إعلان إيراني «متأخر» عن بناء مفاعل نووي سري في «قم» بعد كشف الاستخبارات الغربية له

مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: لم نكشف معلوماتنا فورا حتى نتأكد من طبيعة المنشأة * وكالة الطاقة: عرفنا قبل 4 أيام.. ونطلب توضيحا وزيارة للموقع

صورة مأخوذة عبر القمر الصناعي «جيوآي ساتلايت إيميج» لحقل إيراني لتخصيب اليورانيوم في منطقة ناتاز (أ.ب)
TT

في تطور يمكن أن يجعل الملف النووي الإيراني مفتوحا على كل الاحتمالات، وفي توقيت مثير للتساؤلات، كشفت الدول الغربية أن إيران تقوم سرا ببناء مفاعل نووي جديد لتخصيب اليورانيوم. وجاء الكشف الغربي متزامنا مع إعلان إيران رسميا أنها تقوم ببناء مفاعل نووي ثان لتخصيب اليورانيوم داخل جبل في مدينة «قم» الإيرانية، موضحة أن الموقع تجريبي لتخصيب اليورانيوم ولم يدخل طور التشغيل بعد، وأن مستوى التخصيب سيكون 5%، وهو مستوى منخفض للتخصيب وليس كافيا لدرجة تكفي لإنتاج مواد انشطارية تستخدم في صنع قنبلة ذرية. وجاء الإعلان الإيراني على لسان مسؤول إيراني تحدث لوكالة «إسنا» الطلابية، وعبر رسالة أرسلتها إيران إلى وكالة الطاقة الذرية قبل 4 أيام فقط، بعدما تأكدت طهران أن الاستخبارات الغربية تعرف بأمر المفاعل الجديد، وأن هناك اتجاها للإعلان عنه على الملأ لتعزيز التوجه لفرض عقوبات مشددة على إيران بسبب الأنشطة النووية السرية التي تقوم بها دون علم وكالة الطاقة الذرية، وهو ما يتناقض مع التزامات إيران الدولية.

وليس لدى إيران سوى منشأة واحدة معروفة لتخصيب اليورانيوم هي منشأة «ناتانز» التي تقوم حاليا بإنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يستخدم لإنتاج الوقود النووي الضروري لبناء قنبلة نووية. ومنشأة ناتانز نفسها كانت سرية وأخفيت عن الوكالة حتى عام 2002 عندما اضطرت إيران إلى الكشف عنها بعد تسرب معلومات استخباراتية حولها.

وجاء إعلان وكالة الطاقة عن الرسالة الإيرانية التي تقر بوجود مفاعل نووي ثان أخفته إيران عن وكالة الطاقة طوال سنوات، وسط احتدام النقاش حول الملف النووي الإيراني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة العشرين، وفيما استخدم قادة أميركا وفرنسا وبريطانيا لهجة حادة أمس ضد طهران في قمة العشرين، متهمين طهران بأنها «مصدر تهديد في الشرق الأوسط والعالم» مطالبين إياها باحترام التزاماتها الدولية وفقا لمعاهدة الحد من الانتشار النووي و«كشف كل شيء خفي في برنامجها النووي في الأول من أكتوبر في جنيف» وفتح المفاعل الجديد للتفتيش بحلول ديسمبر (كانون الأول) وإلا واجهت إجراءات تصعيدية، لوحظ غياب الرئيسين الروسي والصيني عن البيان الاستثنائي لقمة العشرين، مما يشي بأن موسكو وبكين قد لا تكونان متحمستين فورا للتصعيد ضد إيران. وكانت الدول الأعضاء في مجلس الأمن وألمانيا قد بحثت الملف الإيراني خلال مشاركتها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وذكرت تقارير أن مسؤولي استخبارات من الدول الغربية اجتمعوا أيضا في نيويورك لتبادل المعلومات التي لديهم حول الموقع الإيراني السري الجديد وإخبار رؤساء الدول المعنية بتفاصيل أكثر حول الهدف من الموقع ومدى تقدم العمل فيه. ولم يذكر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في نيويورك أي شيء عن الموقع الإيراني السري الجديد، على الرغم من أنه كان من المؤكد أن تتسرب الرسالة الإيرانية لوكالة الطاقة التي تعترف فيها طهران ببناء موقع سري في «قم» إلى وسائل الإعلام. وفي مقابلاته الصحافية أو كلمته أمام الأمم المتحدة، أكد نجاد مرارا على أن الأنشطة النووية الإيرانية شفافة، وأنه لا جانب عسكريا لها.

وقال مسؤول في الإدارة الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن الاستخبارات الأميركية والغربية تعلم بأمر المنشأة الجديدة التي تقوم إيران ببنائها، موضحا: «نراقب المنشأة منذ سنوات. وكانت نيتنا ورغبتنا أن نكشف عن المفاعل الإيراني الجديد بعدما نتأكد مع حلفائنا من المعلومات التي لدينا، وتكون لدينا معرفة أفضل بطبيعة المنشأة الجديدة وهدفها»، واعترف المسؤول الأميركي ضمنا بتأخر الاستخبارات الغربية في الكشف عن المفاعل السري الجديد، موضحا: «أردنا أن يكون لدينا ما يكفي من العناصر لتوضيح أسباب قلقنا من البرنامج الإيراني والطريقة التي تتصرف بها إيران».

