كردستان: الكسب غير المشروع يثير شكوكا حول حظوظ مبادرة جديدة لمكافحة الفساد

صفقة الأسهم المشبوهة بين مسؤولين في الإقليم وشركة نفطية نرويجية تقلق المستثمرين

TT

تهدد أعمال كسب غير مشروع منتشرة في إقليم كردستان، وسلطت الأضواء عليها أخيرا صفقة أسهم مشبوهة بين مسؤولين في حكومة الإقليم وشركة نفط نرويجية، فرص الاستثمار والنمو في المنطقة. وعلى الرغم من أنه لم يتهم أي مسؤول بخرق القوانين، لكن شراءهم أسهما بشكل سري من شركة «دي إن أو إنترناشيونال» يثير شكوكا جديدة حول المبادرة الجديدة في الإقليم للقضاء على الفساد وتعزيز الشفافية والحد من علاقة السياسة بالأعمال.

وحسب تقرير لوكالة «رويترز» فإن الحديث عن كسب غير مشروع منتشر ونفوذ تجاري للحزبين المسيطرين على حكومة الإقليم، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع الأعمال في منطقة تعتبر مستقرة في بلد يواجه مخاطر أمنية وقانونية في مناطق أخرى.

وترفض حكومة إقليم كردستان الفساد المنظم، وأعلنت مبادرة لمكافحته قبل انتخابات الإقليم في يوليو (تموز) عندما عاد استياء واسع النطاق بمكاسب غير مسبوقة على جماعات المعارضة في البرلمان الكردي. ولم يتهم أي مسؤول كبير في كردستان بالفساد، لكن الأكراد يقولون إنهم ليسوا بحاجة لدليل لإثبات الفشل في تعقب الأموال التي تنفق على الأعمال العامة والعقود التي تمنح للمقربين بدلا من الاعتماد على التنافس في المناقصات أو الرشاوى التي يجب أن تدفع قبل إتمام الصفقات.

وقال هنري ج. باركي، وهو محلل في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومقرها واشنطن: «هناك فساد صريح عندما يجني المسؤولون المال من العقود.. والنوع الآخر من الفساد وهو أكثر حذاقة يدير فيه حزبان سياسيان العرض.. يجب أن تنتمي إلى أحد الحزبين حتى تحصل على وظائف أو نفوذ».

وألقي الضوء على المبادرة الجديدة الأسبوع الماضي عندما علقت حكومة إقليم كردستان ترخيص شركة «دي إن أو» النفطية في كردستان بسبب كشف النرويج عن شراء الحكومة لأسهم تابعة للشركة انتقلت فيما بعد إلى شركة «جينيل إنيرجي» التركية، وهي شريك لشركة «دي إن أو». ولم تكن سوق الأوراق المالية في النرويج على علم بالصفقة التي تمت في أكتوبر (تشرين الأول)، وتحث جهة المراقبة المالية في النرويج الآن على أن تفتح الشرطة تحقيقا في الأمر. وتنفي حكومة إقليم كردستان أن يكون أي مسؤول قد استفاد من البيع، لكنها قالت إن هذه الصفعة سببت لها «ضررا.. غير مبرر».

وكلفت حكومة إقليم كردستان شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» للمحاسبة بتنفيذ استراتيجيتها الجديدة للشفافية، وهو مسعى يعكس جزئيا استياء الناخبين القلقين بشكل متزايد من قضايا داخلية، فضلا عن النزاعات القديمة مع بغداد حول الأرض والنفط. ويعترف مسؤولو حكومة الإقليم بأن التخلص من ثقافة الكسب غير المشروع المستشري سيحتاج لسنوات. ويقول البعض إن هذه الثقافة ترجع بشكل جزئي إلى تعامل مجتمع تقليدي وقبلي يعتمد على المحاباة مع مؤسسات حديثة تدير مبالغ كبيرة من الأموال.

وقال زيلوان قزاز، وهو مستشار في مكتب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، لوكالة «رويترز» إن بعض الأمور التي ينظر إليها على أنها فساد تكون عادية جدا في إطار الثقافة الطبيعية في الإقليم. وأضاف أن الحكومة لا تتوقع تغيير أي شيء بين عشية وضحاها، لكنها تنظر إلى ما بين السنوات الأربع والعشر المقبلة، وأن هذه خطوة شجاعة ستلقى معارضة كبيرة. ويقول موقع حكومة إقليم كردستان على الإنترنت إن هدف المبادرة هو مواجهة الفساد والتزوير والاستغلال، إضافة إلى جذب المستثمرين. وذكر قزاز أن الحكومة سترسم خطا على الرمال وتقول إن هذه هي طريقة العمل الجديدة من الآن، وإنها ستتصدى لمن لا يلتزم بها.

لكن محللين تساورهم شكوك من أن تكون لدى التحالف الكردستاني الحاكم الإرادة السياسية لملاحقة من هم أكبر من المسؤولين العاديين الذين يتقاضون رشاوى. وقال توبي دودج، وهو خبير في شؤون العراق في جامعة لندن: «الفساد.. جزء من الطريقة التي تدير بها النخبة الحاكمة الأعمال». وأضاف أن واشنطن التي ما زال الأكراد يشعرون بأنهم بحاجة لحمايتها بعد إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد تضغط لتحقيق إصلاح في الإقليم.

كما أن هناك أيضا ضغوطا داخلية جديدة. فقد فازت قائمة التغيير المعارضة التي يترأسها نوشيروان مصطفى والتي لم تكن معروفة من قبل بربع مقاعد البرلمان لدعوتها لمكافحة الكسب غير المشروع.

وينفي مسؤولو حكومة إقليم كردستان وجود محسوبية، ويقولون إن هناك قلة فاسدة ليس إلا. وقال محمد إحسان، وهو وزير شؤون المناطق خارج إقليم كردستان، إن القضية مبالغ فيها. وأضاف أن أي بلد يشهد هذا التغير السريع من الممكن توقع بعض الفساد فيه. وذكر أن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لا يسندان منصبا رفيعا كالوزير لشخص لا ينتمي إلى أي منهما، وأن هذا أمر عادي في كل مكان.

وفي نهاية المطاف قد تكون أفضل آمال كردستان منعقدة على رئيس الوزراء المقبل برهم صالح، وهو نائب سابق لرئيس الوزراء العراقي ويحظى باحترام كبير لتأكيده على الحاجة لمكافحة الكسب غير المشروع. وقال باركي «إنه (صالح) شخص نظيف.. ويساعد الأداء الجيد للمعارضة في الانتخابات بشكل ما على تعزيز وضعه».