معركة الـ3 أشهر بدأت: واشنطن ستطلب من إيران رسميا فتح مفاعلها الجديد للتفتيش خلال أسابيع

تريد أن يتمتع المفتشون الدوليون بالحرية.. وتزويدهم بالوثائق والكومبيوترات المزودة بالمعلومات

TT

في بداية مبكرة لمعركة دبلوماسية ستستمر 3 أشهر، هي المهلة النهائية التي حددها الرئيس الأميركي باراك أوباما، للمسؤولين الإيرانيين، للتعاون بشأن ملفهم النووي، أكد مسؤولون في الإدارة الأميركية أن إدارة أوباما ستطلب رسميا من إيران، خلال أيام، فتح موقع تخصيب اليورانيوم، الذي تم الكشف عنه مؤخرا، أمام المفتشين الدوليين «في غضون أسابيع»، كما ستعلم الإدارة طهران أيضا بضرورة أن يتمتع المفتشون الدوليون بحرية كاملة في الوصول إلى المسؤولين الذين قاموا بتركيب المنشأة السرية والوثائق المتعلقة بإنشائها.

يأتي الطلب الأميركي في أعقاب الإعلان، الجمعة الماضي، عن وجود منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم في قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة قم المقدسة، وهو ما يعد الساحة للفصل القادم من الدراما الدبلوماسية التي زادت من صلابة موقف الغرب وأبرزت التوتر مع إيران، حيث تدخل الولايات المتحدة في أول مفاوضات مباشرة مع إيران يوم الخميس في جنيف منذ ثلاثين عاما. ويقول المسؤولون الأوروبيون والأميركيون إنهم سيضغطون على إيران أيضا من أجل فتح ما يشكون في أنها مواقع مرتبطة بتخصيب اليورانيوم أمام المفتشين الدوليين وتسليم الملفات وأجهزة الكومبيوتر التي يعتقدون أنها تحوي معلومات بشأن تطوير أسلحة.

وكرر أوباما قوله إن على إيران أن تظهر تعاونا واضحا بنهاية العام الجاري، وهو ما يشير إليه المراقبون بقولهم إنها ستكون ثلاثة أشهر حاسمة كموعد نهائي. بيد أن المقابلات التي أجريت مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين تشير إلى وجود اختلافات في وجهات النظر حول المدى الزمني الذي ينبغي منحه لإيران لإظهار تعاونها الكامل.

وقد صرح علي أكبر صالحي، كبير المفاوضين الإيرانيين، يوم السبت، بالقول إن طهران ستدعو الوكالة الدولية لزيارة الموقع القريب من قم الذي تعتقد الاستخبارات الأميركية أنه يحتوي على 3000 جهاز طرد مركزي، تكفي لإنتاج المادة اللازمة لصنع قنبلة في العام، لكنه لم يحدد توقيت الزيارة وما إذا كانت إيران ستلبي أيا من المطالب الأميركية أو الأوروبية الأخرى. وقال صالحي، الذي تحدث للتلفزيون الإيراني الرسمي، إن عرض أوباما المثير للمعلومات عن الموقع في اجتماعات القمة الاقتصادية العالمية كان مؤامرة تهدف إلى «تحزيب العالم كله ضدنا».

وكان المسؤولون الإيرانيون قد دأبوا على التشديد على أن منشآتهم النووية مصممة لأغراض سلمية وليست لإنتاج أسلحة نووية، وقالوا إن المنشأة القريبة من قم تخدم أغراضا سلمية، لكنهم لم يفسروا السر وراء وقوعها داخل قاعدة شديدة التحصين تابعة للحرس الثوري. ويحاول السياسيون الغربيون، بداية من البيت الأبيض إلى أوروبا، الدفع باتجاه استغلال ذلك الكشف عن المنشأة السرية كنقطة تحول في المفاوضات لمحاولة إجبار إيران على وقف أنشطتها النووية.

