نتنياهو يعتبر لقاء القمة الثلاثي «إنجازا هائلا».. والمعلقون يهدئون من حماسه ويقترحون «الانتظار لمرحلة ما بعد الأعياد»

كلينتون تتولى بنفسها إدارة المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية في نيويورك وواشنطن

يهودي أرثوذكسي من ناطوري كارتا يتظاهر ضد سياسات الحكومة الإسرائيلية أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك أمس (رويترز)
TT

في الوقت الذي يعتبر فيه الإسرائيليون لقاء القمة الثلاثية في نيويورك بمثابة «إنجاز هائل» لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نصح المعلقون السياسيون الإسرائيليون رئيس حكومتهم بالتروي والتخفيف من حماسه. ولفتوا إلى أن اللقاء أسفر عن إطلاق مفاوضات حثيثة تديرها وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إلى جانب المبعوث الخاص، جورج ميتشل.

وكان أوباما قد رد على ما ينشر في إسرائيل من أنه سيكون مشغولا بالأساس في قضاياه الداخلية، وأوضح خلال اللقاء الثلاثي الذي جرى، أول من أمس، أن الوزيرة، كلينتون، ستتولى شؤون المفاوضات التمهيدية في الأسابيع القريبة لكي توضع الأسس السليمة لبدء مفاوضات السلام الدائم.

وقال أوباما، حسب مصادر سياسية إسرائيلية، إنه لا يريد أن يعطي وقتا طويلا للمفاوضات التمهيدية، «فقد أهدرنا وقتا طويلا في هذه المحادثات بما يزيد على الحد، وحان الوقت للدخول في القضايا الجوهرية لتسوية الصراع بشكل نهائي».

ولذلك تقرر أن تبدأ المفاوضات في نيويورك، اليوم، بإدارة كلينتون المباشرة، مع ميتشل، والاستمرار فيها في واشنطن الأسبوع المقبل. وجنبا إلى جنب مع ذلك التحضير لمؤتمر كبير يعلن فيه عن إطلاق مفاوضات التسوية النهائية للصراع قبل نهاية السنة الحالية. وقالت هذه المصادر إن نوعية، ومكان هذا المؤتمر لم يحددا بعد.

وحسب أودي سيغل، أحد الصحافيين المرافقين لنتنياهو في نيويورك، والمراسل السياسي للقناة التلفزيونية الإسرائيلية المستقلة، فإن «الأميركيين بلعوا قصة الاستيطان من نتنياهو، ولكنهم سيجعلون عيشته مريرة عندما يأتي وقت الحساب خلال المفاوضات المتوقعة بعد الأعياد».

وقال إن الرئيس الأميركي بدا خلال اللقاء الثلاثي مع نتنياهو والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أكثر حدة من حديثه أمام الصحافة، فقد وجه توبيخا شديدا للوفد الإسرائيلي في موضوع الاستيطان، وقال إن المطلب الفلسطيني بتجميد كامل للبناء الاستيطاني هو مطلب شرعي تسانده الولايات المتحدة. وأعرب عن تقديره بأن المفاوضات المقررة خلال الأسابيع القليلة المقبلة ستكون صعبة لإسرائيل.

أما في محيط نتنياهو فاعتبروا اللقاء الثلاثي «إنجازا هائلا»، وفسروا ذلك بالقول إن اللقاء في حد ذاته يعتبر رضوخا فلسطينيا أمام الضغوط الأميركية، وهنا تكمن أهميته الأولى، حيث إن أبو مازن الذي خرج قويا جدا من مؤتمر حركة فتح، واستعاد قسما كبيرا من شعبيته في صفوف الفلسطينيين، عاد ليبدو ضعيفا أمام شعبه، والمعارضة الداخلية له ستزداد، وحماس لن تعطيه الشرعية، والوضع الفلسطيني الضعيف أصلا بسبب الخلافات الداخلية سوف يزداد ضعفا.

ولاحظ رجال نتنياهو أن أوباما لم يدن إسرائيل على موقفها، كما يدينها الأوروبيون والعرب، بل وجه انتقاداته ومدائحه بشكل متساو للطرفين، حيث انتقد إسرائيل والفلسطينيين على إهدار وقت زائد في التفاوض حول المسار الإجرائي، وانتقد إسرائيل على الاستيطان، ولكنه امتدح نشاطها لتسهيل حياة الفلسطينيين، وانتقد الفلسطينيين على استمرار التحريض ضد إسرائيل، وامتدحهم على الإجراءات الأمنية وتثبيت سلطة القانون. وهذه المساواة، أيضا، حسب الإسرائيليين، أمر إيجابي.

وأشار رجال نتنياهو بارتياح بالغ إلى اللهجة الأميركية الجديدة حول موضوع الاستيطان. فهم لم يعودوا يتكلمون عن تجميد تام للبناء الاستيطاني، بل عن «لجم» هذا البناء، مما يعني أنهم باتوا يقبلون برأي نتنياهو القائل بضرورة الاستمرار في بعض مشاريع الاستيطان، تحت لافتة «سد احتياجات التكاثر الطبيعي في المستوطنات».

وصادق أحد المعلقين السياسيين الإسرائيليين، عكيبا الدار، المعروف بانتقاداته للحكومة الإسرائيلية الحالية، على هذه الرؤية، وقال إن نتنياهو خرج رابحا من هذه المعركة فعلا، لأن أوباما لم يحمله مسؤولية الفشل القائم حتى الآن.

ورأى الدار أن أوباما قبل الموقف الفلسطيني بأن مفاوضات السلام يجب أن لا تبدأ من البدايات الأولى، ويجب أن تأخذ في الاعتبار المبادئ التي اتفق عليها الطرفان خلال المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية الحالية منذ 16 عاما، ولكنه في الوقت نفسه أخذ في الاعتبار القيود التي يواجهها نتنياهو في سياسيته الداخلية، وسمح له بأن يطرح مطالب جديدة لم تطرح من قبل، مثل الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. ورفض الرئيس الفلسطيني طروحات بوضع شروط مسبقة للمفاوضات، أكان ذلك حول شرط تجميد الاستيطان بالكامل أو شرط الموافقة الإسرائيلية المسبقة على قبول إسرائيل الانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967. فالمفاوضات ستتم من دون أي شروط مسبقة.

وفي تعليق آخر على هذا اللقاء، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، الذي حضر اللقاء، أن الأجواء التي سادت الغرفة بعد خروج الصحافيين كانت ممتازة، والرئيس أوباما طرح أمورا مقبولة على الطرفين، وأن هذه الأجواء تجعله متفائلا بإمكانية نجاح المفاوضات للتسوية الدائمة، إذا كان في الطرف الفلسطيني شريك حقيقي قادر على اتخاذ القرار.