القذافي: اتصلنا بطهران وبيونغ يانغ بإيعاز أميركي.. فكان جوابهما «ماذا جنت ليبيا من الصفقة؟»

وبّخ ناشطة في «هيومان رايتس ووتش» لعدم فهمها النظرية العالمية الثالثة

خيمة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي التي نصبت في منزل رجل الاعمال الاميركي دونالد ترامب الواقع في بدفورد بضواحي نيويورك قبل صدور أمر من السلطات بإزالتها (أ.ب)
TT

جلس «ملك ملوك أفريقيا» يستقبل الأسئلة يوم الخميس الماضي خلال لقاء في «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك، وذلك بعد مرور يوم واحد على خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، استغرق 95 دقيقة، وجّه خلاله الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي، الكثير من الانتقادات، واستمتع بأسلوبه المسرحي.

وبالنسبة للقذافي، كان ذلك بمثابة حفل اجتماعي رديء، فهو يزور الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ توليه زمام السلطة قبل أربعة عقود. وكان يقدم ساعة من وقته لأسئلة غير مكتوبة. وكانت إجاباته، التي جاءت عبر مترجم فوري، تبدو وكأنها غير مجهزة.

ووبّخ الزعيم الليبي ناشطة من منظمة «هيومان رايتس ووتش» لأنها لم تفهم نظريته العالمية الثالثة للمجتمع. ووصف اتهام بلده بدعم الإرهاب بأنه «مغالطة». وأنكر ضلوع ليبيا في عملية تفجير الرحلة الجوية «بان إم 103» فوق لوكيربي، باسكوتلندا، عام 1988.

وفي النهاية عندما سأله ثيودور سورنسن، الذي كان في أحد الأيام مساعدا للرئيس جون كينيدي: هل سيكون رئيس المجلس اليهودي ريتشار هاس، مرحبا به في ليبيا لعقد مثل هذا اللقاء المفتوح؟ عكس القذافي السؤال قائلا: «في الواقع أشعر بالدهشة لإثارة هذا السؤال»، ونفى أن يكون هناك أي تمييز ديني داخل بلاده. وسئل: «هل يعني ذلك أنكم تمارسون في أميركا تمييزا بين الناس على أساس الدين؟».

وردا على سؤال عما دفع ليبيا لترك برامجها النووية وبرامج الأسلحة الكيميائية قبل ستة أعوام، قال القذافي: «كان العالم في وضع مختلف عما هو الحال الآن».

وقال: «جميع الدول كانت تفتخر بقدرتها على إنتاج» أسلحة دمار شامل، «وكأنه تقليد، شيء يفخر به الناس». وأضاف: «كنا شعبا فتيا، وكنا ثوريين، وكنا نشعر بالإثارة، وكنا جزءا من ذلك الوقت، وسلكنا في هذا الدرب».

وقال: «كانت تكلفة هذه الأسلحة كبيرة جدا جدا، وأجرينا تقييما استراتيجيا عن الأهداف المحتملة. ورأينا أنه كان سيكلف ليبيا أكثر مما يعود عليها بالنفع».

إلى ذلك، قال القذافي إنه يعارض أي عمل عسكري ضد إيران، حتى إذا كانت تسعى إلى صنع سلاح نووي. وفق ما ذكرته وكالة «رويترز». وأوضح القذافي أنه إذا كان الحديث عن عمل عسكري فإن السؤال سيكون من سيتخذ العمل العسكري؟ من سيفعله، ومن له الحق في أن يفعل ذلك. وقال القذافي إن اتخاذ عمل ضد إيران قد يخلق سابقة خطيرة. وأشار إلى أن بلدانا أخرى منها الهند وباكستان والصين وروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل لديها ـ أو في حالة إسرائيل يفترض أن لديها ـ أسلحة نووية.

وزاد قائلا: «كلهم لديهم قنابل نووية، فلماذا لا يتخذ عمل عسكري ضدهم؟».

وقال القذافي أيضا، الذي تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء للمرة الأولى في سنواته الأربعين زعيما لليبيا، إن طرابلس لن تؤيد امتلاك إيران أسلحة نووية.

وردا على سؤال لمجلة «تايم» الأميركية حول النصيحة التي يمكن أن يوجهها لإيران، وما هي النصيحة التي سيقدمها إلى واشنطن بشأن الطريقة التي ينبغي أن تتعامل بها مع طهران بشأن طموحها النووي، قال القذافي إنه بناء على مشورة من أصدقائنا الأميركيين، وغيرهم «طلب منا القيام باتصال بطهران وبيونغ يانغ. وتشجيعهما والتحدث إليهما بشأن استخدام الطاقة النووية لأغراض عسكرية، وتحويل الإمكانات والقدرات المتوفرة لديهما للأغراض السلمية. بيد أن رد فعلهما كان: ماذا جنت ليبيا من الصفقة؟ وهذا ما قالوه لنا».

