خادم الحرمين: المراكز العلمية التي تحتضن الجميع هي الخط الأول للدفاع ضد الذين يرفعون لغة الكراهية ويخشون الحوار

ذكر بدور الحضارة الإسلامية وقال إن الجامعة التي نحتفل بافتتاحها اليوم لا تبدأ من الصفر فهي استمرار لما تميزت به حضارتنا في عصور ازدهارها * القوة ارتبطت عبر التاريخ ـ بعد الله ـ بالعلم.. والأمة الإسلامية تعلم أنها لن تبلغها إلا إذا اعتمدت ـ بعد الله ـ على العلم

خادم الحرمين الشريفين قبل استقباله قادة وزعماء ورؤساء وفود الدول المشاركة (تصوير: محمد علي)
TT

رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفل افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في ثول بحضور قادة وممثلي عدد من الدول العربية والإسلامية والصديقة مساء أمس الذي صادف اليوم الوطني التاسع والسبعين للمملكة العربية السعودية.

وقال خادم الحرمين الشريفين في كلمته أمام الضيوف الذين شاركوا أمس في حفل افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، إن هذه الجامعة «لا تبدأ من الصفر، فهي استمرار لما تميزت به حضارتنا في عصور ازدهارها»، مضيفا أن القوة «ارتبطت عبر التاريخ ـ بعد الله ـ بالعلم، والأمة الإسلامية تعلم أنها لن تبلغها إلا إذا اعتمدت ـ بعد الله ـ على العلم».

وشدد خادم الحرمين الشريفين على أن العلم والإيمان «لا يمكن أن يكونا خصمين إلا في النفوس المريضة»، مؤكدا على أن المراكز العلمية التي تحتضن الجميع هي الخط الأول للدفاع ضد المتطرفين الذين يرفعون لغة الكراهية ويخشون الحوار.

وفي ما يلي نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو:

أيها الحضور الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

لقد كانت فكرة هذه الجامعة حلمًا راودني أكثر من 25 عاماً، وكانت هاجساً ملحاً عشت معه طويلا، وإني أحمد الله ـ جل جلاله ـ أن مكننا من تجسيدها واقعاً نراه اليوم شامخا ـ بحول الله وقوته ـ على تراب أرضنا، فباسم الشعب السعودي أعرب لكم عن شكرنا العميق لحضوركم ومشاركتنا احتفال مولد ذلك الحلم. أيها الحضور الكرام: لقد كان للحضارة الإسلامية في تاريخها دور عظيم في خدمة الحضارة الإنسانية بعد الله ـ جل جلاله ـ فقد أسهم علماء المسلمين في مجالات كثيرة، منها الطب ودور ابن النفيس فيه، وفي الكيمياء كان لجابر بن حيان تأثيره البالغ في مسيرته، وفي الجبر كان للخوارزمي دور فاعل، أما في علم الاجتماع فقد كان لابن خلدون تأثيره العظيم فيه.

لذلك كله فالجامعة التي نحتفل بافتتاحها لا تبدأ من الصفر، فهي استمرار لما تميزت به حضارتنا في عصور ازدهارها، وهذا هو المعنى الأول للجامعة. أيها الحضور الكرام: لقد ارتبطت القوة عبر التاريخ ـ بعد الله ـ بالعلم، والأمة الإسلامية تعلم أنها لن تبلغها إلا إذا اعتمدت ـ بعد الله ـ على العلم.

فالعلم والإيمان لا يمكن أن يكونا خصمين إلا في النفوس المريضة. ولقد أكرمنا الله بعقولنا التي بوسعنا أن نعرف سنة الله في خلقه، وهو القائل جل وعلا: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، وهذا المعنى الثاني للجامعة. أيها الأخوة الحضور: لقد تعرضت الإنسانية لهجوم عنيف من المتطرفين الذين يرفعون لغة الكراهية، ويخشون الحوار، ويسعون للهدم. ولا يمكننا أن نواجههم إلا إذا أقمنا التعايش محل النزاع، والمحبة محل الأحقاد، والصداقة محل الصدام. ولا شك أن المراكز العلمية التي تحتضن الجميع، هي الخط الأول للدفاع ضد هؤلاء. واليوم ستنضم هذه الجامعة إلى زميلاتها في كل مكان من العالم دارا للحكمة، ومنارة للتسامح وهذا هو المعنى الثالث للجامعة.

