وزير البترول: السعودية ستستمر مزودا رئيسيا للعالم بالطاقة وستصدر مستقبلا مصادر أخرى أبرزها الطاقة الشمسية

مسؤول في الجامعة : نستقطب العقول الفذة من الجنسين بلا تمييز * النعيمي: نسعى أن تصبح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بيت حكمة جديدا للعرب والمسلمين والعالم

TT

أكد المهندس علي النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي رئيس مجلس أمناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست»، أن السعودية ستستمر مزوداً رئيساً للعالم بالطاقة، فيما أعلن باحث دولي في «كاوست» عن إطلاق الجامعة بحثاً علمياً طموحاً لزراعة القمح باستخدام مياه البحر الأحمر المالحة.

وفيما أشار الوزير النعيمي خلال مؤتمر صحافي عقده صباح أمس في مقر جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية قبل الاحتفال بافتتاحها الرسمي، إلى أن السعودية تصدر حاليا ثمانية ملايين برميل نفط يومياً، أكد أنها ستصدر في المستقبل مصادر طاقة أخرى، أبرزها الطاقة الشمسية، في إشارة منه إلى تركيز الجامعة على أبحاث الطاقة الشمسية، وقال «يتعين علينا أن يكون توجهنا نحو استخدام الطاقة الشمسية مكملا للطاقة النفطية».

وهنا علق خالد الفالح رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين، على موضوع استخدام الطاقة الشمسية بتأكيده أن استخدامات هذا النوع من الطاقة ليست جديدة في المملكة، وقال «نفذنا في أرامكو العديد من الأبحاث في هذا المجال، ولدينا الكثير من المنشآت ذات الصلة بالطاقة الشمسية، ودخلنا مؤخراً في شراكة مع شركة يابانية ووقعنا مع المملكة المتحدة عقوداً لتنفيذ مشاريع في هذا المجال، وأصبحنا نملك تكنولوجيا متقدمة للطاقة الشمسية، وكل ذلك يعكس الثقة التي تبحث عنها أرامكو، من خلال الاعتماد على مصادر أخرى غير النفط الذي ربما لا يستمر لسنوات طويلة، إضافة إلى أهمية الاعتماد على طاقة منخفضة الكلفة».

وفي سياق متصل، كشف كيان جو، مدير معهد سنغافورة للنباتات وهو أحد الباحثين والخبراء الذين تم استقطابهم للعمل في «كاوست»، أن «الأبحاث في الجامعة بدأت باستثمار البحار والمحيطات والأراضي، وهي مصدر اهتمام كبير، كما بدأنا باستخدام جينات النباتات لتطوير المزروعات، وتنفذ الجامعة الآن بحثاً لزراعة القمح باستخدام مياه البحر الأحمر، مضيفاً «هذا المشروع صعب، ولكننا استطعنا إنجاز 10 في المائة منه، وسنتمكن قريباً من إنجازه بالكامل، وهو يمثل تحدياً كبيراً للعلماء المشاركين في المشروع». وبالعودة إلى المهندس النعيمي، فقد شدد على أن الفرص المعيشية تضيق إذا بقيت معتمده على سلعة واحدة إلى أمد غير محدد، موضحاً أن هذا هو بالتحديد ما دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى الشروع في إطلاق عدد من المبادرات التعليمية والاقتصادية لبناء مجتمع المعرفة في المملكة العربية السعودية، و«هذا يعني أننا بصدد استخراج أضمن الموارد المتاحة، وهي القدرات الفكرية في بلادنا، وجامعة الملك عبد الله هي محور هذه المبادرة».

واعتبر أن تأسيس «كاوست» أهم إنجاز حققته المملكة في مجال البحث العلمي، مؤكدا أن تأسيس الجامعة يعتبر الخطوة الأولى يتبعها المزيد من الخطوات في الفترة المقبلة، وقال «أعتقد أننا بفضل الرؤية السامية للملك عبد الله بن عبد العزيز أنشأنا صرحاً علمياً رائعاً، ومواطنو المملكة يفتخرون بذلك، وهو أهم إنجاز في مسيرتي المهنية الطولية».

وحول رؤية خادم الحرمين الشريفين الكامنة وراء فكرة إطلاق مشروع الجامعة، قال وزير البترول السعودي «إن الرؤية تبلورت لدى خادم الحرمين الشريفين قبل نحو 25 عاماً، بهدف إنشاء جامعة سعودية وعالمية في آن معاً، تعنى بالعلم والبحث للرقي بالعلماء السعوديين والعالميين الذين سيدرسون ويتعلمون في هذه الجامعة، لتطوير وبناء قاعدة صناعية واقتصادية بحثية مبنية على المعرفة، وليعم خير وجهد هذه الجامعة العالم بأسره».

