وزيرة التنمية الاجتماعية بالبحرين: التبرعات تحول للخارج بطريقة غير شرعية

قالت لـ «الشرق الأوسط» إن الحكومة لن تتردد في محاصرة أي محاولات لتعريض سمعة البحرين للاهتزاز في العمل الخيري

الدكتورة فاطمة البلوشي («الشرق الأوسط»)
TT

قليلة هي الدول العربية التي تضاهي البحرين في عدد الجمعيات والصناديق الخيرية المسجلة رسميا، فنحو 600 جمعية وصندوق تباشر أعمالها في هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة، التي لا تتجاوز 720 كيلو مترا مربعا، وتخدم هذه المنظمات الأهلية نصف مليون نسمة، هم عدد السكان البحرينيين. غير أن هذا العدد الكبير من الجمعيات الخيرية أفضى إلى ما يسميه المراقبون البحرينيون فوضى في عمل هذه الجمعيات، وإذا ما كانت السلطات البحرينية تغض الطرف عن بعض المخالفات التي تقوم بها هذه الجمعيات، فإن وصول هذه المخالفات إلى حد عدم السيطرة على أموال التبرعات التي تقدم لهذه الصناديق، أفضى إلى تدخل حازم من الحكومة لتشديد الإجراءات الرقابية على أموال التبرعات ومعرفة الطريق الصحيح الذي تصل إليه هذه الأموال. «الشرق الأوسط» زارت وزيرة التنمية الاجتماعية البحرينية الدكتورة فاطمة البلوشي، وأجرت معها حوارا، قالت فيه إن حكومة بلادها كشفت عن قيام مجموعة من الجمعيات الأهلية بتحويل أموال التبرعات الخيرية للخارج من دون أن يتم ذلك وفقا للقنوات الرسمية، مشيرة إلى أن وزارتها أحالت عددا من الجمعيات المخالفة إلى النيابة العامة «لينظر القضاء في هذه المخالفات».

كشفت الدكتورة البلوشي، أن الحكومة البحرينية لن تتردد في محاصرة أي محاولات لتمرير هذه الأموال للخارج وتعريض سمعة البحرين للاهتزاز في العمل الخيري، عبر استخدام بعض الجمعيات هذه لتلك الأموال في عمليات غير مشروعة، على حد وصفها.

وتقول الوزيرة البلوشي، إن بعض الجمعيات والصناديق الخيرية «تقوم باستغلال التبرعات التي يقدمها المواطنون استغلالا سيئا، وهو ما تسعى الوزارة لتنظيمه عبر قانون ينظم هذه التبرعات ويربطها بالمرور تحت أنظار وسمع الوزارة».

وتضيف الوزيرة البحرينية إنه «من حق المواطن البحريني أن يعرف إلى أين تذهب أمواله، لا أخفيك أن في بعض الحالات يكون هناك غموض في هذه الأموال، فلا نعرف جميعا هل ذهبت لمستحقيها أم ذهبت لجيوب الآخرين». وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الإجراءات القانونية التي قامت بها الوزارة ضد هذه لمخالفات، قالت الدكتورة فاطمة البلوشي، إنه تمت إحالة عدد من القضايا إلى النيابة العامة للتحقيق في المخالفات التي ارتكبت.

وبحسب الإحصائيات الرسمية فيعمل في البحرين نحو 450 جمعية خيرية مسجلة رسميا في وزارة التنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى 80 صندوق خيري. ووفقا لأحكام مواد القانون رقم (21) للجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة، فإنه يحظر جمع المال داخل البحرين أو خارجها إلا بموجب ترخيص مسبق من قبل وزارة التنمية الاجتماعية. وفي حالات أخرى، تقول الوزيرة فاطمة البلوشي، «نقوم بتجميد حسابات هذه الجمعيات الخيرية المخالفة أو نغلقها إداريا، لكننا لا نقوم بمثل هذا الإجراء إلا بعد أن نستنفد سبيل أن تعود كافة المعاملات التي تجريها هذه الجهات تحت إطار النظام».

وتعتبر الوزيرة البلوشي، أن بلادها حققت تميزا في سمعتها الدولية في مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، «وبالتالي لن نسمح لأي من هذه الجمعيات الخيرية باستغلال أموال التبرعات في أمور خارجة عن القانون».

