تمويل طالبان: شبكة واسعة من الطرق تتعدى المخدرات والتبرعات

مسؤولون أميركيون يقرون بصعوبة مراقبة تدفق الأموال إلى المتمردين في أفغانستان

امرأة أفغانية وابنتاها يقطعن طريقاً في كابل أمس (ا. ب)
TT

تمكنت حركة التمرد التي تتزعمها حركة طالبان من تأسيس بنية قوية قادرة على جمع الأموال من أعمال إجرامية وتبرعات وضرائب وعمليات ابتزاز ووسائل أخرى لدرجة أن مسؤولين أميركيين وأفغان يقولون إنه ربما يكون من المستحيل وقف إمداد الأموال الذي يصل إلى الحركة. ويقول مسؤولون في الإدارة الأميركية إن أكبر مصدر للأموال التي تتحصل عليها طالبان ليس المخدرات وإنما التبرعات الأجنبية، بعد أن كان يعتقد في الماضي أن الحركة تعتمد في الأغلب على تجارة الأفيون. وتقدّر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. ايه) أن قادة حركة طالبان وحلفاءهم حصلوا على 106 ملايين دولار خلال العام الماضي من متبرعين من خارج أفغانستان. يذكر أنه منذ عشرة أعوام، تضع وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن الدولي قوائم للمشتبه في أنهم يقدمون تبرعات إلى حركة طالبان وتنظيم القاعدة. وتلزم قائمة الأمم المتحدة، التي صيغت بالأساس للضغط على حركة طالبان كي تسلّم زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتجميد أصول مسؤولي طالبان ومن يساندونهم. وتم توسيع قائمتي الأمم المتحدة ووزارة الخزانة بدرجة كبيرة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). ولكن، منذ 2005 لم تضف إلى القائمتين سوى مجموعة صغيرة ممن يُزعم أنهم متبرعون لحركة طالبان. ويقول مسؤولون أميركيون وأفغان إن الحكومة الأميركية، التي كانت من أبرز الدول التي ترشح أسماء لإضافتها إلى قائمة الأمم المتحدة، كانت تولي اهتماما أقل إلى من يقدمون تبرعات لحركة طالبان بعد غزو العراق في عام 2003. ويقولون إنه حتى وقت قريب كانت واشنطن منشغلة بإعداد عقوبات ضد أفراد وشركات يقيمون علاقات تجارية مع الحكومة الإيرانية. ويقول ريتشارد بارات، وهو منسق فريق مراقبة طالبان و«القاعدة» التابع للأمم المتحدة، إن المتعاطفين مع طالبان أكثر مهارة في الوقت الحالي ويستطيعون التستر على التبرعات وضمان أن الأموال لن يمكن تعقب مصادرها والوصول إليهم. ويضيف بارات: «أصبح من الصعب جدا تحديد هوية هؤلاء الأفراد، فيمكن تعقب تدفق الأموال ويمكن أن تقول إن هذا المال جاء من الخليج، ولكن هناك صعوبات أكثر في تحديد المصدر بدقة». وفي يوليو (تموز) الماضي، قال ريتشارد هولبروك، مبعوث إدارة الرئيس باراك أوباما لأفغانستان وباكستان، إن حركة طالبان تحصل على معظم مواردها من متبرعين من الخارج، لاسيما من منطقة الخليج العربي. وأشار مسؤولون أميركيون آخرون إلى أن حركة طالبان حصلت على مساعدات مالية كبيرة من دول في منطقة الخليج خلال التسعينات من القرن الماضي. ومع تنامي قوة التمرد، تقوم حركة طالبان وتنظيمات تابعة لها بتبني استراتيجية تفضلها مؤسسات متعددة الجنسيات وهي استراتيجية التنوع. ويقول مسؤولون أميركيون وأفغان إنه مع تدفق الأموال من العديد من المصادر أصبحت طالبان قادرة على توسيع حركة التمرد في مختلف أنحاء البلاد بسهولة نسبية. وخلال تقرير صدر في 30 أغسطس (آب) الماضي لتقييم حالة الحرب بصورة عامة، قال الجنرال ستانلي ماك كريستال، قائد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، إن نطاق الموارد المالية لحركة طالبان جعل من الصعب إضعاف الحركة. وكتب ماك كريستال: «لن يؤدي منع حركة التمرد من الحصول على أرباح تجارة المخدرات، حتى لو كان ممكنا، إلى تدمير قدراتها على العمل طالما أن هناك موارد تمويل أخرى قائمة دون أن يصيبها شيء».

ويقول مسؤولون أميركيون إنه من الصعب حساب التقديرات التي يوثق بها لتدفق الأموال بصورة مجملة لحركة طالبان لأن التمرد حركة لا مركزية تضم العديد من الفصائل والقادة. ولكن، يعتقد أن العوائد السنوية تصل في مجملها إلى مئات الملايين من الدولارات. ولا تزال الأموال التي تأتي من تجارة المخدرات، علما أن أفغانستان هي الدولة الأولى في إنتاج الأفيون، تمثل دعما مهما لعمليات طالبان، لاسيما في المحافظات الشمالية حيث توجد وفرة لزراعة الخشخاش الذي يصنع منه الأفيون، حسب ما يقوله مسؤولون. ويقدر الجيش الأميركي أن حركة طالبان تجمع 70 مليون دولار سنويا من مزارعي الخشخاش وتجار تهريب المخدرات. وأفادت توقعات سابقة لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن حركة طالبان والتنظيمات التابعة لها حصلت على ما يصل إلى 400 مليون دولار في العام من تجارة المخدرات. وبعد ذلك قام المكتب بإعادة النظر في الرقم وجعل الرقم يقف عند 100 مليون دولار في العام. ويقول وحيد موجدة، الذي كان يعمل مسؤولا في وزارة الخارجية لحركة طالبان قبل الغزو الذي تزعمته الولايات المتحدة لأفغانستان نهاية 2001: «كان المجتمع الدولي والأميركيون يخدعون أنفسهم على مدار الأعوام السبعة الماضية بالقول إن طالبان كانت تحصل على جميع الأموال من المخدرات».