وأضاف «من خلال هذه الجامعة نعزز شراكتنا مع العالم في نطاق الأبحاث والابتكارات التي يمكنها توفير المزيد من التقنيات الحديثة التي تسهم في تأمين مزيد من إمدادات الغذاء والمياه والطاقة».

وأكد وزير البترول السعودي أن افتتاح الجامعة يعتبر حدثاً تاريخياً للدور المناط بها والمتمثل في إيجاد مورد اقتصادي آخر في المستقبل، تنفيذاً للتوجه الذي ينشده خادم الحرمين الشريفين وتتويجاً لفكره الهادف إلى تطوير قطاعي التعليم العام والعالي، وتوفير فرص اقتصادية أخرى غير الصناعة النفطية مهما كانت وفرتها، وقال «كل ذلك دفع خادم الحرمين للتفكير في إطلاق مبادرات في مجال التعليم، وإنشاء مجتمع معرفي لاستخراج أثمن الموارد الفكرية». وأضاف «نعمل من خلال الجامعة على مشاركة العالم في ابتكار التقنيات الحديثة، وتحسين مستوى المعيشة للعالم، من خلال توفير إمدادات الحياة والطاقة».

وأوضح المهندس النعيمي، أن جامعة الملك عبد الله تمثل نموذجاً محلياً وعالمياً في مجال ترشيد الموارد واستخدامها على أسس علمية سليمة، إذ صمم حرم الجامعة بالاعتماد على وسائل مناسبة لاستخدام الطاقة واستهلاك المياه، الأمر الذي أثبت إمكان استخدام هذه الوسائل في منطقة الشرق الأوسط. وكشف أن حرم الجامعة حصل على الشهادة البلاتينية للتصميمات الإنشائية المحافظة على الطاقة، وقال «هذه الشهادة التي يمنحها المجلس الأميركي للمباني الخضراء تمثل أعلى تقدير في هذا المجال».

ولفت وزير البترول السعودي إلى أن حماية البيئة تمثل إحدى أولويات البحوث في الجامعة، مشيراً إلى أن الجامعة ستعقد ندوة يشارك فيها صفوة الخبراء في العالم محورها «الاستدامة في مناخ متغير».

وعن دور الجامعة في استقطاب العقول المهاجرة، قال المهندس النعيمي «إنه من خلال الجامعة يمكننا أن نجمع بين أشخاص متعددي الثقافات والأعراق من ذوي المواهب والنبوغ العلمي، كما حدث في بيت الحكمة ببغداد قبل نحو عشرة قرون، لتتحول «كاوست» إلى بيت حكمة جديد للعرب والمسلمين والعالم، ونود تحقيق رؤية الملك وجذب العقول للاطلاع على الأبحاث، وهذا تحدينا مع الجامعات، وتمكنا في فترة وجيزة من استقطاب العقول الفذة، ونرجو أن تجتمع عقول البشر في هذه المنطقة لمصلحة العالم أجمع، وهذا هو الهدف الرئيسي للجامعة».

وعن مدى مساهمة «كاوست» في المجتمع السعودي، وكيف سيستفيد الشبان السعوديون منها، أشار إلى أن الجامعة مقرها في المملكة العربية السعودية، وكثير من السعوديين الموهوبين سيلتحقون بالدراسات العليا فيها، وقال «نريد أيضاً أن نجمع العقول الموهوبة في أنحاء العالم للاستفادة من مواهبهم، وبالفعل بدأنا في استقطابهم للاستفادة من الموارد المتوافرة، وهذا الجمع ستنتج عنه اختراعات كثيرة، والجامعة مؤهلة وتضم حاضنات تعتني بهذه الاختراعات وتطورها إلى صناعات تنتج عنها مجتمعات صناعية وقاعدة اقتصادية كبيرة، كما تسهم في تشغيل الأيدي العاملة».

وحول النظرة المستقبلية للجامعة لاستيعاب عدد أكبر من الطلاب، قال المهندس النعيمي «إن الجامعة بدأت بعدد محدود من الطلبة، وهم باحثون وعلماء وأصحاب دراسات عليا، حيث بدأت الدراسة فيها بـ400 طالب يمثلون 60 دولة، كما سيلتحق بها 400 طالب آخر بداية العام المقبل».