إلى ذلك، قال القذافي أيضا إنه من مصلحة ليبيا، العضو في منظمة «أوبك» أن تحتفظ بعلاقات طيبة مع الغرب.

وأضاف قائلا: «هذا هو العالم الذي يملك التكنولوجيا والخبرة، ومن المفيد لليبيا أن تكون على علاقات طيبة مع هذا العالم».

وخلال كلامه، أعرب القذافي عن دعمه لـ«حركات التحرر» داخل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وتحدث في حق الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي قال عنه: «كان يُنظر إليه على أنه إرهابي»، ولكن بعد ذلك «استقبل في البيت الأبيض، وكان يحظى بمعاملة رسمية».

وعلى مدى ساعة، تحدث القذافي بهدوء وبنبرة حرفية، وكان في موقف الدفاع مرتين، الأولى عندما سُئل لماذا وافق على تحمل المسؤولية عن تفجيرات لوكيربي ودفع تعويضات إلى عائلات الضحايا إذا كانت ليبيا لم تكن تدعم الإرهاب في الماضي. وقال: «لم تُتهم ليبيا يوما بأنها الجهة المتآمرة أو المسؤولة. ولم نقر يوما بأي جرم». وأضاف أن ليبيا وافقت على أن أحد مواطنيها كان متورطا في ذلك، ولكن «لا يعني ذلك أن الدولة مسؤولة عن هذه التصرفات».

والثانية، عندما طلبت مينكي وردن، المديرة الإعلامية لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، من القذافي الحديث عن مستجدات الإصلاحات المخطط لها في قانون العقوبات والدستور الليبي، حيث عنّفها لأنها لا تفهم النظام القائم في بلده الذي، حسب ما قال، لا توجد به حكومة، ولكن تُتخذ جميع القرارات من خلال الشعب عن طريق «اللجان الشعبية».

وقال القذافي، وكأنه مدرس يعلم تلميذا متشككا: «ربما لا تصدقين ذلك، وربما لم تقرئي الكتاب الأخضر، والفلسفة التي وراء نظرية الطريق الثالث. لقد ألغينا فكرة الحكومة كلية وإلى الأبد».

وبعد ذلك، أعرب الكثير من أعضاء المجلس عن شعور بعدم الرضا عن إجابات القذافي، بيد أن كثيرين قالوا إنهم مندهشون لأنه حضر بالأساس. وقالت وردن: «كان شيئا إيجابيا، ولكن هل يمكن لأحد أن يقوم بمثل ذلك في ليبيا؟».

وقال سورنسن إنه، بعد ظهور القذافي يوم الأربعاء أمام الجمعية العامة، كان هناك بعض الخوف بخصوص اجتماع المجلس.

وأضاف: «أعتقد أن عددا كبيرا من الناس كانوا يتساءلون عما إذا كانوا سيسمعون 90 دقيقة من الكلام المنمق. لكن القذافي تصرف بصورة جيدة وانتقل من مستوى إلى آخر»، وأشار إلى أن القذافي وصل في الموعد تماما. وقال سورنسن: «لا أعرف كيف ينظرون إليه وهو يصف ليبيا بأنها دولة بلا حكومة ولا رئيس ولا وزراء».

وعلى الجانب الآخر، انضم معارضون ليبيون يوم الأربعاء إلى أفراد عائلات ضحايا لوكيربي في حشد احتجاجي خارج الأمم المتحدة. ودشن مجموعة من الطلبة الليبيين ومنفيون موقعا جديدا على شبكة الإنترنت عنوانه «EnoughGaddafi.com» لإظهار انتهاكات حقوق الإنسان داخل ليبيا.

وقال عبد الله دارات (27 عاما): «نعمل من أجل إنهاء النظام الحاكم، فقد مضى 40 عاما من الإدارة السيئة والفساد والظلم». ووصف التقارب الأميركي إزاء ليبيا بأنه «منافق»، لأن القذافي «لم يغير أي شيء في انتهاكات حقوق الإنسان ولم يعتذر» عن الإرهاب الذي مورس في الماضي.

ولكن، صحافية «النداء الأخير»، التي تتبع رئيس منظمة أمة الإسلام، لويس فرخان، نشرت في صفحتها الأولى صورة للقذافي تحت عنوان رئيسي يقول: «مرحبا في أميركا». وفي المقال الافتتاحي أثنى فرخان على القذافي وعلى كتابه الأخضر. وقال: «كان صديقا لكفاح الشعب الأسود في كل أنحاء العالم من أجل الوصول إلى التحرير الحق».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»