ملك المغرب يدعو المؤتمر العالمي للسكان بمراكش للبحث عن حلول لقضايا الأمن الغذائي والتصحر والهجرات

حشد غير مسبوق من الخبراء والباحثين في الديموغرافيا وعلوم السكان يشاركون في الجلسات العلمية

TT

عقد صندوق الأمم المتحدة للسكان أمس جلسة عامة، هي الأولى من بين أربع جلسات في إطار المؤتمر العالمي السادس والعشرين للسكان، المنعقد حاليا في مراكش (وسط المغرب)، الذي عبر العاهل المغربي الملك محمد السادس عن أمله في أن يطرح حلولا لقضايا «الأمن الغذائي والتصحر وحركات الهجرة». ويشارك في هذا المؤتمر، الذي ينعقد لأول مرة في بلد عربي وإفريقي، حشد كبير غير مسبوق من خبراء السكان والديمغرافيين. وقال المنظمون في المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب (بمثابة وزارة تخطيط) إن عدد المشاركين بلغ نحو ألفين و300 باحث وخبير في الدراسات الديمغرافية، جاءوا من 114 بلدا من مختلف أنحاء العالم. وسيترأس أحمد الحليمي علمي، لمندوب السامي للتخطيط في المغرب، اليوم، الجلسة الأساسية حول العالم العربي، التي ستبحث «أهم التحديات الديمغرافية في العالم العربي». وستتطرق أوراق العمل في هذه الجلسة إلى قضايا شائكة منها «تحقيق العدالة الاجتماعية، وتخفيف وطأة الفقر في العالم العربي، ومستقبل السكان في العالم العربي، والهجرات في المنطقة، والسكان والنزاعات في العالم العربي، وصحة الأم في العالم العربي».

وكان العاهل المغربي وجه رسالة إلى المؤتمر تلاها الحليمي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، الذي ستستمر أشغاله ستة أيام، ويُختتم يوم الجمعة المقبل. وتَطرّق العاهل المغربي في بداية رسالته إلى الإجراءات التي اتخذها المغرب في موضوع السكان منذ منتصف عقد الستينات من القرن الماضي، وذلك بتحقيقه نجاحا كبيرا في ضمان توازن النمو الديموغرافي، من جهة، ولا سيما من حيث مستوى مؤشر الخصوبة، ومعدل الحياة عند الولادة. وقال العاهل المغربي إن «الوجه العكسي لهذا التقدم، تمثل في انخفاض معدل الخصوبة والإنجاب، الذي يفضي إلى تزايد شيخوخة السكان، بآثاره السلبية والاقتصادية والاجتماعية، بما فيها ظهور فئة من المسنين المهمشين، تعاني من الهشاشة والعجز».

وذكر العاهل المغربي أنه «على الرغم من التضامن الأسري، والتعاطف الاجتماعي، الذي ما زال يميز البلدان العربية والإفريقية، فإنه من الضروري تعزيز الأواصر التقليدية للتكافل بروابط حديثة ومؤسسية، لمواجهة آثار هذه الظاهرة، لا سيما من خلال العمل على توسيع التغطية الصحية، لتشمل كل الأشخاص في وضعية هشة، وذوي الاحتياجات الخاصة، وفي مقدمتهم العجزة». وقال العاهل المغربي أيضا إن «من ثوابت سياستنا السكانية، إيماننا الراسخ بأنه من غير المجدي، الاعتماد فقط على تأثير العامل الديموغرافي، بمعزل عن سياقه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، لذا، نحرص في المغرب، على نهج استراتيجية شمولية تقوم على ثلاثة محاور رئيسية: أولها الاستثمار في البنيات التحتية، والقطاعات المنتجة، في مناخ تسوده الليبرالية والانفتاح. وثانيها محاربة الفقر والفوارق الاجتماعية، وذلك في إطار توزيع أفضل لثمار النمو، وتحسين ظروف العيش، ومن هنا كان إطلاقنا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي نعتبرها ورشا كبيرا مفتوحا باستمرار، ينسجم مع الأهداف الإنمائية للألفية. وثالثها القيام بإصلاحات سياسية ومجتمعية، تهدف إلى توسيع فضاءات المشاركة الديمقراطية، والنهوض بأوضاع المرأة، خصوصا من خلال إقرار مدونة الأسرة، التي تعد رائدة في مجال المساواة القانونية بين النساء والرجال، وضمان حقوق الطفل». ورأى العاهل المغربي أن «توجيه السياسات السكانية، لا يمكن أن يُغفِل اليوم، في سياق مطبوع بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، المتغيرات المناخية، التي يجب إيلاؤها ما تستحقه من اعتبار، في كل التوقعات الاقتصادية والسكانية، وهي عوامل تشغل بال البشرية جمعاء، حيث هزت النظرة المتفائلة للتقدم المطرد، الذي طالما روج له النموذج الاقتصادي الدولي السائد». وأضاف العاهل المغربي: « لعالم لم يفتأ يزداد وعيا، ليس فقط بندرة موارد الأرض، الآخذة في التناقص، وبالتالي في العجز عن تلبية حاجات سكان المعمور، على المدى الطويل، وإنما أيضا بالمخاطر الكبيرة الناتجة عن عولمة كاسحة، وعن تدهور اقتصاد سوق غير مضبوط، بالنسبة إلى مستوى عيش السكان ورفاهيتهم». ولاحظ العاهل المغربي أن الأزمة العالمية أصبحت تهدد التقدم، الذي تم إحرازه في مجال التنمية البشرية، مشيرا إلى أن «أثرها الحالي والمستقبلي، ستتحكم في تحديده أساسا الاعتبارات السكانية. ومن هنا، تبرز أهمية العامل الديموغرافي، الذي يتعين أن يكون بمثابة بوصلة لوضع السياسات العمومية. بيد أن الدراسات الديموغرافية، والمؤشرات الاقتصادية، تلتقي في تسليط الضوء على حقيقة بالغة الأهمية، هي تفاقم حدة الفوارق التي تطبع عالمنا. فوارق ليست بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها فحسب، بل وداخل البلد الواحد، مما يبرز الحاجة إلى تنمية بشرية مستدامة، يكون هدفها المحوري، هو تقليص تلك الفوارق، من خلال محاربة الفقر، وضمان الصحة والتعليم، على وجه الخصوص، مع إيلاء عناية خاصة للبعد الإيكولوجي».

