واشنطن تسعى لتحالف أوسع لتطبيق «عقوبات تأديبية» ضد إيران.. في حال تعثرها في مجلس الأمن

الأوروبيون يخشون أن تكون «أداة فظة» توحد الإيرانيين حول نجاد.. وإسرائيل تريدها «عقوبات معيقة»

صورة التُقطت عبر الأقمار الصناعية أمس لما يُعتقد أنه منشأة قم النووية في إيران (إ.ب.أ)
TT

قال مسؤولون في الإدارة الأميركية إن إدارة الرئيس باراك أوباما تسعى لفرض عقوبات أكثر قوة ضد إيران بسبب برنامجها النووي تشمل منع الاستثمارات في الصناعة النفطية وضم المزيد من البنوك الإيرانية إلى القائمة السوداء للبنوك الموجودة بالفعل. كما تسعى الإدارة أيضا إلى تشكيل تحالف أكبر من الشركاء لتطبيق العقوبات حتى تتمكن من العمل ضد إيران حتى وإن صوتت الصين وروسيا بقوة ضد الإجراءات الأكثر قوة التي يمكن أن يقترحها مجلس الأمن. وقال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في خطاب «حالة الاتحاد» على شبكة «سي.إن.إن» «هناك عدد من الخيارات التي لا تزال قائمة، وإن القائمة المحتملة التي تستهدفها العقوبات ضد إيران ستتضمن تكنولوجيا ومعدات الطاقة. كما أن القائمة لا تزال مليئة بالأهداف التي يمكن الانتقاء من بينها».

وقد بدأ مسؤولو الإدارة محاولة صياغة شكل العقوبات القادمة قبيل أيام قلائل من الاجتماع المباشر الذي سيضم المسؤولين الأميركيين مع نظرائهم الإيرانيين، حيث يتوقع أن يضغط الأميركيون لتلبية مطلبهم بفتح المنشأة النووية الجديدة التي تم الكشف عنها أخيرا أمام التفتيش. وتهدف الإدارة الأميركية من خلالها إلى السعي لفرض عقوبات أكثر قوة على إيران لتحقيق اثنين من الأهداف غير القابلة للتفاوض، وهما: إجبار إيران على العودة إلى مائدة المفاوضات حول برنامجها النووي، الذي تشك الولايات المتحدة والغرب أنه مصمم لإنتاج أسلحة نووية، والفوز في الوقت ذاته بدعم روسيا والصين اللتين ترغبان في الحفاظ على علاقاتهما الاقتصادية القوية مع إيران.

ويشير مسؤولو الإدارة، إلى أنه حتى الآن لا يبدو أن الولايات المتحدة قادرة على النجاح في الفوز بالدعم اللازم لفرض حظر على شحنات البنزين أو المشتقات النفطية الأخرى. وقال أحد المسؤولين إن الحلفاء الأوروبيين يرون في ذلك «أداة فظة» يمكن أن تؤذي الإيرانيين وتلهب الرأي العام الإيراني وتعمل على توحيد الرأي العام لدعم حكومة الرئيس محمود أحمد نجاد الذي لا تزال شرعيته داخل إيران محل شكوك منذ انتخابات الثاني عشر من يونيو (حزيران) التي يزعم الإيرانيون أنها تعرضت للتزوير.

وقد لقيت الجهود الأميركية لتشكيل جبهة ضغط عالمية ضد إيران اهتماما متزايدا في أعقاب الإعلان، الجمعة الماضي، عن أن إيران تدير موقعا نوويا سريا. حتى إن إسرائيل، التي دأبت على التصريح بأن الضربة العسكرية ربما تكون الحل الناجع للطموحات النووية الإيرانية، بدت الآن مقتنعة باستمرار الرئيس أوباما في استراتيجيته بعرض المحادثات، مع التهديد بفرض عقوبات أكثر قوة إذا ما فشلت المحادثات. وهو ما دفع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، للاتصال برئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي وخمسة من المشرعين النافذين في المجلس يومي الخميس والجمعة لحث الولايات المتحدة على المضي قدما في إقرار «عقوبات معيقة» ضد إيران، على حسب قول مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين مقربين من المشرعين الخمسة. كما صرحت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري رودهام كلينتون في برنامج «واجه الأمة» الذي تذيعه قناة «سي.بي.إس» «إن الإدارة تسعى إلى استكشاف سبل توسيع وتعميق حدة العقوبات»، إذ إن العقوبات الحالية كانت «تحتوى على الكثير من أوجه القصور» فقد تعلمت الولايات المتحدة من تجربتها مع كوريا الشمالية كيفية تشكيل تحالف موسع لإقرار عقوبات تأديبية.