غير أن الوزيرة البحرينية تؤكد في الوقت ذاته أن غالبية الجمعيات والصناديق الخيرية في البحرين تقوم بعملها وفق النظام المؤطر لها دون أي مخالفات تذكر، «لكن تبقى هناك بعض التجاوزات غير القانونية في عمل الجمعيات الخيرية من عدد قليل من الجمعيات، ونحن نسعى لفرض النظام وتطبيق القانون في هذا الشأن». وتشير البلوشي إلى أن البحرين «كمركز مالي مهم عليها بعض القواعد والاشتراطات التي يجب تطبيقها على جميع القطاعات العاملة في البلاد، لذا فمن الضروري أن تمر عمليات جمع الأموال عبر قنوات رسمية، كنا لا نعلم كيف تفتح تلك الحصالات الموجودة والمنتشرة في المساجد والمآتم، ولا نعلم أين توجه تلك الأموال، غير أننا ألزمنا هذه الجهات المتلقية للتبرعات بالكشف عن مواردها وإلى أين تذهب تحديدا عبر تقاريرها السنوية».

وتقول إن القانون في البحرين يدعم مؤسسيا الجمعيات الأهلية، «فلا تعتمد هذه الجمعيات على دعم منتسبيها أو الراغبين بدعمها فقط، بل إن الحكومة أيضا تقوم بدعمها بطريقة مؤسساتية، لذلك أنشأنا المركز الوطني لدعم الجمعيات الأهلية، وهو الأول من نوعه خليجيا، الذي يقدم منحا مالية للجمعيات بميزانية سنوية تبلغ 300 ألف دينار بحريني (800 ألف دولار أميركي).

ووفقا للوزيرة البحرينية فإن الهدف من هذا المركز هو تمكين الجمعيات الأهلية من العمل في نظام مريح ووفق قانون يؤطر العمل الخيري عبر دعم حكومي ثابت. وهنا تعود البلوشي، للتأكيد على أن قرار تنظيم عملية جمع الأموال من قبل الجمعيات الخيرية «ليس موجها ضد أحد بقدر ما هو بلورة لهدف مشترك لمعرفة مصدر هذه الأموال وإلى من تذهب».

«الشرق الأوسط» سألت الوزيرة فاطمة البلوشي، عن خط الفقر في البحرين، ولماذا هناك حساسية من تناول الموضوع، فنفت أولا وجود مثل هذه الحساسية، مؤكدة أنه لا يوجد فقر مدقع في البحرين، وأضافت «هناك نوعان من الفقر، إما فقر مدقع وهو عندما لا يتجاوز دخل الفرد 30 دولارا في الشهر، وهذا النوع لا يوجد لدينا، أما النوع الثاني وهو الفقر النسبي، فهو يعادل الوسيط العددي لدخل الفرد، فإذا انخفض عن هذا المعدل أصبح ضمن معدلات الفقر النسبي». وتضيف الوزيرة البحرينية «وفقا للإحصائيات الرسمية فإن نسبة الأسر التي تأتي ضمن هذه المعدلات، وأعني الفقر النسبي، لا تتجاوز الخمسة في المائة، فمجموع الأسر التي نقدم لها ضمانا اجتماعيا يصل إلى 10 آلاف أسرة بحرينية، نقدم لهم هذه الإعانات بصورة شهرية».

ولعل اللافت للنظر في حوار الدكتورة فاطمة البلوشي، وزيرة التنمية الاجتماعية في البحرين، هو ما قالته عن حالات الطلاق في بلادها، حيث كشفت أن رجال القضاء في المحاكم البحرينية المختلفة، لا يقدمون على تنفيذ حكم الطلاق بين الزوجين، «إلا بعد تحويل الراغبين في الطلاق وقبل البت في أي قضية من هذا النوع، إلى مراكز الإرشاد النفسي التابعة للوزارة، وفي كثير من الحالات التي تمت إحالتها فإننا نتمكن من إيقاف حدوث أبغض الحلال». وعند سؤال الوزيرة حول الحالات التي تمكن هذا البرنامج من إيقاف حدوث الطلاق، قالت إن العدد بلغ نحو 100 حالة تم إيقافها خلال السنتين الأخيرتين.

