سوزان رايس: خياران أمام إيران.. إزالة الغموض أو العزلة

قالت في مقابلة تنشرها «الشرق الأوسط» إن الأمم المتحدة بحاجة للتخلي عن العادات القديمة السيئة * اعتبرت تقرير حرب غزة غير متوازن واتهامات سفير السودان حيلة من ممثل حكومة مسؤولة عن إبادة جماعية

TT

أكدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس أن هناك خيارين للخروج من قضية الملف النووي الإيراني أحدهما يكفل عدم وجود أي غموض بشأن طبيعة برنامجها النووي، والتزامها الكامل بواجباتها الدولية، ثم العمل على معاودة دمجها على نحو كامل في مجتمع الدول المتحلية بالمسؤولية أو مسار آخر يقوم على ممارسة ضغوط أكبر عليها وعزلها. كما أكدت في مقابلة أجريت معها في نيويورك حيث بدأت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعمالها أمس أن الولايات المتحدة مهتمة ببناء أمم متحدة فاعلة ومثمرة، لكنها دعت أيضا إلى التخلي عما وصفته بالعادات السيئة القديمة في الأمم المتحدة مكررة موقفا من أن تقرير غولدستون الأخير عن حرب غزة الذي أدان إسرائيل غير متوازن. وفيما يتعلق باتهامات اتباع معايير مزدوجة في التعامل مع حقوق الإنسان التي أثارها مسؤولون أفارقة، بينهم سفير السودان لدى الأمم المتحدة، قالت: «إنها حيلة سهلة ترمي لخدمة أغراض خاصة من قبل ممثل لحكومة مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية».