وأضاف «بدأنا أيضاً العمل بـ9 مراكز للبحوث و9 اختصاصات علمية، و74 أستاذاً جامعياً يمثلون 40 دولة، ونتوقع في المستقبل أن يبلغ عدد الباحثين 2000 باحث وعالم ودارس في الجامعة، وأن يبلغ عدد الأساتذة 275 أستاذاً وعالماً، وأن يبلغ عدد مراكز البحوث 20 مركزاً أو أكثر، حسب الحاجة المستقبلية للجامعة». وهنا علق نظمي النصر، نائب الرئيس التنفيذي المكلف للشؤون المالية والإدارية لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «إن رفع الطاقة الاستيعابية للجامعة وزيادة عدد مراكز البحوث سيتم على مراحل عدة على مدى 9 سنوات، أي حتى عام 2020 تحديداً».

وزاد «إن الجامعة بدأت العمل بـ400 من أصل 800 طالب، ولدينا طلبات تقدر بالآلاف للالتحاق بالجامعة، ونعمل على اختيار الأفضل منها، كما يوجد تنافس كبير بين الباحثين السعوديين وغيرهم من الأجانب للالتحاق بالجامعة، ونحن فخورون بالدفعة الأولى، وسنظل على هذا المستوى بالتزامن مع الزيادة في مراكز الأبحاث والباحثين من المملكة، ونحن فخورون بمستوياتهم في الأبحاث التي تنافس وتتفوق على الباحثين الآخرين».

من جانبه، أكد البروفسور تشون فونغ شيه، رئيس «كاوست» أن الجامعة لابد أن تكون محور بحوث اقتصادية، مشيراً إلى أنها تعمل على تنفيذ أبحاث خاصة للتنمية الاقتصادية ورفع مستوى العلوم والثقافة لدى المؤسسات والمنشآت، وعقد شراكات مع الجهات الاستثمارية والصناعية والأبحاث. وعن الميزة التي تميز «كاوست» عن غيرها من الجامعات البحثية في العالم، وما يمكن أن تحققه الجامعة للمملكة العربية السعودية، أوضح تشون فونغ شي أن المملكة تمتلك موارد كثيرة، وتتوافر كميات كبيرة من أشعة الشمس نسعى من خلالها إلى توفير طاقة شمسية وتحويلها إلى طاقة حديثة، وتوجد وسائل كثيرة نستخدمها لتحقيق تنمية مستدامة لأننا عضو في مجتمع عالمي». وأفاد رئيس «كاوست» أن الجامعة لها توجهات عالمية، ولديها 42 شراكة في أنحاء العالم في مجالات الأبحاث، تمتد من أوروبا إلى الولايات المتحدة، وتغطي هذه الشركات مجالات التنمية، والطاقة الشمسية، والغذاء، وأبحاث المياه، كما تتجه إلى إيجاد المزيد الابتكارات الحديثة، وقال «نحن منفتحون على المجالات الجديدة في الطاقة الشمسية، ونسعى إلى تكنولوجيا حديثة وهو مجال مثير لـ«كاوست»، وهدفنا استخدام المياه المحلاة جزئياً لتحويل الأراضي الجرداء إلى أراض زراعية».

وعن إسناد مهمة إنشاء الجامعة إلى شركة أرامكو السعودية، أكد خالد الفالح رئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، أن أرامكو كان لها دور في المرحلة الانتقالية للمملكة، وواكبت المملكة منذ تأسيسها بحكم دورها الاقتصادي، واكتشاف البترول والغاز، عبر المشاركة في مجالات البحوث والتنمية وبناء البنية التحتية، والتي شملت سكك الحديد والكهرباء والطرق، كما شاركت في المرحلة الثانية من مرحلة التصنيع، عبر إنشاء شبكة الغاز الرئيسية التي أسست للصناعات البتروكيميائية، وتوفير الوقود لقطاع الماء والكهرباء.