ورأى العاهل المغربي أن «التغيرات المناخية غدت بدورها تثير شتى المخاوف، بشأن اتساع رقعة الفقر عبر العالم، ذلك أن التطور المتوقع لبيئة الأرض، سيسهم في إحداث تغيرات تدريجية لجغرافية المجال الفلاحي، يهدد الأمن الغذائي، خصوصا بالنسبة إلى الدول التي تسجل معدلات مرتفعة للفقر».

وبعد أن رأى أن «تغير المناخ يطرح نفسه كظاهرة تتطلب معالجتها ابتداع حلول جديدة، وانتهاج سياسات طموحة، وإزالة ما يعتري توزيع الإنتاج الفلاحي، من تفاوتات صارخة بين دول الشمال والجنوب»، انتهى الملك محمد السادس إلى القول إن «استنزاف الأراضي الفلاحية، وارتفاع مستوى مياه البحار، تسائل بإلحاح، الديموغرافيين للتداول بشأن الحلول الكفيلة بمواجهة تداعياتها، وفي مقدمتها معضلة حركات الهجرة، المنذرة باتخاذ أشكال وأبعاد أشد خطورة مما هي عليه حاليا».

من جهته، أبرز جون كليلاند رئيس الاتحاد الدولي للدراسات العلمية للسكان، أهمية التوقيت الذي ينظم فيه مؤتمر مراكش، الذي يتزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية، مبرزا تنامي الإدراك على المستوى العالمي بتزايد الترابط بين الأمم، بعد أن صارت الأحداث والنزاعات تتعدى جغرافيتها الضيقة لتؤثر في محيطها القريب والبعيد، ممثلا لذلك بالأزمة العالمية التي انطلقت من أميركا لتؤثر في العمال في الصين والمزارعين في إفريقيا، وفي ملايين المهاجرين، عبر العالم. وبالإضافة إلى تداعيات الأزمات وغيرها وتأثيرها على باقي دول وسكان العالم، تحدث كليلاند عن الوضع المأساوي الذي يثيره الجانب الإيكولوجي (البيئي) على المستوى العالمي، وبخاصة على مستوى الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية. واستعرضت ثريا أحمد عبيد، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، أوجه التعاون بين صندوق الأمم المتحدة للسكان والاتحاد الدولي للدراسات العلمية للسكان، مبرزة أن العمل الذي يتم على مستوى الاتحاد يسمح للعديد من البلدان بتأسيس سياساتها على أسس متينة، وتخطيط التنمية بشكل يكون أكثر فعالية. وركزت ريما خلف هنيدي، النائبة السابقة للأمين العام ومديرة المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على الأوضاع السكانية في العالم العربي، مستعرضة أوجه النجاح في المنطقة، مع الحديث عن الصعوبات، قياسا مع معدلات التنمية البشرية. وعددت خلف ثلاثة عوائق للتنمية البشرية، على المستوى العربي، تتمثل، أولا، في غياب مؤشرات لقياس مدى تمتع الناس بالكرامة، وثانيا، في عدم وجود مقاييس ومؤشرات لضبط مفهوم التنمية البشرية، وثالثا، في وجود ميل لوضع أهداف قطاعية يسهل تحقيقها وصولا إلى تحقيق الأهداف الكلية. ويشارك في هذه التظاهرة العالمية خبراء وباحثون يمثلون وكالات متخصصة في الأمم المتحدة، مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، إلى جانب جمعيات دولية، مثل الاتحاد الدولي للدراسات العلمية للسكان، والجمعيات الإقليمية للسكان بإفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا.

وتتوزع أشغال المؤتمر، الذي ينظم كل أربع سنوات، على أربع جلسات، تتناول «ما بعد القاهرة: القضايا والتحديات لوضع جدول أعمال جديد حول السكان والتنمية» و«الديموغرافيا والتغيرات المناخية»، و«الهجرات الدولية والأزمة الاقتصادية العالمية»، و«أهم التحديات الديمغرافية في العالم العربي»، تتخللها مداخلات، مع توفير أروقة تسمح للناشرين ومنظمات البحث والجمعيات العاملة في مجال السكان بتقديم إصداراتهم وأعمالهم لفائدة المؤتمرين، كما يتضمن برنامج المؤتمر تنظيم معارض وورشات للتكوين واجتماعات ذات الصلة بموضوع المؤتمر. وينتظر أن يشكل المؤتمر فرصة أمام المشاركين للتفكير في التحديات الكبرى، التي تواجه السكان عبر العالم، وعرض آخر الأبحاث في مجال النمو الديمغرافي. وستعقد في أثناء المؤتمر عدة جلسات علمية ومعارض، وذلك على مدى ستة أيام. يشار إلى أن المؤتمر ينظم، بمبادرة من المغرب والاتحاد الدولي للدراسات العلمية للسكان.