وفيما يلي مقتطفات من إجاباتها عن الأسئلة في المقابلة التي أجريت معها. فيما يتعلق بالدفاع عن المصالح الأميركية داخل الأمم المتحدة، قالت: «إننا مهتمون ببناء أمم متحدة فاعلة ومثمرة انطلاقا من إيماننا الأساسي بأنه نظرا لطبيعة التحديات الأمنية في القرن الـ21 التي نواجهها، فإننا بحاجة إلى زيادة التعاون الفاعل بأقصى درجة ممكنة مع أكبر عدد ممكن من الدول والشعوب من أجل التصدي لهذه التحديات، خاصة بالنظر إلى أن هذه التحديات تحمل طابعا دوليا ويمكنها الظهور بأي مكان على وجه الأرض والانتشار إلى أي منطقة أخرى، سواء كان هذا القول يتعلق بالإرهاب أو انتشار الأسلحة النووية أو الأوبئة أو تداعيات التغييرات المناخية أو الشبكات الإجرامية». «ما من دولة بمفردها، حتى لو كانت دولة قوية مثلنا، بإمكانها التعامل مع هذه التحديات بمعزل عن الآخرين. وعليه، نجد أننا بصورة أساسية نحيا في عصر يرتبط فيه أمننا وسلامتنا بدرجة قوية بأفراد يعيشون بمناطق أخرى، أن هذا مجرد اعتراف بسيط بواقع قائم.. يرتبط التعاون الفاعل بإرادة الدول الراغبة في التحرك معنا وتؤمن بأن القضايا التي نهتم بها جديرة بالاهتمام بالفعل، وكذلك بالاستثمار في جهود المكافحة والقدرة على التحلي بالفاعلية». «وبذلك، يرتبط هذا القول بجميع التحديات المتمثلة في الصراعات والدول الهشة والدول التي تعاني من صورة ما من صور الحكم السيئ وغياب الديمقراطية لدى بعض الدول، ما يؤثر على قدرتها على الوفاء باحتياجات شعوبها وبالتالي التصرف بمسؤولية في إطار النظام الدولي، إنها جميعا بمثابة حلقات واهنة بحاجة إلى تعزيزها سعيا للوصول إلى هدف أكبر يتمثل في بناء تعاون عالمي فاعل. وهذا تحديدا ما نسعى لتحقيقه». @ فيما يخص دور الأمم المتحدة، قالت: «تشكل الأمم المتحدة المنتدى الذي تتمتع كل دولة بصوت داخله، وهي مؤسسة تتمتع بشرعية دولية فريدة من نوعها وقدرة لا نظير لها على التصدي لتلك التحديات بالغة الخطورة. سواء كان الأمر يتعلق بمساعدات إنسانية أو توفير إمدادات الطعام أو المياه أو الرعاية في حالات الطوارئ، وسواء كان الأمر على صلة بالشبكات الصحية العالمية المتمثلة في منظمة الصحة العالمية، التي تتمتع بقدرة فريدة على اقتفاء أثر واحتواء ومنع انتشار الأمراض، وسواء الأمر يرتبط بمجلس الأمن ودوره في دعم أو محاولة تعزيز السلام والأمن العالميين، وسواء ارتبط الأمر بالبنية التحتية اللازمة لتناول قضايا منع انتشار الأسلحة النووية ونزع التسلح، وهو جانب آخر تنفرد فيه الأمم المتحدة بمكانة خاصة. إنها مؤسسة لنا مصالح قوية بها ترتبط بمدى التقدم الذي نحرزه في التصدي لهذه التحديات المتعلقة بالقرن الـ21. فيما يتعلق بالتنافس على النفوذ مع خصوم أميركا التقليديين، وبينهم إيران وكوريا الشمالية والسودان، قالت: «إن مسألة وجود خلافات عميقة بيننا وبين حفنة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا يغير مطلقا من التقييم الذي ذكرته للتو: أن لدينا مصالح وراء العمل بأقصى درجة ممكنة على تعزيز التعاون الفاعل مع أكبر عدد ممكن من الشعوب والدول كي نتمكن من تناول التحديات سالفة الذكر. ويعني ذلك أنه تظهر بين الحين والآخر دول تتباين مصالحها مع مصالحنا وتفرض عقبات أمامنا. لكن تبقى هذه الدول أقلية صغيرة ويعكس وجودها واحدة من حقائق الحياة وستبقى مثل هذه الدول قائمة سواء حاولنا استغلال الأمم المتحدة على نحو بناء أم لا. لا أعني بحديثي هذا أنها دول غير ذات أهمية، لكن ما أعنيه أنها لا تحدد طبية تعاوننا أو سبب عدم تعاوننا هنا في إطار الأمم المتحدة. أن مثل تلك الدول، على أقصى تقدير، يمكنها العمل كمطبات تخفف من السرعة.

«إننا نعمل داخل مجلس الأمن، وكذلك في إطار مجموعة الدول الأعضاء الخمس الدائمين به إلى جانب ألمانيا والأطر الأخرى للتأكد من أن إيران أمامها خيار بالغ الوضوح. هناك خياران للخروج من هذه القضية: أحدهما يكفل عدم وجود أي غموض بشأن طبيعة برنامجها النووي، والتزامها الكامل بواجباتها الدولية، ثم العمل على معاودة دمجها على نحو كامل في مجتمع الدول المتحلية بالمسؤولية أو مسار آخر يقوم على ممارسة ضغوط أكبر عليها وعزلها. الملاحظ أن جميع الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا يشتركون في الهدف ذاته. في بعض الأحيان، نتبع سبلا متنوعة للوصول إليه، لكن أعتقد أننا جميعا ننقل الرسالة ذاتها إلى إيران».