ولفت الفالح إلى تركيز أرامكو على العنصر البشري والتنمية في المملكة، القائمة على تنمية الموارد البشرية للوطن، وقال «أرامكو كانت وما زالت وستظل تؤدي دوراً أساسياً في تنمية الموارد البشرية للمملكة، من خلال المساهمة مع القطاعات الأخرى أو داخل الشركة نفسها». وأشار إلى أن أرامكو السعودية هي أكبر شركة في المملكة، وتسهم في إنشاء أكبر الجامعات وأكثرها تميزاً، كما أنها معنية بإنشاء «كاوست» باعتبارها المستفيد الأول من الأبحاث والتكنولوجيا الحديثة المتوافرة في المملكة أو في العالم، نظراً للعمليات المعقدة المرتبطة بعملها، وقال «اهتمامنا بالتقنية مهم لنجاحنا في الشركة، ونحن الأفضل من ناحية قدرتنا على تنفيذ المشاريع عالمياً، ونحن نتحدث عن التقنية والتطوير التي تشمل الدخول في علاقات دولية معقدة لجعل البرامج منتجة، وهذه الجامعة ليست بأقل في أهميتها من المشاريع الأخرى، مثل مشاريع الغاز والنفط». وبالعودة إلى البروفسور تشون فونغ شيه، فقد أكد أن الجامعة تسعى إلى تحقيق رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن تكون «كاوست» بيت الحكمة الجديد الذي يضم أصحاب الفكر الأفذاذ من جميع أنحاء العالم، عبر اجتذاب أفضل العقول من جميع أرجاء العالم للمشاركة في أبحاثها، والتنافس مع الجامعات الرائدة في العالم. وأضاف «تمكنا من جذب العديد من العقول العالمية الفذة، وأمامنا تحد أكبر لانضمام السيدات اللائي لم ينضممن منذ فترة طويلة لمجال الأبحاث، ويوجد تنافس عالمي لجذبهن، ولدينا بيئة مهيأة لنجاح السيدات».

وهنا تحدثت إحدى الباحثات في الجامعة، وقالت «تجربتي في «كاوست» مثيرة، خاصة أن المرأة تعمل فيها إلى جانب الرجل، ولا توجد أي حواجز تفصل بينهما، ولا ننظر إلى الجنس على الإطلاق، كما حصلنا نحن الباحثات على الموارد التي تساعدنا في تنفيذ أبحاثنا». وأضافت باحثة أخرى «عرضت كاوست العمل معها من أجل تحقيق المزيد من التقدم العلمي، وتحقيق أحلامنا في هذا المجال، إذ توفر الجامعة القوة الدافعة للأبحاث، من خلال توفير الموارد والتمويل اللازم لها، وهو ما يطمع فيه أي باحث لإنجاح أبحاثه، واعتبر أن حضوري إلى «كاوست» أمر رائع بالنسبة لي، وأنا أمر هنا بتجربة عظيمة في حياتي». وعاد نظمي النصر، نائب الرئيس التنفيذي المكلف للشؤون المالية والإدارية في «كاوست»، ليعلن أن التحدي الرئيس الذي تواجهه الجامعة يتمثل في إمكانية جذب أفضل الشخصيات والعقول المبتكرة في العالم، وقال «تم إجراء المقابلات مع المتقدمين، ونستطيع أن نقول إن السبب الأول الذي دعاهم للحضور هو حماسهم وقناعتهم بأفضلية الحضور إلى «كاوست»، ونرجو أن يستمر ذلك الحماس لجذب الأفضل للجامعة».

وأضاف «إننا لا نضع أي شرائح وأنصبة للرجال والنساء، نسعى في «كاوست» إلى استقطاب العقول الفذة من الجنسين، نحن نركز على العقول وليس على الجنس». وأوضح النصر أن الجامعة بدأت عملها ببناء الجسر بمجموعة الطلبة الذين وفدوا إليها من مختلف أنحاء العالم، وتحديداً من أكثر من 60 دولة، إضافة إلى الباحثين والمعلمين القادمين من أكثر من 40 دولة، و«هذه بداية لبناء الجسور بين الشعوب والأمم، فلغة العلم واحدة بغض النظر عن اللغة الأصلية، كما أن الحقل العلمي واحد، وإن كان أداؤه بلغات مختلفة، وهذا الجسر يقوى بهذا الجمع من الطلاب والباحثين والمعلمين على أرض هذه البلاد». أما البروفسور تشون فونغ شيه، فأكد أن الجامعة تمد الجسور بين الأفراد والثقافات المختلفة التي يمثلها العاملون والطلبة والأساتذة «لدينا مجتمع متنوع في الجامعة العالمية ذات التوجهات المميزة لمواجهة المشكلات الملحة في عصرنا الحاضر، وبنينا مجتمعا متكاملا، والخطوة الأولى هي بداية لرحلتنا لاجتياز رحلة الألف ميل، وتواصلنا سيستمر ويتصل بجميع أرجاء العالم».