ثول: من قرية حاضرة البحر إلى منتجع لصناعة المستقبل

مخطط جديد للمنطقة... ومرافق حكومية ومنشآت سياحية متكاملة بمشاركة «أرامكو»

TT

كل شيء قد تغير في ثول. لم يعد المكان هو المكان منذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في 22 يوليو (تموز) 2006 من محافظة الطائف عن إنشاء جامعة للعلوم والتقنية، بتكلفة 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار) «ستكون من أفضل المراكز العالمية المتميزة في البحوث العلمية والابتكار والإبداع وتضم علماء ونوابغ في الكادر التعليمي من كل أنحاء العالم، لتكون قناة للتواصل بين الشعوب، ومنارة للعلم الذي تستفيد منه المملكة والأمة الإسلامية».

ومنذ أن تقرر أن تنشأ هذه الجامعة ذات المواصفات العالمية في مركز ثول التابعة لمحافظة جدة، وإسناد مهمة الإشراف على إنشائها إلى عملاق الصناعة النفطية «شركة أرامكو السعودية»، تحولت «ثول» من قرية هادئة وادعة، ومرفأ صغير للصيادين يتكئ على شاطئ البحر الأحمر إلى ورشة عمل ضخمة لتحويلها إلى «مرفأ للمعرفة يقع عند مفترق الطرق بين شرق العالم وغربه» أو «ميناء جديد في سوق المعرفة العالمية».

ويكشف المهندس مرعي بن يحيى بن مرعي المغربي، رئيس بلدية ثول الفرعية لـ«الشرق الأوسط» عن حجم التحولات التي حدثت وتحدث في مركز ثول الذي يبعد نحو 90 كيلو مترا إلى الشمال من قلب مدينة جدة، مشيرا إلى توجه أمانة محافظة جدة إلى تحويل المركز إلى «مدينة معرفية»، وتطويره وتهيئته ليرتقي إلى المستوى اللائق بوجود جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي وضع خادم الحرمين الشريفين حجر الأساس لإنشائها في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2007.

وأشار رئيس بلدية ثول الفرعية إلى أن خادم الحرمين الشريفين، كلف شركة «أرامكو» السعودية بتنفيذ مشروع ضخم لتطوير مركز ثول، يشتمل على أعمال هندسية مدنية، كسفلتة الطرق، والارتقاء بالمستوى الاجتماعي والمعيشي لأهالي المركز عبر إنشاء مرافق عدة ومساجد، إضافة إلى مدارس حديثة للبنين والبنات، وكذلك إنشاء الكورنيش الجديد ومرسى الصيادين وسوق السمك المركزي وفق أحدث المواصفات العالمية، وتجهيز تلك المرافق للاحتفال بتدشينها بالتزامن مع الاحتفال الكبير بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

ونوه إلى صدور توجيه الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، القاضي بضرورة إعداد مخطط شامل لتطوير مركز ثول خلال ثلاثة أشهر، على أن ينفذ المخطط على أرض الواقع خلال ثلاث سنوات، لتحويلها من وضع التخطيط العشوائي القائم حاليا إلى وضع منظم ينسجم مع وجود جامعة الملك عبد الله فيها.

وأوضح رئيس بلدية ثول أن تصورات الأمانة المرسومة لهذه المدينة المعرفية تتضمن إنشاء مؤسسات تعليمية، من بينها كليات ومراكز تدريب وخدمات علمية ومعرفية أخرى، كإنشاء المعارض والمتاحف العلمية، وجميع الأشكال الثقافية من مسارح ومراكز إعلامية، إلى جانب مناطق سكنية حديثة.

وأضاف أن الأمانة كلفت المكتب الاستشاري العالمي أتكنز (ATKINS) بمهمة إعداد المخطط الشامل لتطوير مركز ثول، وتغطي أعمال التخطيط كامل المنطقة الممتدة من مركز ثول شمالا إلى مركز ذهبان جنوبا، وستعرض النتائج الأولية للمخطط على الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة، لإبداء توجيهاته تجاهها، تمهيدا لرفع المخطط إلى أمير منطقة مكة المكرمة لاعتماده.

وأكد المغربي أن الكورنيش الجديد في مركز ثول سيكون منافسا وسيحول ثول إلى وجهة سياحية مهمة على ساحل البحر الأحمر، بتميزه بأرصفة المشاة المنسقة جيدا ورماله الناصعة البياض.

ولفت إلى أن ثول تتميز أصلا بوجود جزيرتين سياحيتين أبرزهما الجزيرة الفضية، إلى جانب مجموعة أخرى من الجزر التي تمتلكها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

وقال رئيس بلدية ثول «إن أمانة جدة، ممثلة في شركة جدة للتطوير العمراني، هيأت مساحات كبيرة جدا تصل إلى ملايين الأمتار المربعة لتنفيذ المشاريع الجديدة في مركز ثول، كما كلف المهندس عادل فقيه أمين محافظة جدة، لجنة عليا برئاسة المهندس خالد عقيل نائب الأمين، مهمتها التنسيق مع شركة أرامكو السعودية لضمان تكامل مشاريع الجهتين وتجنب الازدواجية بينهما».