بالنسبة لاحتواء انتشار الأسلحة النووية، قالت: «أمامنا الكثير من الأولويات داخل الأمم المتحدة، بينها التعاون الفاعل للتعامل مع التحديات المحددة الصادرة من قبل كوريا الشمالية وإيران. وقد عاينا تقدما حقيقيا في الشهور الأخيرة، وتحقيق تعاون فاعل وسريع بشأن كوريا الشمالية، حيث تمكنا من إقرار أقسى نظام عقوبات يعرفه العالم اليوم. ونحرص على العمل بصورة وثيقة ليس فقط مع الشركاء التقليديين الثلاث (الأمم المتحدة وفرنسا وبريطاني) بجانب اليابان وكوريا الجنوبية، وإنما كذلك مع الصين وروسيا، الذي يتميز التعاون معهما بأهمية حيوية. ويعد القرار الذي آمله وأتوقع صدوره الخميس نتاجا لتعاون بناء للغاية ليس فقط مع الدول الخمس الأعضاء دائمة العضوية بمجلس الأمن، وإنما أيضا المجلس بصورة أوسع، وأعتقد أنه سيمثل خطوة كبرى نحو تعزيز الأسس التي نعتمد عليها في السعي وراء أهدافنا الثلاثة المحورية المتمثلة في تعزيز جهود نزع التسلح النووي وتعزيز البنية التحتية المعنية بمنع الانتشار النووي وتأمين المواد النووية غير المؤمنة على نحو كاف. وكي أكون أمينة معك، فإن الجميع يبذلون جهودا كبيرة على هذا الصعيد، بما في ذلك، إن لم يكن بالأخص، روسيا والصين. بالنسبة لرفض تقرير الأمم المتحدة الذي وضعه ريتشارد غولدستون حول جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل وجماعة «حماس»، قالت: «مثلما سبق أن ذكرت، جاء التقرير غير متوازن ومنحازا وغير مقبول. لم يسع غولدستون إلى توسيع نطاق رؤيته لتشمل «حماس» والجهات الأخرى. ولاحظنا أن جزءا كبيرا من التقرير يعادل قرابة 85% منه موجه للتنديد على نحو محدد وقاس وإصدار نتائج نهائية تتعلق بإسرائيل، بينما يتعامل بتساهل ومن دون تحديد مع الإرهاب الذي مارسته «حماس» والفظائع التي ارتكبتها. وعليه، على هذا الجانب يبقى التقرير غير متوازن، رغم أن انعدام التوازن جاء أقل مما كان يمكن أن يكون عليه. ورغم ذلك، يظل هذا الأمر محل قلق بالغ».

