذا زار الملك عبد الله بن عبد العزيز البلاد العربية والإسلامية، وحضر بعض المؤتمرات، ومثّل بلاده في مؤتمرات القمم العربية والخليجية، ولأن بلاده لها وزن كبير في المجتمع الدولي ومكانتها في هيئة الأمم المتحدة، ودول عدم الانحياز، ولها دور فعّال في مجالات المال بين الشمال والجنوب.

وحقق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (عندما كان ولياً للعهد)، منجزات ضخمة وتحولات كبرى في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية. وكان للملك عبد الله بن عبد العزيز، دور بارز أسهم في إرساء دعائم العمل السياسي الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله. كما تمكن بحنكته ومهارته في القيادة، من تعزيز دور المملكة في الشأن الإقليمي والعالمي سياسيا واقتصاديا وتجاريا، وصار للمملكة وجود أعمق في المحافل الدولية وفي صناعة القرار العالمي، وشكلت عنصر دفع قوياً للصوت العربي والإسلامي في دوائر الحوار العالمي على اختلاف منظماته وهيئاته ومؤسساته. وحافظت المملكة على الثوابت، واستمرت على نهج الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، فصاغت نهضتها الحضارية، ووازنت بين تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية. وكان من أول اهتمامات الملك عبد الله بن عبد العزيز، عندما كان وليا للعهد، تلمس احتياجات المواطنين ودراسة أحوالهم عن كثب. فكانت زياراته المتواصلة لعدد من مناطق ومدن ومحافظات ومراكز المملكة، حيث استقبل من قبل أبنائه المواطنين، استقبالا يفوق الوصف والتعبير، يبرز مدى ما يكنه أبناء هذا الوطن له من حب ومودة. وفي كل مرة يزور فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إحدى المدن، يحرص على أن يشارك أبناءه المواطنين مناسباتهم العلمية والشعبية والرياضية، ويقضي بينهم رغم مشاغله وارتباطاته، أوقاتاً طويلة يستمع إلى مطالبهم ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم بصدر رحب، وحكمة ورويّة بالغتين. ويأتي استقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلماء والمشايخ وجموع المواطنين كل أسبوع، في مجلسه وكلماته لهم في كل مناسبة، ليضيف رافدا آخر في ينبوع التلاحم والعطاء في هذا البلد المعطاء. أما استتباب الأمن في البلاد، فهو من الأمور التي أولاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، جل اهتمامه ورعايته منذ وقت طويل، وكان تركيزه الدائم على أن الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية من أهم المرتكزات التي يجب أن يقوم عليها البناء الأمني للمملكة العربية السعودية. وفي إطار الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن تكون المملكة سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي تلم بهم. وفي إطار تصدي المملكة العربية السعودية لظاهرة الإرهاب، ومواجهة خطاب التطرف بخطاب الاعتدال والتسامح، رعى الملك عبد الله بن عبد العزيز وقائع افتتاح المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي نظمته المملكة العربية السعودية، ممثلة بوزارة الخارجية في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في مدينة الرياض خلال الفترة من 5 ـ 8 فبراير (شباط) 2005، وقد دعا في المؤتمر إلى إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب، يكون العاملون فيه من المتخصصين في هذا المجال، والهدف من ذلك تبادل وتمرير المعلومات بشكل فوري يتفق مع سرعة الأحداث وتجنبها، إن شاء الله قبل وقوعها. وعلى صعيد السياسة الخارجية حرص على اتخاذ المواقف الإيجابية التي تستهدف دعم السلام العالمي ورخاء العالم أجمع، ورفاهية الإنسان في جميع أنحاء العالم، كما حرص على دعم التعاون بين الأشقاء العرب والدول الصديقة في العالم. وجاءت زياراته العديدة للدول العربية والإسلامية والصديقة، لتشكل رافدا آخر من روافد اتزان السياسة الخارجية للمملكة، وحرصها على السلام والأمن الدوليين. وأجرى محادثات مطولة مع القادة والمسؤولين في هذه الدول، استهدفت وحدة الأمة العربية وحل الخلافات، إضافة إلى دعم علاقات المملكة مع الدول الشقيقة. وكانت بفضل الله، زيارات ناجحة انعكست نتائجها بشكل إيجابي على مسيرة التضامن العربي، والأمن والسلام الدوليين. كما تصدرت قضايا الاقتصاد والتعاون التنموي، موضوعات زياراته، وفتحت آفاقا جديدة ورحبة من التعاون بين المملكة وتلك الدول.

ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيادٍ بيضاء ومواقف عربية وإسلامية نبيلة، تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث استمر على نهج والده الملك عبد العزيز في دعم القضية سياسيا وماديا ومعنويا، بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل. وفي هذا الإطار قدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تصورا للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية من ثمانية مبادئ، عرف باسم مشروع الأمير عبد الله بن عبد العزيز، قدم لمؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، وقد لاقت هذه المقترحات قبولا عربيا ودوليا، وتبنتها تلك القمة. كما اقترح في المؤتمر العربي، الذي عقد في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2000، إنشاء صندوق يحمل اسم انتفاضة القدس، برأس مال قدره مليارا دولار، ويخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين، الذين سقطوا في الانتفاضة. وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم صندوق الأقصى، يخصص له 800 مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، والحيلولة من دون طمسها، وأعلن عن إسهام المملكة العربية السعودية بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين.

وتبنى الملك مبادرات لإصلاح الأوضاع في فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وتشاد انطلاقاً من عروبته وإسلاميته، كما نجح في رأب صدع العلاقات بين الدول أو داخل العناصر المتنازعة في الدولة الواحدة.