سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة تحظى بتقدير وتتجنب المجاملات الدبلوماسية.. واحتكاكاتها بكلينتون محدودة

سوزان رايس: أنا صريحة ومباشرة وأحيانا أكون صارمة عند الضرورة

TT

اجتازت الحافلة الصغيرة التي تقل مجموعة من سفراء مجلس الأمن الدولي شوارع بورت أوبرنس، عاصمة هايتي المزدحمة هذا الربيع، بسرعة كبيرة وسط حراس مدججين بالسلاح وسيارات الشرطة التي تحيط بالحافلة من المقدمة والخلف.

وفيما كانت الحافلة تنعطف عند ناصية أحد الشوارع هبت سوزان رايس، سفيرة الولايات المتحدة والسيدة الوحيدة بين الأعضاء الدائمين في المجلس، مسرعة لتلتقط هاتفا جوالا لأحد السفراء قبل سقوطه بمليمترات من باب الحافلة. وقال يوكيو تاكاسو، السفير الياباني معلقا على الموقف: «إنها رشيقة جدا». فيما قال قسطنطين دولغوف، المندوب الدائم الروسي: «بدأت أشعر بالأمان الآن».

وقد توقع الدبلوماسيون في أعقاب تعيين رايس في يناير (كانون الثاني) أن تنجح في منصبها الجديد في الأمم المتحدة، عبر التأكيد على الارتباط الأميركي بالمنظمة الدولية. وقد لقيت رايس ثناء كبيرا نظرا لتبنيها نبرة مختلفة في الخطاب الأميركي لقيت ترحيبا أكثر من تقديم دور هام للأمم المتحدة في السياسة الخارجية الأميركية.

ومن المتوقع أن تبدي الإدارة الأميركية تصوراتها تجاه دور الأمم المتحدة عندما يلقي الرئيس الأميركي خطابة الأول أمام الجمعية العامة، كما سيرأس أيضا اجتماع مجلس الأمن في اليوم التالي حيث يتوقع أن يصدر المجلس قرارا رعته رايس يؤكد على الحاجة إلى ضرورة منع الانتشار النووي عالميا.

رايس التي كانت مستشارة السياسة الخارجية لحملة باراك أوباما الانتخابية، عملت كمدير لقسم شؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي في أثناء رئاسة بيل كلينتون قبل أن تصبح مسؤولة القارة في وزارة الخارجية.

وفي تصريح لها حول أهمية دور الأمم المتحدة، شددت رايس على وجهة نظرها التي تبنتها خلال عملها في وزارة الخارجية ومعهد بروكينغز، فقالت: «أعتقد، كما يعتقد الرئيس، أن أمننا القومي وسلامتنا كأميركيين مرتبط بأمن وسلامة الشعوب في المناطق الأخرى، وأن اللامبالاة بشأنهم مكلفة جدا سواء من الناحية الأخلاقية أو الإنسانية والأمنية».

توصف رايس، التي تبلغ من العمر 44 عاما، بأنها ذكية ونشيطة وصريحة وتميل إلى مجانبة المجاملات الدبلوماسية. وأشارت إلى أنها خلال كلماتها في مجلس الأمن عادة ما تتخلى عن التقليد المعروف في المجلس بالبدء بشكر كل الحضور على مساهماتهم في اللقاء السابق، وقالت إن أهم الإنجازات التي تحققت حتى اليوم كان إقناع الصين وروسيا في يونيو (حزيران) الماضي بالموافقة على إقرار عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، من بينها تجميد أموال وحظر صادرات السلاح ومحاولة وقف أنشطتها النووية. كما سعت لإعادة ضم الولايات المتحدة إلى مجلس حقوق الإنسان الذي سخرت منه إدارة الرئيس جورج بوش، والذي قطع النفوذ الأميركي الطريق أمام محاولة إسقاط التحقيقات الخاصة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان. كما بدأت الولايات المتحدة في دفع مئات الملايين من الدولارات التي كانت قد تخلفت عن دفعها للمنظمة، كما عبرت عن دعمها الكبير لقوات حفظ السلام.

ليس معنى ذلك أن رايس لم تواجه انتقادات، فقد كانت كلمة السفير الروسي، فيتالي تشيركين، فظة الأسبوع الماضي عندما أدانت نتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق الخاصة بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والذي أشار إلى أن كلا من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ارتكبا جرائم حرب في غزة، فقالت رايس: «إننا نرى أننا بحاجة إلى التركيز بصورة أكبر على المستقبل».

وخلال خطابه أشار السفير الروسي بصورة تهكمية إلى أنه قبل أشهر قلائل أوضح الجانب الأميركي بشأن قضية دارفور السودانية أن جرائم الحرب لا يجب غض الطرف عنها لأسباب سياسية، «والآن تطلبون العكس». وكانت منظمة العفو الدولية قد وصفت موقف رايس بأنه «مخيب للآمال إلى حد بعيد».