«نعتقد أن ذلك (تقرير غولدستون حول غزة) مستقى من مجلس (حقوق الإنسان) ويعد المجلس المنتدى الأمثل لتناوله. وعلى هذا الجانب، مثلما الحال مع جوانب أخرى عديدة تدخل في اهتمام الأمم المتحدة، أعتقد أن الاهتمام وكذلك اهتمام الكثير من الدول الأخرى ينبغي أن يركز على النظر باتجاه المستقبل، وليس الماضي. أن السبيل الأمثل لوضع نهاية للمعاناة والانتهاكات إقرار حل وسلام طويل الأمد يقوم على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وهذا تحديدا ما تركز عليه هذه الإدارة بدأب. وينبغي التصدي إلى الأمور التي تدفعنا إلى الوراء، ليس فقط هذا التقرير، وإنما العادات الأخرى السيئة هنا داخل الأمم المتحدة التي تشكل عادات المدرسة القديمة، وينبغي تنحية مثل هذه العادات جانبا إذا ما رغبنا حقا في خلق مناخ يؤدي إلى إحراز تقدم ومستقبل أفضل كثيرا عن المستقبل الذي يلوح في الأفق حاليا». «من ناحيتها، تتفهم الولايات المتحدة أن إسرائيل نظام ديمقراطي نشط وقوي وأن لديها قدرة أكثر مما يكفي لإجراء تحقيق داخلي موثوق به وقد شجعناها على القيام بذلك. لكن المشكلة الجوهرية في هذا التقرير على وجه التحديد تكمن في أنه جرى وضعه بناء على تحيز من البداية. إنه نتاج يعكس بدرجة كبيرة عدم توازن في التفويض الذي حصل عليه، فرغم جهوده للنظر إلى الجانب الآخر إلى حد ما، بقي هذا التركيز أقل عما أبداه تجاه الجانب الأول». «وقد صدر هذا التقرير عن كيان يشير سجله الماضي وتاريخه إلى تركيزه غير المناسب والمفرط على دولة واحدة، إسرائيل، وتجنب التناول المستديم الموثوق به لأكثر انتهاكات حقوق الإنسان بشاعة على مستوى العالم بمناطق مثل السودان أو زيمبابوي أو بورما. لذا، فإننا ملتزمون بتحقيق قدر أكبر من التوازن به وتوجيه اهتمام المجلس بدرجة أكبر للانتهاكات الأكثر فظاعة لحقوق الإنسان. ونعتقد أنه رغم نقائصه، يبقى مجلس حقوق الإنسان المكان المناسب لمناقشة هذا التقرير». في ما يتعلق باتهامات اتباع معايير مزدوجة في التعامل مع حقوق الإنسان التي أثارها مسؤولون أفارقة، بينهم سفير السودان لدى الأمم المتحدة، عبد الحليم محمد، قالت: «إنها حيلة سهلة ترمي لخدمة أغراض خاصة من قبل ممثل لحكومة مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية. من الناحية الظاهرية، تفتقر هذه الاتهامات إلى المصداقية. ولا يوجد مطلقا تكافؤ بين الكفتين. إن هذا نمط سياسات المدرسة القديمة غير الأمينة التي نحتاج إلى تجاوزها. إن هذه الحجة غير عقلانية لأن القضايا الأربع التي تم تحويلها إلى المحكمة الجنائية الدولية، جرى تحويل ثلاث منها من قبل الأفارقة أنفسهم، وأخرى من جانب مجلس الأمن. وبالتالي، فإن فكرة أن الأفارقة ضحايا محكمة جنائية دولية بشعة تعمد إلى استهداف أفريقيا على نحو ظالم لا تعدو كونها فكرة متخلفة لا أساس لها. وأؤكد لك أنه في إطار محادثاتي الخاصة مع مسؤولين أفارقة بارزين، كانوا هم أول من اعترف بكذب هذا الادعاء». فيما يتعلق بالتوجه الأميركي حيال دارفور، قالت: «أعتقد أنني كنت واضحة للغاية حيال المخاوف التي ساورت ولا تزال تساور الولايات المتحدة إزاء الوضع في دارفور والسودان بوجه عام. إنها أولوية على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للرئيس، ونوجه جميعا جزءا كبيرا من وقتنا لصياغة السياسات المعنية بهذا الأمر وتنفيذها الآن. ويعمل (ميغور جنرال قوات جوية المتقاعد) سكوت غريشن على الضغط بهدف تنفيذ «اتفاق السلام الشامل» المتميز بأهمية حيوية، ويحاول الاستجابة للقرار الفظيع للحكومة السودانية بطرد المنظمات غير الحكومية الدولية والتخفيف من حدة تداعياته، الأمر الذي أعتقد أنه أسهم فيه على نحو مثير للإعجاب وبفاعلية، وقد حرص على محاولة توحيد صفوف المتمردين وخلق أسس استئناف ناجح للمفاوضات بين الحكومة وأبناء دارفور، ما يعد ضروريا في نهاية الأمر للتعامل مع مصادر الصراع الكامنة». «كل ذلك مهم وضروري، لكنه لا يعني أننا أصبحنا أقل قلقا حيال الوضع بحيث بات لدينا استعداد لتقديم حوافز مقدما قبل اتخاذ خطوات ملموسة ومهمة على أرض الواقع. تلك ليست السياسة المعهودة للولايات المتحدة. في الواقع، لقد أولينا في هذه القضية، مثلما الحال بمناطق أخرى من الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان، جهودا مكثفة ومستديمة للمساعي الدبلوماسية بالغة التعقيد والصعوبة الضرورية لإحراز تقدم لإنهاء هذه الصراعات، ما يوحي بقدر الأهمية الكبيرة التي نوليها لتسوية هذه الصراعات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»