ويدفع قادة طالبان لعملياتهم من خلال مجموعة من عمليات الابتزاز، حسب ما يقول مسؤولون أميركيون وأفغان. ويقوم عدد كبير من قادة التمرد بفرض «ضريبة» على المواطنين الأفغان المحليين أو أخذ أموال من مهربي الآثار أو الخشب أو الأحجار الكريمة. وتدر الفدية التي يتحصل عليها من عمليات الاختطاف في أفغانستان وباكستان أموالا كبيرة. وهناك مصدر كبير آخر للعوائد وهو ابتزاز الأموال من متعاقدين أفغان وغربيين يضطرون إلى دفع «أموال حماية» من أجل تأمين مشروعات إعادة التنمية، حسب ما يقوله مسؤولون أفغان وأميركيون. ويقول حكمت كرزاي، مدير مركز دراسات السلام والنزاع في كابل: «تعرف حركة طالبان أنه لا يمكنها الاعتماد على مصدر واحد للحصول على المال، فأي من هذه المصادر يمكن أن يختفي».

وقد قامت الحكومة الأميركية في العام الجاري بتأسيس وحدة تحقيق خاصة يطلق عليها خلية تهديد التمويل بأفغانستان، وهي تأتي على غرار وحدة أميركية مشابهة في العراق، وتقوم هذه الخلية بجمع المعلومات عن حركة طالبان لأهداف استخباراتية وأخرى مرتبطة بتطبيق القانون. ويوجد في الخلية نحو 24 عضوا جاءوا من إدارة مكافحة المخدرات والقيادة الوسطى الأميركية ووزارة الخزانة ووكالة الاستخبارات المركزة. ومن المتوقع أن ينضم مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف. بي.آي) إليها قريبا. ويقول كيرك مير، وهو مسؤول في إدارة مكافحة المخدرات الأميركية الذي يدير عمليات الخلية داخل أفغانستان، إن مهمة الخلية هي فهم كيف تقوم حركة التمرد التي تتزعمها طالبان بتمويل عملياتها والوصول إلى وسائل للضغط على مواردها من المال. ولا يوجد في أفغانستان، التي ليس بها سوى مجموعة صغيرة من البنوك، نظام مالي حديث. ويقول مسؤول أميركي إن الوسائل التقليدية التي تستخدم من أجل محاربة غسيل الأموال مثل تجميد الأرصدة في البنوك ورقابة التحويلات الإلكترونية لا قيمة لها إلى حد كبير. وتتم معظم التحويلات في أفغانستان عن طريق نظام الحوالة، وهي شبكة غير رسمية لسماسرة مال يحتفظون بعدد قليل جدا من السجلات حول عملائهم وقد لا يحتفظون بها مطلقا. وبمساعدة من مسؤولين أميركيين، بدأت الحكومة الأفغانية تنظيم نظام الحوالة للمرة الأولى. وتم تسجيل السماسرة داخل سبع محافظات لدى الحكومة ويطلب منهم التنويه عن جميع المعاملات التجارية كل شهر لدى البنك المركزي الذي يقوم بعملية مراجعة للتأكد من مطابقتها للقواعد. وقد أصبح بعض سماسرة الحوالة مخبرين يطلعون السلطات على التحويلات المشبوهة أو الكبيرة. ويقول مسؤول أميركي كبير في مجال تطبيق القانون إن مناصري حركة طالبان يملأون خانة العميل بأن يقولوا صراحة إن هذه المدفوعات مقابل «هروين» أو مقابل «خمس سيارات لقائد في طالبان». ويضيف المسؤول: «في الوقت الحالي، هم في مرحلة لم يعتادوا فيها على شيء يضايقهم. وأعتقد أننا سنرى وثائق بها شيفرات أكثر. سيقولون (لفتيان الكشافة) أو شيء من هذا القبيل».

وتقوم حركة طالبان والتنظيمات التابعة لها بنقل كميات كبيرة من الأموال النقدية من خلال أفراد سواء محليا أو دوليا، حسب ما يقوله مسؤولون أميركيون ومسؤولون أفغان. ويضيف مسؤول أميركي في مجال تطبيق القانون إن المجندين الأجانب الذين يسافرون إلى باكستان للتدرب في معسكرات ترعاها حركة طالبان يطلب منهم إحضار 10 آلاف دولار نقدا معهم».

وفي واشنطن، أسست الحكومة الأميركية أخيرا مؤسسة لابتكار استراتيجية شاملة لوضع قيود على تدفق الأموال إلى طالبان. وتدير وزارة الخزانة الأميركية «قوة التمويل غير المشروع» ويعمل بها أفراد من هيئات متنوعة. ويقول ديفيد كوهين، السكرتير المساعد بوزارة الخزانة المختص بتمويل الإرهاب: «نسعى وراء ذلك على عجل وبجهد ضخم لبث عدم الاستقرار داخل الشبكات التي تمول حركة طالبان».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»