وأخيرا أشكر أرامكو السعودية التي أشرفت على تأسيس هذه الجامعة خلال فترة وجيزة، وأتمنى لمنسوبي الجامعة التوفيق والسداد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكان في استقبال الملك عبد الله لدى وصوله إلى مقر الحفل الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة وعدد من الأمراء.

كما كان في استقباله وزير البترول والثروة المعدنية رئيس مجلس أمناء الجامعة المهندس علي بن إبراهيم النعيمي ووزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري ورئيس شركة «أرامكو» السعودية المهندس خالد الفالح وعدد من كبار المسؤولين في الجامعة.

عقب ذلك استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قادة وممثلي الدول العربية والإسلامية والصديقة ضيوف الحفل.

بعد ذلك شاهد خادم الحرمين الشريفين وضيوفه مجسما لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية واستمعوا إلى شرح من وزير البترول والثروة المعدنية رئيس مجلس أمناء الجامعة عن منشآت الجامعة.

ثم قام الملك عبد الله وضيوفه بجولة في المعرض الذي أقيم بهذه المناسبة.

عقب ذلك شاهد خادم الحرمين الشريفين والحضور فيلما قصيرا عن الجامعة وفكرتها.

وبعد أن افتتح الملك عبد الله الجامعة وبوضع يده على الشاشة الإلكترونية، فيما كان يصطف خلفه مجموعة من الموهوبين من مؤسسة «الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين»، شاهد خادم الحرمين الشريفين والقادة والحضور عرضا للألعاب النارية والليزر التي أضاءت سماء الحفل، وقد اصطف المشاركون في الحفل أمام خادم الحرمين الشريفين لتحيته، وقد بادلهم التحية ملوحا بيديه، كما التقطت الصور التذكارية لخادم الحرمين الشريفين التي تجمعه مع زعماء الدول المشاركة في الحفل.

وكرم الملك عبد الله بن عبد العزيز ضيوفه وأقام لهم مأدبة عشاء بهذه المناسبة، حيث ودعهم بعد ذلك شاكرا لهم حضورهم حفل افتتاح الجامعة ومتمنيا لهم سفرا سعيدا.

وقد ألقى رئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية البروفسور تشون فونغ شيه كلمة قال فيها: «لقد اجتمعنا على شاطئ البحر الأحمر هنا عند ملتقى الشرق والغرب، ملتقى القديم والجديد، ملتقى التحديات والفرص، لنشهد ولادة أحدث جامعة في العالم. لقد جئنا من جميع أنحاء العالم من المؤسسات الأكاديمية والصناعية من أروقة السلطة وقطاع الأعمال ومختبرات العلوم من مختلف مناحي الحياة توحدنا تطلعاتنا المشتركة».

وأشار في كلمته إلى أن «دار الحكمة» كان مركزا عظيما للتعلم ومستودعا للمعارف واجتذب العلماء من جميع أنحاء العالم المعروف آنذاك أسهموا في تقدم المعرفة في مجالات عديدة مثل الرياضيات والطب وعلم الفلك وطبقوا اكتشافاتهم لتحسين حياة الناس القريب منهم والبعيد، و«في أكثر من مناسبة سمعنا من خادم الحرمين الشريفين حديثه عن هذه الجامعة باعتبارها بيتا جديدا للحكمة واعتبارها أيضا هدية منه إلى شعب المملكة العربية السعودية وشعوب العالم».

وتوقع البروفسور تشون فونغ شيه أن تحقق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بعد جيل واحد من الآن حلم خادم الحرمين الشريفين بأن تكون ملتقى للعلوم والبحوث ومنارة من منارات المعرفة للأجيال المقبلة، متمنيا لجامعة الملك عبد الله دوام النمو والازدهار وان تبقى هبة نابضة للحياة من أجل أجيال العالم المقبلة.

بعد ذلك شاهد خادم الحرمين الشريفين والحضور عرضا مصورا يحكي من خلاله عدد من طلاب الجامعة من السعودية والعديد من دول العالم أسباب التحاقهم بالجامعة وطموحاتهم بعد التخرج لخدمة بلدانهم والعالم، وكذلك مشاعر عدد من المسؤولين والعاملين بالجامعة بمناسبة افتتاحها.

