جسر العبور للمستقبل واقتصاد المعرفة

السعودية تتوج يومها الوطني بافتتاح أكبر جامعة بحثية في الشرق الأوسط

خادم الحرمين الشريفين يضع حجر الأساس لمشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية قبل عامين ويظهر خلفه الأمير سلطان بن عبد العزيز («الشرق الأوسط»)
TT

يتوّج اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز احتفالات المملكة العربية السعودية بمرور 79 عاماً على تأسيسها بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أبرز مؤسساتها الأكاديمية بحضور حشد كبير من رؤساء الدول والحكومات والشخصيات العلمية والاقتصادية من أنحاء العالم.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله عهد في يوليو (تموز) 2006 إلى شركة أرامكو السعودية الرائدة في صناعة النفط إنشاء الجامعة، على مساحة تزيد على 36 مليون متر مربع بالقرب من بلدة (ثول) شمال مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، بتكلفة 10 مليارات ريال، وتم تخصيص وقف لخدمة الأبحاث العلمية في الجامعة بقيمة 10 مليارات ريال أخرى. وتنطلق جامعة الملك عبد الله، من فلسفة تجعل من هويتها الجديدة مكوناً رئيسياً لصناعة التغيير في أطر البحث العلمي داخل المنظومة التعليمية المحلية والإقليمية، والجامعة تمثل حافزاً للتغيير، وبداية جديدة، ومكاناً يملك فيه الرواد من العلماء والمهندسين القدرة على تطبيق علمهم لتشكيل المستقبل ونفع المجتمع، وخارج الإطار المحلي. ومن شأن هذا المشروع العملاق أن يضع السعودية في مصاف الدول المتقدمة في تسخير مواردها للبحث العلمي واحتضان العلماء ليكرسوا خبراتهم وتجاربهم لوضع الحلول للعقبات التي تعترض التنمية والاقتصاد والبيئة والصناعة وترتبط مباشرة بالعجلة الاقتصادية لكي تزاوج بين البحث العلمي وحاجات التنمية الصناعية والاقتصادية في البلاد. كما تسعى الجامعة لإعطاء مفهوم متطور لفتح الآفاق بحرية علمية وبحثية لجميع العلماء من مختلف دول العالم لكي يكوّنوا خلايا الفكر والعمل الأكاديمي المتفوق والخلاق، ولتصبح (حاضنة) للبحث العلمي، وحاضنة للمؤسسات البحثية والصناعية حتى تستفيد من أبحاث العلماء في تحويلها إلى منتج صناعي واقتصادي يضخ مزيداً من الازدهار لعجلة التنمية ولرفاه المواطن. وتعتبر الجامعة التي تم تشييدها على أحدث المواصفات العالمية أول مشروع من نوعه في المنطقة يستهدف ربط الاقتصاد بالأبحاث العلمية وتأسيس اقتصاد المعرفة، وتقع الجامعة في (ثول) بالقرب من جدة على الساحل الغربي، وتستكمل الجامعة حزمة مشاريع لتحديث هياكل الاقتصاد السعودي حيث تقع بالقرب من الجامعة مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، التي تعد أكبر مدينة اقتصادية متكاملة في الشرق الأوسط، تضاهي أكبر المدن الاقتصادية في العالم، التي يتوقع أن ترسخ مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية تنافسية، بالإضافة لميناء يجري تشييده ليصبح مرفأ اقتصادياً جديداً على البحر الأحمر يخدم الجامعة والمدينة الاقتصادية.

ويأتي إنشاء جامعة الملك عبد الله ضمن سعي السعودية نحو الاقتصاد المعرفي، حيث تم تشييدها لتمثل واحة علمية على أعلى طراز من المعرفة والجدارة وتصبح حسب ما وصفها خادم الحرمين في حفل التدشين (منارة من منارات المعرفة وجسرا من جسور التواصل بين الحضارات والشعوب وأن تؤدي رسالتها بلا تفرقة ولا تمييز). وأكد خادم الحرمين في رسالته بمناسبة تشييد الجامعة أنه (لما كانت الجامعات التي تسعى للتميز تعتمد في ذلك على تهيئة مناخ يشجع روح الاكتشاف والمبادرة، فسيكون من الأهداف الأساسية لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تنمية وحماية حرية البحث والفكر والحوار في مجال العمل العلمي).