وأشار رئيس بلدية ثول الفرعية إلى أن أمانة جدة شرعت في تأمين مخطط بديل للقطع المتداخلة مع موقع الجامعة، وتعمل حاليا على سفلتة شوارع هذا المخطط بتكلفة إجمالية تصل إلى ثمانية ملايين ريال، إضافة إلى إعادة سفلتة ورصف الشوارع القديمة داخل أحياء ثول.

وعن المشاريع المستقبلية، أعلن المهندس المغربي أن الأمانة ستخصص مواقع لمجمع الدوائر الحكومية، ومراكز تدريب وتأهيل لساكني ثول وتطوير مهاراتهم، والكليات التقنية، وإنشاء 6 مدارس حديثة للبنين والبنات ومراكز صحية ومساجد وجامع كبير، وتسليم مواقع هذه المشاريع لشركة «أرامكو» لتنفيذها.

وتطرق رئيس بلدية ثول إلى حركة التغيير في مركز ثول والتي ستحدث تغييرات إيجابية في حياة الأهالي الاجتماعية والاقتصادية، معربا عن اعتقاده في أن هذه التغييرات ستنقل الأهالي من حياة العشوائية والبساطة إلى أسلوب حياتي عصري، مع المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم التي يتمسكون بها، إضافة لتحسن الوضع الاقتصادي الذي بدأت ملامحه مع البدء في إنشاء الجامعة.

وفي جانب المحافظة على العادات والتقاليد، كشف المهندس المغربي عن تعاون قائم بين أمانة جدة وشركة «أرامكو» السعودية، ستتولى الأمانة بموجبه نزع ملكيات مواقع عدة ضمن منطقة السوق المركزية، فيما ستتولى شركة «أرامكو» إنشاء مركز حضري مميز يهدف إلى إعادة إحياء التراث المحلي وتأهيل المحال الطينية القديمة (سوق القافلة)، ويشتمل المركز على مسرحين أحدهما مفتوح والآخر مغلق، إلى جانب إنشاء أسواق تراثية.

أما في جانب التغيرات المستقبلية على حياة أهالي ثول، فنوه رئيس بلدية ثول إلى أن جامعة الملك عبد الله أعدت خطة لتوظيف عدد من أبناء المركز بعد تدريبهم وتأهيلهم، وهو ما شجع الكثير من الآباء على العناية أكثر بتعليم أبنائهم على أمل أن يحظوا بالاستفادة من الفرص الوظيفية والتعليمية التي ستتاح لأصحاب الكفاءة والمتميزين علميا منهم. وكشف المهندس المغربي أن أمانة جدة بدأت التفكير جديا في تقديم خدمات تتصف بالاستقلالية في ثول، خصوصا أن بُعد ثول عن مدينة جدة سبب العديد من المشكلات، أبرزها يتعلق بخدمات النظافة والتخلص من النفايات.

وأشار إلى اقتراح مقدم من المهندس مجدي فؤاد مساعد وكيل الخدمات لشؤون النظافة (تحت الدراسة)، يوصي بإيجاد مردم نفايات والتعاقد مع شركة نظافة خاصة بمركزي ثول وذهبان، مع الالتزام بتطبيق الأسلوب نفسه الذي تطبقه جامعة الملك عبد الله للتخلص من النفايات، القائم على فرز النفايات قبل وضعها في الحاويات وإعادة تدويرها.

ولم يخف رئيس بلدية ثول وجود «سوء فهم» من بعض المواطنين للتغييرات الحاصلة في ثول، واصفا إياها بـ«المحدودة»، مؤكدا أنها «أمر طبيعي سيزول تلقائيا عندما يدرك المواطنون التطور الإيجابي الكبير في المنطقة».

وأعلن رئيس البلدية أن أمانة جدة ستنظم لقاء مع المواطنين لتوضح لهم ماهية المخطط الهيكلي وتفاصيله، وكذلك الفوائد الجمة التي سيجنونها هم حاليا وأبناؤهم مستقبلا نتيجة أعمال ومشاريع التطوير والتحديث.

كما دعا المهندس المغربي المؤسسات المعنية بالتنمية الاجتماعية إلى التواجد ميدانيا في ثول، للمشاركة في تنمية المنطقة والارتقاء بمستوى المعيشة والتثقيف. ولفت إلى توجه جمعية الأمير ماجد بن عبد العزيز للتنمية والخدمات الاجتماعية لتعزيز تواجدها وتكثيف حضورها في المجتمع المحلي، إضافة إلى التعاون والتفهم الملاحظ من جمعية الصيادين، ولجنة التنمية الاجتماعية، وعمدة ثول، وشيخ قبيلة الجحادلة، وأعيان البلدة لأهمية المرحلة المقبلة.