وكان وزير البترول والثروة المعدنية رئيس أمناء الجامعة المهندس علي بن إبراهيم النعيمي ألقى كلمة قال فيها: «اليوم هو يوم المملكة الوطني وفي ظل معاني هذا اليوم المجيد يسجل التاريخ بادرة سعودية جديدة ستذكرها الأجيال القادمة بكثير من العرفان والامتنان والشكر لصاحب الرؤية الرائدة في بناء هذا الصرح العلمي الحديث».

وأضاف: «في هذا اليوم المشهود يجتمع العالم يا خادم الحرمين الشريفين ممثلا في قادته وعلمائه وموهوبيه ليشاركوكم تحقيق حلم انطلاقة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية إلى آفاقها العالمية الواسعة ولعلني في هذا الموقف التاريخي الكبير أستطيع أن أعبر لكم عن مدى ما أشعر به من السرور والاغتباط لاكتمال مرحلة تأسيس هذه الجامعة ولا أبالغ إطلاقا إذا قلت إن مشروع هذه الجامعة هو أهم وأجمل المشروعات التي شاركت في بنائها طوال سنوات عملي، وبالنسبة إلى جميع أعضاء مجلس الأمناء وجميع أعضاء فريق العمل كان هذا المشروع (الحلم) يتشكل ليصبح حقيقة يوما بعد يوم على مدى سنوات ثلاث افتتح أعمالها ونشاطاتها بحماس كبير وهمة عالية أعضاء فريق العمل المكلف من (أرامكو) السعودية الذين استثمروا مواهبهم وقدراتهم وبذلوا جهدا وحماسا كبيرا في أثناء فترات التأسيس ليتحقق وعدهم لكم بأن ترى هذه الجامعة النور خلال سنتين من بدء أعمال إنشائها».

وأكد المهندس النعيمي أن الجامعة تهيئ بيئة راقية للعلم الذي يعم ولا يخص وينفع ولا يضر ويوفر للنوابغ من كل أرجاء العالم كل السبل والوسائل التي تمكنهم من الوصول إلى أهدافهم العلمية، وأضاف: «ينطلقون من هنا لينشغلوا بإنجاز ما يحقق فائدة مجتمعاتهم وينعكس على جامعات العالم برمته لتتحقق الرؤية الأولى من رؤاك يا خادم الحرمين الشريفين وهي أن يعم نفع هذه الجامعة الإنسانية بأكملها مهما تباعدت مسافاتها واختلفت حضاراتها وثقافتها».

وفي كلمته قال وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري كلمة أشار فيها إلى أن «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية حاملة لواء العلم والمعرفة ومشعل التقدم والريادة تنطلق اليوم لتنير دربا جديدا واعدا للأجيال وإننا في ظل هذا المنجز الوطني والدولي يحسن بنا أن نصحب ضيوفنا الكرام في جولة ذهنية سريعة نتابع فيها أبرز المنعطفات في مسيرة التعليم العالي في مملكتنا الغالية لكي ندرك ما تحقق له من تطور منذ أن أنشئت أولى الكليات وأولى الجامعات في ثلاثينات القرن المنصرم».

وقال إن «الطموح في تلك الحقبة المبكرة كان بحجم حلم قادتنا الأكابر الذين رفعوا منارة التعليم منطلقين من رؤية مؤسسة الملك عبد العزيز الذي أمر بإنشاء مديرية للمعارف في عام 1344هـ/1929م كانت هي النواة الأولى التي انطلقت منها مسيرة التعليم في المملكة بخطاها الواثقة واستمر التطور في مسيرة التعليم وتشكلت خطواته مرحليا بناء على احتياجات شعب شغوف للتطور والتقدم حتى أصبح لدينا الآن أربع وعشرون جامعة حكومية وتسع جامعات أهلية تنتشر كلياتها ومعاهدها في ربوع المملكة كافة».

وحضر حفل افتتاح الجامعة ومأدبة العشاء الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن، والأمير بدر بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني، والأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، والأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز آل سعود، والأمير عبد الله بن خالد بن عبد العزيز، والأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير عبد الإله بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين، والأمير أحمد بن عبد العزيز نائب وزير الداخلية، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، والأمراء والوزراء، وكبار المسؤولين، والسفراء المعتمدون لدى المملكة.