وقال، (إن هدفنا هو إيجاد نموذج دائم للتعليم الراقي والبحث العلمي المتقدم، وذلك من خلال إقامة مجمع سكني وأكاديمي كامل يتيح لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة وإدارتها وطلابها والمشاركين فيها وعائلاتهم التمتع بنطاق عريض ثري من البرامج التعليمية والخدمات الاجتماعية). وأضاف، (ستكون الجامعة مكانا يلقى فيه الزوار من داخل المملكة وخارجها كل ترحيب. ونحن إذ نوفر أساسا متينا لكل جوانب الحياة والعمل في الجامعة، فإننا نهدف بذلك إلى ضمان نجاحها في تعزيز التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية لشعب المملكة ولشعوب العالم كله).

وأعطت الجامعة دفعة قوية لمسيرة البحث العلمي بتعيين مجلس للأمناء يتكون من عشرين شخصاً من أعلى الكفاءات العلمية والأكاديمية العالمية، وهو ما يضمن المسار العلمي المستقل للجامعة، وذلك بعد أن تم تحديد الموارد المالية الكافية لها عبر إنشاء «وقف دائم» يدار لصالحها. وتوفر الجامعة لنخبة المهندسين والباحثين من مختلف العالم الذين تضمهم جامعة الملك عبد الله، أفقاً مفتوحاً ومرناً وإمكانات هائلة لتكوين بيئة مناسبة لبلورة جهودهم في الأبحاث التي تطبق العلم والتقنية على المشكلات المتعلقة بالاحتياجات البشرية، والتقدم الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية، والسعي لإيجاد حلول واقعية للمشكلات الراهنة والمستقبلية، مثل التصحر، وشح المياه، وسبل تحقيق الكفاءة في استخدام الوقود، والطاقة المتجددة، وجعل العمليات الكيميائية أنظف وأكثر كفاءة. على الصعيد العلمي، أطلقت جامعة الملك عبد الله شراكة الأبحاث العالمية. وسيبدأ هذا البرنامج في دعم الأبحاث التي تجرى في مؤسسات أخرى، والدخول في شراكات أيضا مع مؤسسات رائدة من أنحاء العالم لتطوير أنشطة ومرافق أبحاث تعاونية داخل الحرم الجامعي وخارجه. وتشمل علاقات التعاون التي أقامتها الجامعة المعهد الهندي للتقنية في بومباي، وجامعة سنغافورة الوطنية، والمعهد الفرنسي للبترول، ومؤسسة وودز هول أوشانوغرافيك، والجامعة الأميركية بالقاهرة، بالإضافة لاتفاقيات شراكة لعروض مقدمة من نحو 60 جامعة عالمية ومعهد أبحاث. كما وقعت اتفاقيات شراكة مع مراكز بحثية، ورؤساء فرق أبحاث، وباحثين يعملُون في مجالات علمية وهندسية تُعدُّ محورية لرسالة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كبحوث تحلية المياه وعلوم الكومبيوتر والرياضيات التطبيقية، وعلوم الحياة الخاصة ببيئة البحر الأحمر، وأبحاث الطاقة والهندسة الحيوية، والنانوتكنولوجي. ويضمن ميثاق الجامعة حرية الفكر، وحرية البحث والاستقلالية والتمويل ومنح العلماء ما يلزم منها لضمان استقلاليتها العلمية، لكي تؤكد رسالة الجامعة وفلسفتها التي تجعل من هويتها مكوناً رئيسياً لصناعة التغيير في أطر البحث العلمي داخل المنظومة التعليمية المحلية والإقليمية.