الملاحيط اليمنية.. مركز تهريب دمرته الحرب وأفقدته مكانته التجارية

المواجهات تقطع طرق العودة أمام المتسللين إلى الحدود السعودية وتجعلها أكثر خطورة

TT

ارتبطت مدينة الملاحيط في ذاكرة اليمنيين بكونها نقطة انطلاق لتهريب القات والمواشي والأغنام من اليمن إلى السعودية. وأسهم موقعها الملاصق للشريط الحدودي بين اليمن والسعودية في جعلها مركزا تجاريا تمر به قوافل المهربين والمتسللين اليمنيين إلى داخل الأراضي السعودية والعائدين منها.

غير أن المواجهات الأخيرة بين المتمردين الحوثيين والجيش اليمني في حرب صعدة الأخيرة أفقدت الملاحيط مكانتها التجارية وأهميتها الحدودية. وبحسب شهود عيان فإن المواجهات التي دارت داخل المدينة في بداية الحرب دمرت الكثير من مبانيها وأسواقها، فيما أشار آخرون إلى أن الملاحيط تقع الآن في قبضة الحوثيين بعد أن نزح معظم سكانها إلى مخيم «المزرق» أو تسللوا إلى داخل القرى السعودية وانتقل خط المواجهات إلى منطقتي الكم والمنزالة والتي تقع إلى الجنوب من الملاحيط.

وتكافح السعودية من خلال أجهزتها الأمنية محاولات التسلل والدخول بطرق غير شرعية وأعلنت أكثر من مرة خلال الفترات الماضية القبض على مجموعات سعت إلى التسلل ومن ثم أعادتهم إلى موطنهم. والملاحيط، التي قفزت إلى واجهة نشرات الأخبار وعناوين الصحف بعد اندلاع المواجهات بداخلها، تقع في منطقة جبلية محاذية للشريط الحدودي بين السعودية واليمن في محافظة صعدة. ولا تبعد عن مدينة الخوبة مركز محافظة الحرث في شرق جازان (جنوب غربي السعودية) سوى كيلومترات معدودة لا تحتاج من المتسللين عبر الحدود سوى نصف ساعة سيرا على الأقدام لقطع المسافة بينهما، وتطل من الناحية الشمالية على وادي خلب الشهير والذي ينبع من أعالي جبال صعدة ويخترق منطقة جازان ليصب في البحر الأحمر. وتمثل قرية البتول الحدودية والواقعة داخل السعودية أقرب نقطة للملاحيط ويمكن من خلالها مشاهدة أطراف المدينة بوضوح.

وتعتبر الملاحيط مدينة صغيرة يقام بها سوق شعبي لبيع الأغنام والمواشي والمنتجات الزراعية في يوم الأربعاء من كل أسبوع. كما يعتبر سوقها اليومي لبيع القات أهم نقطة على الشريط الحدودي لتهريب القات إلى داخل السعودية. إضافة إلى أن سوق الماشية والأغنام يعتبر مركزا لتهريبها إلى داخل السعودية. وتحتضن المدينة عددا من الفنادق والمحلات التجارية التي تكتسب أهميتها من كون الملاحيط أهم مركز تجاري يتوقف عنده المتسللون إلى داخل الحدود السعودية في رحلتي الذهاب والعودة.

واستقبلت هذه المدينة عيد الفطر المبارك هذا العام وقد تحولت إلى مدينة أشباح دمرها القصف الجوي والمدفعي الذي لم يحل دون استيلاء المتمردين الحوثيين عليها بحسب شهود عيان أكدوا لـ«الشرق الأوسط» ما كان الحوثيون قد أعلنوه في وقت سابق حول استيلائهم على الملاحيط. ويقول شوعي هبة والذي يسكن في قرية المزرق المجاروة للملاحيط والواقعة خلف خط المواجهات الحالية، إن الحركة التجارية توقفت تماما ونزح سكانها إلى المناطق المجاورة لهم، مشيرا إلى أن دمارا كبيرا قد لحق بالمدينة.

وفي حين اعتادت الملاحيط، كغيرها من المدن الحدودية، على استقبال العيد بنشاط تجاري واسع تعززه عودة آلاف اليمنيين العاملين في السعودية إلى قراهم وزيادة الطلب على تهريب القات والمواشي والأغنام، فإن طريق العودة أمام هؤلاء المتسللين لا يتضمن نقطة توقف بداخلها قبل المغادرة إلى بقية المحافظات اليمنية. وهنا يشير صدام حسن، الذي يعمل راعيا للأغنام في قرية سعودية على الحدود مع اليمن، إلى أن طريق العودة أمام المقيمين بصورة غير نظامية للاحتفال بعيد الفطر مع أهاليهم في اليمن أصبح أطول مسافة وأشد خطورة. ويقول إنه في حين كان الأمر لا يتطلب سوى ساعة ونصف الساعة من السير على الأقدام لاجتياز الشريط الحدودي والدخول إلى الملاحيط ومن ثم المواصلة إلى قريته في محافظة حجة، فإن الوضع الأمني الحالي يفرض أمامه طريقا يستغرق اجتيازه سبع ساعات من السير على الأقدام وذلك لعبور الشريط الحدودي إلى قرية المزرق أو مدينة حرض الحدودية التي ما زالت تقع بعيدا عن خط المواجهات. ويوضح صدام حسن أن أفضل الحلول لتفادي هذا الخطر هو تسليم نفسه لدوريات حرس الحدود السعودية ليتم ترحيله عبر منفذ الطوال جنوب منطقة جازان.

ويصف إسماعيل نشري، الذي كان يقيم في الملاحيط لحظة اندلاع المواجهات فيها، تلك اللحظة بأنها كانت مطرا من رصاص وقذائف بين المتمردين الحوثيين الذي احتلوا المدينة وقوات الجيش التي هبت لردعهم. ويقول «تطاير زجاج النوافذ ورحل الأهالي بسرعة وانتهى كل شيء جميل في الملاحيط»، مبينا أن هذه المدينة الصغيرة تعني لعشرات الآلاف من المتسللين اليمنيين وممتهني التهريب نقطة توقف يستريحون في فنادقها ويشترون بضائعهم من أسواقها.

إلى ذلك فإن الحرب قد بدلت موازين الحركة التجارية على القرى والمدن الحدودية. وعلى غرار المثل القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد» فإن الدمار الذي لحق بالملاحيط أسهم في إنعاش قرى ومدن أخرى. ويؤكد شوعي هبة من قرية المرزق أن سوق قريته الشعبي والذي يقام يوم الأحد من كل أسبوع يشهد نشاطا تجاريا غير مسبوق أسهم في مضاعفة حجمه وزيادة تنوع معروضاته تحول الحركة التجارية التي تشهدها الملاحيط إليه، إضافة إلى لجوء آلاف النازحين إلى قريته. ويضيف هبة، الذي يعمل في تهريب القات، بأن المزرق أصبحت مركزا رئيسيا إضافة إلى مدينة حرض الحدودية لتهريب القات إلى السعودية.

وحول تأثير الحرب على حركة التهريب يؤكد ممتهنون لهذه العملية أن خلو مناطق كبيرة من الشريط الحدودي من الوجود الأمني للجيش اليمني أسهم في تعويض ما فقده التهريب بسبب الحرب، بل أسهم في تنوع سلع التهريب إلى منتجات أكثر، حيث أصبح البنزين والدقيق على رأس هذه القائمة، مؤكدين أن أسعارها ارتفعت إلى مستويات قياسية.