ووفقا لبيان وكالة الطاقة الذرية، فقد أخطرت طهران الوكالة بوجود المحطة الثانية في خطاب أرسل إلى محمد البرادعي مدير عام الوكالة يوم الاثنين الماضي بينما تستعد القوى العالمية الست الكبرى وإيران لمحادثات نادرة في أول أكتوبر (تشرين الأول) بشأن طموح طهران النووي المثير للجدل.

وقال مارك فيدريكير، المتحدث باسم وكالة الطاقة في بيان الوكالة، إنه «في 21 سبتمبر (أيلول) أبلغت إيران الوكالة في رسالة بأنه يجري حاليا بناء مفاعل تجريبي جديد لتخصيب الوقود في البلاد». وأضاف أن «إيران أكدت للوكالة في الرسالة أنه سيتم تقديم أي معلومات إضافية أخرى في الوقت المناسب». وتابع أنه «في رد على ذلك طلبت الوكالة من إيران تزويدها بمعلومات محددة والسماح لها بزيارة المنشأة بالسرعة الممكنة. وسيسمح ذلك للوكالة بتقييم متطلبات التحقق من الضوابط في المنشأة». وقال فيدريكير إن «الرسالة قالت إن مستوى التخصيب سيكون 5%» وهو مستوى منخفض للتخصيب وليس كافيا لدرجة تكفي لإنتاج مواد انشطارية تستخدم في صنع قنبلة ذرية. وأضاف بيان الوكالة أن «الوكالة فهمت كذلك من إيران أنه لم يتم إدخال أي مواد نووية إلى المنشأة».

وقال دبلوماسيون مقربون من الوكالة في وقت سابق إن إيران أكدت أنه لم يتم تركيب أي من أجهزة الطرد المركزي في الموقع الجديد الذي بني داخل جبل على بعد نحو 160 كيلومترا جنوب غربي طهران.

وهذا الكشف هو امتداد لتاريخ إيران في حجب خططها النووية الحساسة عن مفتشي الأمم المتحدة النوويين، وقد يعمق الخلاف بين القوى العالمية وإيران بشأن طموحاتها النووية، ويعطي دفعا أكبر لدعوات أميركية وغربية لبحث فرض عقوبات دولية أشد على إيران.

وقال مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة «نيويورك تايمز» إنه يعتقد أن المفاعل الإيراني تحت الإنشاء صمم ليكون به 3000 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يقول محللون إنه يكفي لإنتاج جهاز نووي واحد في عام في حالة تشغيله بدون توقف، على الرغم من أنه لا يبدو أن إيران أتقنت التكنولوجيا المعقدة بعد.

ومن المعروف أن محطة ناتانز للتخصيب هي منشأة كبيرة تحت الأرض، حيث تحتفظ بمخزون من اليورانيوم منخفض التخصيب قد يكفي لإنتاج مواد قنبلة في عملية آخذة في التوسع مع تركيب قرابة تسعة آلاف من أجهزة الطرد المركزي. وتخضع المحطة لمراقبة من مفتشي الوكالة الدولية، إلا أن مهمات التفتيش كثيرا ما تعطلت في الماضي.

وفيما رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما الرد على سؤال صحافي حول لماذا لم تكشف أميركا عن تلك المعلومات الاستخباراتية الحساسة من قبل، تشي التعبيرات التي استخدمها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن هناك «أزمة ثقة حرجة بين إيران والعالم»، وتأكيد رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أن «الملف النووي الإيراني له أولوية دولية قصوى» يشي بأن هناك اتفاقا دوليا على أخذ اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك وقمة العشرين في بنسلفانيا كمحطة انطلاق للمضي قدما وبسرعة في معالجة الملف النووي الإيراني بعد تأخر دام لأكثر من عام بسبب الانتخابات الرئاسية في أميركا وإيران. وفيما ترفض الدول الغربية التحدث عن «جدول زمني مصطنع» للضغط على إيران، يعتقد أن هناك بالفعل جدولا زمنيا غير علني يحدد نهاية ذلك العام كمهلة لاختبار النوايا والأفعال الإيرانية على الأرض.