وقال نيكولاس بيرنز، الأستاذ في هافارد والذي عمل في إدارة بوش كمخطط استراتيجي بشأن إيران «ذلك أهم تطور حدث خلال الأعوام الثلاثة ونصف العام الماضية منذ أن عرضت الولايات المتحدة إجراء مفاوضات مع إيران، حيث يمتلك الرئيس أوباما الآن مساحة أكبر من الحرية لتشكيل تحالف دولي لفرض عقوبات إذا ما فشلت المفاوضات». وقال ديفيد كاي، المتخصص في الشؤون النووية، والذي قاد فريق البحث الأميركي عن أسلحة الدمار الشامل العراقية «إن ذلك الكشف يحمل إجابات عن كل الأسئلة على تورط الإيرانيين في برنامج نووي». ويتفق المسؤولون السابقون والحاليون على أن أكثر القضايا إلحاحا الآن تتمثل في الوصول إلى المنشأة النووية السرية التي اعترف الإيرانيون أنها تستخدم لتخصيب اليورانيوم، وأن الوصول إلى هذه المنشأة الآن يعتبر مسألة محورية بسبب المخاوف من قيام إيران بتهريب أدلة أو وثائق تثبت تورطها. ولم يتضح إلى الآن ماهية الحوافز التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها لإيران إذا ما أبدت استجابة كاملة وقامت بتفكيك برنامجها النووي. وقد صرح أوباما في كلمته الإذاعية الأسبوعية يوم السبت أنه لا يزال ملتزما بالرغبة في إقامة علاقات صداقة مع إيران.

وقال أوباما «إن عرضي بشأن إقامة حوار جاد وصريح لحل هذه القضية لا يزال قائما، لكن على شرط أن تتعاون إيران بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واتخاذ خطوات لإظهار النوايا السلمية».

بيد أن المسؤولين الأوروبيين والأميركيين يرون أن الكشف عن هذه المنشأة السرية فرصة للضغط من أجل الحصول على المزيد من المعلومات، وستعلم إيران بأنها كي تتجنب العقوبات فإن عليها أن تلتزم باتفاقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تسمح لمفتشي الوكالة بالذهاب إلى أي مكان داخل الدولة لمتابعة أعمال التفتيش عن النشاطات النووية.

وسيكون على إيران أيضا كشف الوثائق التي تطلبها الوكالة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، من بينها تلك التي حصلت عليها الوكالات الاستخبارية التي تشير إلى أن إيران قد أنهت العمل في تصميم رأس حربي وتكنولوجيا تفجير القنبلة النووية. وأوضح المسؤولون أن المفاوضين سيصرون على التزام إيران بقوانين الوكالة الدولية التي وافقت عليها ثم تملصت منها بعد ذلك، ويطالبونها بالإعلان مسبقا عن أي خطط لبناء منشآت نووية. وتقول إيران إنها ستلتزم بالقرار الأقدم الذي ينص على إعلام الوكالة في حال تشغيل المنشأة.

وقد دأبت إيران على مدى سنوات على التهرب من مطالب الوكالة باستجواب العلماء الكبار ومن بينهم أولئك الذين يعملون في المشاريع 110 و111 بالغة السرية. فبعد نجاحهم في اختراق شبكة الحاسبات الإيرانية عام 2007، عبر مسؤولو الاستخبارات الأميركيون عن اعتقادهم بأن تلك المشروعات تشكل لب عمل التصميم النووي. وقد أنكرت إيران وجود مثل هذه المشروعات ووصفت الوثائق التي شاركتها الولايات المتحدة الوكالات الاستخبارية والدول الأخرى بأنها أدلة مختلقة. واعترف مسؤولو الإدارة بأن من غير المتوقع أن تستجيب إيران لجميع المطالب الأميركية، لكنهم أشاروا إلى أن هذه هي أفضل الفرص المتاحة للتحرك بعد سبع سنوات من التوقف على صعيد البرنامج النووي الإيراني والتي تصب في صالحهم بقوة.

