إسرائيل تطلب من الفلسطينيين التراجع عن اتهامها بارتكاب جرائم حرب مقابل السماح لهم بإنشاء شركة هاتف جوال جديدة في الضفة الغربية

في محاولة من تل أبيب لابتزاز السلطة الفلسطينية

TT

في خطوة تهدف إلى ابتزاز الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اشترطت إسرائيل السماح بمنح السلطة الفلسطينية ترخيصا لإنشاء شركة ثانية للهاتف النقال في مناطق نفوذها بقيامها بسحب الطلب الذي تقدمت به حكومة سلام فياض للمحكمة الدولية للتحقيق بارتكاب إسرائيل جرائم حرب خلال حربها على قطاع غزة نهاية عام 2008. وكشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في عددها الصادر أمس النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية أرسلت رسالة واضحة أخيرا للسلطة الفلسطينية، تؤكد فيها أن سحب الطلب الفلسطيني من أمام المحكمة الدولية في لاهاي هو شرط أساسي لمنح الترخيص. وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل اتجهت إلى ابتزاز السلطة بهذا الشكل لعلمها أن رئيس حكومة تصريف الأعمال يولي هذه القضية أهمية قصوى على اعتبار أنه متطلب أساسي لتطوير البنى التحتية الخدماتية في الضفة الغربية. وأوضحت الصحيفة أنه في حال لم تقم السلطة حتى الخامس عشر من أكتوبر (تشرين الثاني) المقبل، بتدشين الشركة، فإنها ستكون مطالبة بتعويض المستثمرين الذين أبدوا استعدادهم للمساهمة في إقامة المشروع بمبلغ لا يقل عن 300 مليون دولار.

وأوضحت الصحيفة أن الطلب الذي تقدمت به السلطة، والذي يروم التحقيق في جرائم الحرب، جعل رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي «يستشيط غيظا». ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية اتهامها للسلطة الفلسطينية، خاصة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض، بممارسة التضليل والكذب. ونسبت الصحيفة للمصادر الأمنية قولها «إن مسؤولين كبارا في السلطة الفلسطينية توسلوا سرا لإسرائيل، خلال الحرب على غزة من أجل الاستمرار في الضغط العسكري لإسقاط حركة حماس». وكان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد أعرب، في تصريحات لوسائل الإعلام الإسرائيلية، عن استهجانه لمطالبة السلطة بالتحقيق في جرائم الحرب، مدعيا أن قيادة السلطة كانت تطالب إسرائيل قبيل الحرب وبعدها بمواصلتها من أجل القضاء على حركة حماس. وسبق لليبرمان أن اشترط الموافقة على تجميد الاستيطان بموافقة السلطة على سحب طلب التحقيق في جرائم الحرب.

ونقلت الصحيفة عن مصادر في السلطة الفلسطينية قولها إن كلا من عباس وفياض وعدا إسرائيل بعدم التعامل بجدية مع الطلب بالتحقيق في جرائم الحرب.

من جهته، قال علي خشان، وزير العدل في حكومة فياض، إن أحدا لم يعلمه بالطلب الإسرائيلي، مستدركا أن إسرائيل في حال تقدمت بطلب من هذا القبيل فإنها تتقدم للمستوى السياسي الممثل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزرائه فياض، اللذين يوجدان في الخارج. ولم يستبعد خشان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تلجأ إسرائيل إلى هذا الأسلوب من الابتزاز، مشيرا إلى التصريحات التي أدلى بها ليبرمان في هذا الصدد.

واعتبر خشان أن الإجراءات التي تقدم عليها إسرائيل حاليا هي إجراءات استباقية وتهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وقضائية، مشددا على أنه ليس من مصلحة إسرائيل أن يتم الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كعضو في المحكمة الجنائية الدولية. وأشار إلى أن إسرائيل ترغب، من خلال إجبار السلطة على سحب طلبها، ألا تصبح فلسطين عضوا في المحكمة، على اعتبار أن قبول السلطة كعضو في المحكمة ينطوي على بعد سياسي مهم يتمثل في اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين، فضلا عن أن انضمام فلسطين كعضو في المحكمة سيسمح لها برفع قضايا ضد جرائم الحرب، التي ترتكب من قبل إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. إلى ذلك، حذر خليل أبو شمالة، مدير مؤسسة «الضمير» لحقوق الإنسان، من المحاولات المتلاحقة لتسييس القانون الدولي والاستمرار في تجاهل محاسبة مجرمي الحرب، وبشكل خاص في أعقاب تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة غولدستون.

وقال أبو شمالة في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن هناك محاولات إسرائيلية لابتزاز المجتمع الدولي، وربط قضايا سياسية، ووضع شروط للعودة للمفاوضات مقابل التقليل من أهمية التوصيات التي وردت في التقرير، موضحا أن أي مبادرات سياسية تتجاهل القانون الدولي لن يكتب لها النجاح، وإن السلام الحقيقي هو المبني على أساس تطبيق قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وأضاف أبو شمالة أن منظمات حقوق الإنسان عاقدة العزم على متابعة نتائج التقرير وتوصياته ولن تسمح لأي طرف يحاول تجاوز تطبيق القانون أو القفز عن محاسبة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، موضحا أن الوقت الذي نعمت فيه حكومة الاحتلال الإسرائيلي بسياسة الإفلات من العقاب قد مضى، وأن الظروف الآن مهيأة لأن يقف الجاني أمام العدالة، وتنتصر الضحية على الجلاد بموجب الحق المستند للقانون الدولي.