ورفضت رايس الاتهامات بانتهاج سياسة الكيل بمكيالين، فأشارت إلى أن التقرير ألقى بالمسؤولية الكبرى على إسرائيل القادرة على فتح تحقيقات في جرائم حرب محتملة، بينما السودان لا تستطيع ذلك.

وتقوم السفيرة بحضور اجتماعات منظمات الأمم المتحدة التي تجنبها سلفها، حتى إنها قادت فريق كرة السلة التابع للسفارة الأميركية ضد فريق قوات أمن الأمم المتحدة.

وقال إيفان ماريرو، كابتن فريق قوات أمن الأمم المتحدة، واصفا رايس: «كانت تتصرف كأحد الشباب. إنها لاعبة جيدة بعقلية ذكية».

وأشارت رايس، التي يبلغ طولها خمسة أقدام وثلاث بوصات، إلى أن الفضل في ذلك يعود إلى مدربها في مدرسة كاثيدرال ناشيونال، الذي ساعد في تزكية الروح الرياضية التي لعبت بها خلال المباراة وخلال حياتها، فقد كانت رئيسة حكومة الطلاب في المدرسة الثانوية قبل الالتحاق بجامعة ستانفورد.

وأمام ماكينة خلط الآيس كريم خلال أسبوعها الأول لها في ستانفورد اقترب منها شاب طويل يدعى إيان كاميرون، وعندما سألته عن محل مولده قال: «كولومبيا البريطانية»، فصاحت: «أميركا الجنوبية؟». (كانت تعتقد أن كولومبيا البريطانية تجاور جويانا الفرنسية).

تزوج كاميرون ورايس عام 1992 وأنجبا طفلين هما جاك، 12 عاما، وماريس ست سنوات، واستمر الأولاد في مدرستهما في واشنطن حيث يعمل كاميرون كمنتج منفذ لبرنامج «هذا الأسبوع» مع جورج ستيفانوبولوس، وهي غالبا ما تراهم في ليالي الجمعة وتقضي ثلاثة أو أربعة ليالٍ في الأسبوع في منهاتن في مقر السفير في والدورف أستوريا.

وتبدي رايس غضبها من الاعتقاد بأن طفولتها الرغدة في واشنطن ومدارس النخبة التي التحقت بها أبعدتها عن التنشئة الحقيقية للأميركيين الأفارقة، فقد كان والدها يشغل منصب نائب رئيس «ناشيونال بنك أوف واشنطن» ومحافظ البنك الاحتياطي الفيدرالي، فيما كانت والدتها أستاذة زائرة في معهد بروكينغز.

بعد ستانفورد التحقت بجامعة أكسفورد سعيا وراء الماجستير والحصول على الدكتوراه في مجال العلاقات الدولية. وتبدو رايس أكثر رسمية أمام الجمهور، لكن أصدقاءها وزملاءها يصفونها بأنها مفكرة ومخلصة ومرحة وراقصة بارعة وذات ذوق رفيع.

وقال ستيوارت باتريك، من مجلس العلاقات الخارجية، والذي يعرفها منذ أن كانا معا في المدرسة الثانوية: «يمكن أن تكون فظة في بعض الأحيان، فعندما تكون مدمنا على العمل فأنت تتوقع الكثير من الأفراد العاملين معك، ولذا فإن سوزان لا تحب اللهو». وعندما طلب منها أن تصف نفسها قالت: «صريحة ومباشرة، وأحيانا أكون صارمة عند الضرورة».

استعادت السياسة الخارجية الأميركية الكثير من بريقها نتيجة للأساليب الجيدة لرايس وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية التي ترى أن رايس عملت غالبية الحملة الانتخابية على تشويه آرائها بشأن السياسة الخارجية لها (عندما كان أوباما وكلينتون يتنافسان على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لهما)، ومن ثم فإن الخصومة بينهما أمر عادي.

ويقول الدبلوماسيون إن النزاعات بينهما محدودة، وخلال النزاع الشهير بينهما انتصرت كلينتون لرأيها بمقاطعة مؤتمر للأمم المتحدة حول العنصرية في أبريل (نيسان) بسبب المخاوف من أن يكون ذلك نقطة انطلاق لانتقاد إسرائيل. لكن رايس، بحسب قول الدبلوماسيين، سعت من أجل الضغط للاشتراك في المؤتمر.

وأشارت رايس إلى أن أكثر ما تندم عليه في إدارة كلينتون أنها لم تسعَ بقوة للتدخل في رواندا، فقد عبرت عن أسفها الشديد خلال كلمة لها في أبريل (نيسان) الماضي الذي يوافق الذكرى الخامسة عشرة للمذابح العرقية التي جرت في رواندا. وقالت: «إن على الأفراد أن يحنوا رؤوسهم في ذكرى هذه المذابح، ونحن نحني رؤوسنا أسفا على كل من ماتوا».

* خدمة «نيويورك تايمز»