وقال مصدر أميركي آخر لـ«الشرق الأوسط» لا يريد الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «باتت هناك قناعة تتعزز بأن إيران هي أكبر تحد أمني يواجه الإدارة، غير أن هناك أيضا شكوكا في أن إيران قادرة على الإجابة عن الأسئلة الحساسة في برنامجها. والأشهر القليلة المقبلة ستوضح الكثير من النقاط الغامضة الآن. لكن إدارة أوباما ترى ملف إيران محددا أساسيا لنجاح أو فشل سياساتنا الخارجية في الكثير من قضايا الشرق الأوسط». فيما قال مصدر أميركي لـ«نيويورك تايمز»: «لقد غشتنا إيران 3 مرات. وكذبت 3 مرات»، مشيرا إلى إخفاء إيران لمفاعل ناتانز الذي كشفت عنه المعارضة الإيرانية في الخارج إلى أن اضطرت إيران إلى الكشف عنه عام 2002، وإلى المخطوطات التي توضح أن إيران أجرت تجارب عسكرية على برنامجها النووي عام 2003 وأجرت ما يشبه التفجيرات النووية، وهى المعلومات التي ترفض إيران الاعتراف بصحتها حتى الآن وتتهم الاستخبارات الغربية بفبركة الوثائق. أما الحادثة الثالثة فهي الكشف أمس عن المفاعل السري في قم.

وأثار الإعلان عن المفاعل الإيراني السري الجديد جدلا فوريا في أروقة الأمم المتحدة، وعقد الكثير من وفود الدول المشاركة جلسات خاصة لمناقشة الموضوع، فيما ترددت تقارير أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قرر إلغاء مؤتمر صحافي كان مقررا أمس.

وكانت إيران قد أعلنت ليل أول من أمس أن المزاعم التي أطلقت في الأمم المتحدة، وخصوصا من قبل فرنسا وبريطانيا، حول برنامجها النووي المثير للجدل، «خاطئة تماما»، وذلك في بيان وزعته البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة.

وقال البيان إن «المزاعم التي أطلقها الرئيس الفرنسي ضد برنامج إيران النووي السلمي هي محاولة سخيفة لإخفاء الأداء المتدني لفرنسا لجهة عدم احترام تعهداتها في مجال التسلح النووي».

وأضاف «على فرنسا أن تحترم تماما وفورا تعهداتها عملا بأحكام المادة السادسة من معاهدة حظر الانتشار النووي بدلا من مواصلة حياكة الأكاذيب والتحريض على الخوف».

وحمل البيان أيضا على بريطانيا المتهمة من جهتها بأنها تجاهلت «عمدا وبوقاحة» تعهداتها الخاصة بحسب ما ورد في معاهدة حظر الانتشار النووي، لوضع حد «لترساناتها النووية غير المبررة».

وأكد البيان أن بريطانيا «ليست في موقع يسمح لها بإصدار أحكام على الآخرين» وطالب لندن بـ«تجميد تحديث ترساناتها النووية والتخلي عن أي جهد يرمي إلى تطوير أسلحة دمار شامل جديدة». ولم يكن هدف الرد الإيراني على فرنسا واضحا على الفور. وأشار البيان الإيراني إلى التصريحات التي أدلى ساركوزي بها الخميس خلال قمة مجلس الأمن حول نزع الأسلحة والحد من الانتشار النووي.

وكان قصر الإليزيه نشر مسبقا تصريحات شديدة اللهجة حيال إيران كان يفترض أن يدلي بها الرئيس نيكولا ساركوزي لهذه المناسبة. إلا أن ساركوزي لم يتل الفقرات الأكثر تشددا على الرغم من انتقاده موقف إيران من ملفها النووي. ودعت الرئاسة الفرنسية أول من أمس في الأمم المتحدة في نيويورك إلى فرض «عقوبات في مجالي الطاقة والمال» على إيران إذا واصلت سعيها إلى امتلاك السلاح النووي كما تتهمها باريس.

وقال الإليزيه «قبل نهاية السنة إذا لم تغير (إيران) سياستها» في مجال الأسلحة النووية «علينا فرض عقوبات كبيرة في مجالي الطاقة والمال». وأضاف الإليزيه «يجب ألا نسمح لإيران بأن تفرض علينا أمرا واقعا لتفادي كارثة».

وبحسب باريس فإن «إيران تملك أجهزة طرد مركزي ويورانيوم مخصبا. وهي لا تحتاج إلى ذلك. كما أنها تطور ترسانة باليستية تهدد أوروبا بما في ذلك روسيا».

من جهة أخرى رد الممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية خافيير سولانا بتحفظ أول من أمس على عرض الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عقد اجتماع للخبراء النوويين الإيرانيين والأجانب لإزالة أي شكوك متصلة ببرنامج بلاده النووي. وقال سولانا على هامش اجتماع للجنة الرباعية حول الشرق الأوسط في الأمم المتحدة «لا أعتبر ذلك عرضا»، داعيا إيران إلى انتهاز فرصة محادثات الأول من أكتوبر (تشرين الأول). وقال الرئيس الإيراني (الأربعاء) في مقابلتين مع «واشنطن بوست» و«نيوزويك» إنه يأمل في أن يلتقي خبراء نوويون إيرانيون مع نظرائهم من الأجانب لا سيما الأميركيين منهم، لإزالة أي شكوك حول البرنامج النووي الإيراني. وأضاف: «إنه اقتراح صلب جدا يشكل مناسبة جيدة للبدء» بإقامة علاقات الثقة بين الولايات المتحدة وإيران، موضحا أن الموضوع سيطرح للنقاش خلال استئناف المفاوضات مع القوى العظمى في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).