وكانت نبرة الإدارة قد تغيرت خلال المقابلات والتصريحات العامة في الأيام الأخيرة، حيث باتت أكثر قوة وأكثر مواجهة. فخلال المقابلة التي أذيعت يوم الأحد على قناة «إيه.بي.سي» أشار وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، إلى أن المنشأة السرية كانت جزءا من الخداع والأكاذيب التي يمارسها الإيرانيون منذ البداية بشأن برنامجهم النووي». لكنه رفض الإجابة عن تساؤل يدور داخل الحكومة عما إذا كانت منشأة قم من بين تلك المنشآت السرية العديدة الخفية التي تمكن إيران من تخصيب اليورانيوم بمعزل عن منشأة ناتانز التي يزورها المفتشون بانتظام والتي كانت سرا من قبل.

وقال غيتس «أعتقد أن الإيرانيين ينوون امتلاك أسلحة نووية»، على الرغم من اعترافه بأن السؤال لا يزال قائما حول «ما إذا كانوا قد اتخذوا قرارا رسميا بتصنيع رؤوس حربية أم لا؟» وكانت طهران قد بدأت خلال السنوات الأخيرة خطوات منهجية بطيئة في تقليل الزيارات إلى المنشآت النووية. ففي بداية عام 2006 على سبيل المثال بدأت بصورة أحادية في إعادة توجيه المفتشين الدوليين بشأن عشرات المواقع والبرامج والأفراد في كافة أنحاء إيران إلى نقطة واحدة هي ناتانز.

وأشار بيري غولدشميدت، المسؤول السابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي يشغل حاليا منصب أستاذ مشارك في معهد كارنغي للسلام الدولي، إلى أن الكشف عن منشأة التخصيب السري الإيرانية يعزز الحاجة داخليا في الوكالة إلى ضرورة وجود سلطات قضائية أكبر لفرض عقوبات أكثر قوة «فهذا دليل على أنه بدون سلطات قضائية إضافية لن تتمكن الوكالة من التعرف على الأنشطة النووية غير المعلنة». وخلف تلك اللهجة الجافة من التقارير التي تصدرها الوكالة الدولية كل ثلاثة أشهر تقبع قصة أشبه ما تكون بلعبة القط والفأر التي يسعى من خلالها المفتشون الدوليون إلى الحصول على وثائق وإجراء مقابلات مع علماء أساسيين.

وأجندة تفتيش الوكالة ضخمة كسجلها في الفشل في حمل الإيرانيين على الرد على أخطر أهم الأدلة والاتهامات والشكوك.

يوضح محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية المنتهية ولايته أن قضية العمل السريع ضد إيران كان مبالغا فيه، على الرغم من اعترافه بأن إيران رفضت على مدى عامين الإجابة عن أسئلة المفتشين حول الأدلة التي تشير إلى عمل إيران على تصميم أسلحة نووية. وفي مايو (أيار) من عام 2008 أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا قرارا استثنائيا حاد اللهجة يطالب طهران بمزيد من المعلومات حول 18 وثيقة سرية تم الحصول عليها تشير إلى سعى إيران للحصول على قنبلة نووية.

بيد أن الجزء الذي نشر من تقرير تقييم الاستخبارات الوطنية الأميركية عمل على تجميد الجهود الرامية إلى إجبار إيران على كشف المزيد من المعلومات، حيث خلص التقرير إلى أن برنامج تصميم الأسلحة النووية توقف عام 2003، وهو ما شكل مفاجأة أنهت المحادثات بشأن العقوبات. ووصف الرئيس أحمدي نجاد التقرير بأنه دليل على براءة إيران. حقيقة الأمر أن الجزء السري من تقرير تقييم الاستخبارات أدرج أكثر من ستة مواقع، على الرغم من عدم إشارة المسؤولين إلى ما إذا كان الموقع الذي تم الكشف عنه يوم الجمعة من بين تلك القائمة أم لا. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يملكون أدلة كافية تبرر طلبهم الدخول إلى تلك الأماكن.

* شارك في إعداد التقرير ديفيد سانغر من واشنطن وويليام برود من نيويورك ومارك مازتي من واشنطن.

* خدمة «نيويورك تايمز»