ولا تزال الإدارة الأميركية تواجه معركة صعبة، بسبب طبيعة البلدان التي يجب عليها أن تقنعها، وبسبب التغيرات داخل إيران خاصة الانتخابات المتنازع عليها واستمرار المظاهرات. وأوضح توماس بيكرينغ، وكيل وزارة الخارجية السابق، الذي أجرى مفاوضات غير رسمية مع الإيرانيين أن «العقوبات المفاجئة بهدف العقاب، قد لا تخدم أي أهداف مهمة في تلك القضية». ويعترف مسؤولو الإدارة بصعوبة إقناع روسيا بالموافقة على عقوبات أكثر قوة ضد إيران برغم الضمانات التي قدمها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الأسبوع الماضي للرئيس أوباما. أما الصين، كما يشير المسؤولون، فستكون أقل اعتمادا عليها نظرا لاعتمادها على النفط الإيراني وتنامي علاقاتها التجارية مع إيران.

وقد أثبتت إيران قدرتها على احتمال العقوبات، حيث تمكنت من ذلك بصورة أو بأخرى منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، إضافة إلى أن حالة الفوران السياسية هناك تفرض حسابات جديدة؛ فالدول الغربية لا ترغب في فرض عقوبات جديدة يمكن أن تعمق من مأساة المواطن العادي لأن في ذلك مساعدة لحكومة نجاد وإخمادا لحركة المعارضة الهشة.

وللإعراب عن هذه المخاوف، قال وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير الأسبوع الماضي إنه يعارض فرض حظر على المنتجات النفطية، فيما قال دبلوماسي غربي آخر إن إجراءً كذلك لا يتوقع أن يكون على قائمة الخيارات حتى وإن قال غالبية خبراء العقوبات إنه ربما يكون الخيار الأكثر فاعلية على المدى القريب. وخلال مأدبة العشاء التي أقيمت في نيويورك قبل ليلة من خطابه أمام الأمم المتحدة قال أحمدي نجاد لضيوفه إنه «يرحب بشدة بعقوبات إضافية» لأنها ستجعل بلاده أكثر اعتمادا على نفسها. وقال راي تاكيه، خبير الشؤون الإيرانية في مجلس العلاقات الخارجية والذي عمل حتى الشهر الماضي كبير مستشاري إدارة أوباما: «لكي تنجح العقوبات يجب أن لا تكون متعددة الأطراف وفقط، بل لا بد من تضامن عالمي بشأن الفترة الزمنية». وأشار تاكيه إلى تشككه في أن العقوبات وحدها لن تنجح في تقويم السلوك الإيراني على المدى البعيد، لكنه قال إنه لن يكون مندهشا إذا ما حضرت إيران إلى اجتماع يوم الخميس بعرض السماح للمفتشين الدوليين بزيارة منشأة تخصيب اليورانيوم السرية القريبة من مدينة قم المقدسة، مشيرا إلى أن الإيرانيين يميلون إلى المراوغة بمهارة في المفاوضات، وأن ذلك لن يفي بطلبات الولايات المتحدة بضرورة تسليم إيران لخطط المنشأة والأشخاص الذين قاموا على إنشائها. لكنه قادر على إضعاف التضامن الدولي.

وقد فسر مسؤولو الإدارة الاختبار الصاروخي الذي أجرته إيران، أمس، على أنه رسالة إلى الغرب بعد الإعلان عن منشأتها النووية. ويصل مدى الصاروخ الجديد ما بين 1800 إلى 2000 كلم حسب ما أورده التلفزيون الرسمي الإيراني.

وفي تقييم للتهديدات التي يمكن أن تمثلها إيران لا تزال بعض الدول تركز على الشؤون الاقتصادية، فالصين على سبيل المثال لها مصالح في احتياطيات النفط والغاز الإيراني التي تقارب 100 مليار دولار بحسب بعض الخبراء، وهي بحاجة إلى ضمان تلك الاحتياطيات ونقل الوقود إلى الصين. أما روسيا فهي أكثر ارتباطا بإيران من أي قوة عالمية أخرى وتبدي الكثير من القلق إزاء إرباك العلاقات، ولعل ذلك ما يفسر بصورة جزئية سعيها لتخفيف العقوبات السابقة على إيران. ولعل التغيرات السياسية الأخيرة في إيران ربما تكون سببا في عدم اكتراث الإيرانيين ببعض أنواع العقوبات، فمن بين العقوبات الأكثر شيوعا رفض منح التأشيرات لكبار المسؤولين بالسفر إلى أوروبا والولايات المتحدة، ولكن نظرا لأن الجيل الجديد من الإيرانيين نتاج الجمهورية الدينية فسيكونون أقل اكتراثا لقيود السفر، كما يقول الخبراء. فتقول دانيلا بليتكا، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في معهد إنتربرايز الأميركي «إنهم لا يرغبون في التسوق لأجل زوجاتهم كما أنهم لا يذهبون لتفقد حساباتهم المصرفية في سويسرا، وهو ما قد يقلل من أهمية نفوذ المجتمع الدولي بالنسبة لهم».

* شارك في الإعداد لهذا التقرير إيثان برونر من القدس ومايكل واينز من بكين وناظلة فتحي من تورنتو.

* خدمة «نيويورك تايمز»