وفي هذا السياق عرضت البلوشي، تجربة وزارتها في إنشاء دور الوالدين للرعاية النهارية لكبار السن، حيث تهدف هذه المراكز لأن تكون نوادي نهارية للراغبين من كبار السن لرعايتهم صحيا ونفسيا، مشيرة إلى أن الفكرة بدأت بدارين وأصبحت حاليا 10 دور «فيما تخطط الوزارة لإنشاء 10 دور أخرى»، مبينة أن مثل هذه الدور تمنع في حالات كثيرة تحويل كبار السن لمراكز رعاية العجزة لكي يقيم فيها بشكل دائم، بحيث تكون هذه الدور النهارية فرصة سانحة لكبار السن للبقاء فيها أكبر وقت ممكن، مع عودتهم لمنازلهم في آخر النهار.

وفي موضوع آخر، قالت وزير التنمية الاجتماعية البحرينية، إن بنك الأسرة، الذي دشنته البحرين مؤخرا بالتنسيق مع مؤسسة غرامين، الذي يوازي في عمله بنك الفقراء الشهير، يهدف لتقديم قروض ميسرة لـ2500 أسرة سنويا بمعدل 200 دينار بحريني لكل أسرة. وتشير البلوشي، إلى أن هذه التجربة ليست جديدة في البحرين «حيث إننا نقوم بها منذ العقد الماضي، ما حدث الآن أننا أطرناها تحت بنك تجاري وبرخصة من المصرف المركزي البحريني».

ويستهدف مشروع «بنك الأسرة»، بحسب وزيرة التنمية الاجتماعية البحرينية «توسيع الطبقة الوسطى في المملكة، إذ إن توجيهات عاهل البلاد تدعو للتركيز على الطبقة الوسطى وإخراج الناس من حال العوز إلى حال الإنتاجية وعدم الحاجة».

وتعتقد الوزيرة البحرينية أن من أسباب الفقر الرئيسية غياب ثقافة الادخار «وهو سلوك اجتماعي حاولنا التغلب عليه من خلال بنك الأسرة الذي سيقرض الأسر وفي الوقت نفسه سيدخر أموالهم، كما أننا نخطط في مرحلة لاحقة أن ننقل ملكية البنك لهذه الأسر، بحيث يكونون مستفيدين من البنك وفي الوقت نفسه مالكين له». ولكن كيف يمكن الحصول على ضمانات لرد هذه القروض من قبل هذه الأسر؟ ترد وزيرة التنمية الاجتماعية البحرينية بأن فكرة البنك هي أنه لا يشترط ضمانات بنكية قبل تقديم القروض، «ومع هذا فإن التجربة البحرينية أثبتت أن 98 في المائة من القروض تسترجع، وهذه النسبة غير متوفرة حتى في البنوك التجارية التي تشترط الكثير من الضمانات المشددة». ووفقا لوزيرة التنمية الاجتماعية البحرينية فإن بنك الأسرة سيبدأ فعليا أعماله في مطلع العام المقبل، من خلال استقبال المستفيدين وعملية الإقراض بموازنة مدفوعة قدرها 5 ملايين دينار بحريني، فيما سيكون الرأسمال المصرح به 15 مليون دينار. وكشفت البلوشي، أن هناك توجها لرفع رأس مال البنك قريبا ليصل إلى رأس المال المصرح به. وتقول البلوشي، «البنك بفكرته وتوجهاته يعتبر من أحد المشاريع المهمة التي تدعمها رؤية البحرين 2030 ووضع أيضا في الإستراتيجية الاقتصادية الوطنية كأحد المشروعات الوطنية الرائدة التي تقوم بها وزارة التنمية الاجتماعية بالتعاون مع الشركاء الاجتماعيين لتمويل رواد الأعمال والمشاريع متناهية الصغر، وهذا المشروع تنظر له الحكومة باهتمام شديد».

وبحسب البلوشي، فإن بنك الأسرة «سيوفر برنامج القروض للصناديق الخيرية، بمتوسط 100 ألف دينار، وستستفيد 5 صناديق في كل عام من هذا البرنامج، وذلك من أجل الشراكة المجتمعية التي تأتي من التعاون مع الشركات والمؤسسات لدعم الفئات والمشروعات المنتجة».

كما كشفت وزيرة التنمية الاجتماعية أن عدد الحالات التي استقبلها مركز البحرين لحماية الطفل منذ تأسيسه 275 حالة من سوء المعاملة من مختلف أشكال الإيذاء الجسدي، والجنسي، والنفسي، والعاطفي والإهمال الشديد.

وبينت أن المركز يعتبر أحد المقومات الأساسية لرعاية وحماية الطفل الذي تضعه الوزارة نصب أعينها وتحرص على توفير جميع الخدمات التي من شأنها أن توفر له البيئة الطبيعية للتطور والنمو النفسي والجسدي والصحي. وأضافت الوزيرة أن المركز يعمل بالتعاون مع منظومة من الجهات المختصة والمعنية لرعاية ودعم الطفل من الإيذاء باعتباره مركزا صديقا للأطفال محوره الطفل ومرتكزه المجتمع ويقدم خدمات التقييم والعلاج والمتابعة للأطفال ضحايا الإيذاء الجسدي والإهمال والاعتداءات الجنسية، ويحول الحالات للنيابة للتحقيق.

وأعربت عن تطلع الوزارة إلى افتتاح مكاتب فرعية تابعة للمركز في مختلف المحافظات الخمس بالتعاون مع وزارة الداخلية من أجل تسهيل الخدمات التي توفر للطفل الذي يتعرض للإيذاء. ولفتت إلى أن هناك الكثير من الجهات تعنى بالطفل المعنف في البحرين، إلا أن وجود مركز واحد يمثل محطة واحدة يمر من خلالها هذا الطفل أفضل بكثير من المرور بعدة محطات تجعل الأمر معقدا نوعا ما للأسرة والطفل. وأضافت إن المركز يساهم في تسجيل الحالات التي تتعرض للإيذاء بشكل دقيق، ما يعطي صورة واضحة عن وضع الطفل ويساعد على إعداد الدراسات وتقديم الحلول الفاعلة ومتابعته ورعايته نفسيا وصحيا واجتماعيا ليكون طفلا فاعلا يندمج في مجتمع أقرانه من دون خوف أو تردد.

وقالت البلوشي، إن وزارة التنمية الاجتماعية اعتمدت جملة من الآليات لتطوير مشروع «المنزل المنتج» عبر توفير مبان ومنشآت ثابتة بتوفير وحدات منتجة ليكون مركزا للأسر المنتجة في كل محافظة من محافظات البحرين. وتضيف إن الوزارة قامت بإنشاء مركزين في الفترة الماضية وهما مركز الساية للأسر المنتجة، ومركز سترة للأسر المنتجة الذي يوفر البيئة المناسبة لتسويق المنتجات الغذائية بالمعايير والمواصفات التي تشترطها وزارة الصحة، إلى جانب مجمع العاصمة لمنتجات الأيدي البحرينية، ومركز الأسر المنتجة بمطار البحرين الدولي، إضافة إلى توفير برامج تدريب واستشارات متخصصة تساهم في تطوير المشروع عبر توفير المشورة الفنية لإدارة مشاريعهم وسبل تطويرها، لافتة إلى أن عدد الأسر المنتجة البحرينية وصل إلى أكثر من 400 أسرة تم توفير الغطاء القانوني لها من خلال مشروع «المنزل المنتج» منذ عام 2006 الذي يمثل واحدا من مشروعات الوزارة.

بقي أن نشير إلى أن الوزيرة فاطمة البلوشي إحدى ثلاث سيدات دخلن التشكيلة الحكومية في البحرين (اثنتان فقط ما تزالان في الوزارة)، غير أنها الأكثر بقاء في منصبها حتى الآن، فمنذ تأسيس الوزارة في يناير (كانون الثاني) عام 2005 وهي تواصل عملها في حكومة يغلب عليها العنصر الرجالي، وهي هنا تقول لـ«الشرق الأوسط» إنها لا تحبذ التفريق بين رجل وامرأة «بل علينا أن نحكم عبر عمل كل منهما وكفاءة المهام التي يقوم بها، ينبغي أن لا يوجد تفريق بين عمل المرأة والرجل، والمقارنة يجب أن تتم عبر أداء كل منهما».