باريس: من الصعب على طهران اللعب على الانقسامات وعليها الاختيار بين «التعاون أو المواجهة»

مصادر فرنسية: أوباما يقترب من المواقف الفرنسية المتشددة.. كوشنير: لم أحتد مع ساركوزي حول إيران

TT

ليس سرا أن العلاقات الفرنسية ـ الإيرانية تعاني من التوتر الشديد بسبب ملفين متداخلين: الملف النووي من جهة، حيث يؤكد ساركوزي أن «طبيعته عسكرية»، ويتعين بالتالي على المجموعة الدولية التزام خط متشدد إزاء طهران. والثاني تتمات ملف الانتخابات الرئاسية الإيرانية، حيث كانت باريس الأكثر انتقادا لما تسميه عمليات تزوير، ولم تتردد في تأييد المتظاهرين. وأعلن ساركوزي أن الشعب الإيراني «يستحق أفضل من قادته الحاليين»، فيما قضية الجامعية الفرنسي، كلوتيلد ريس، ما زالت من غير حل. ورفض ساركوزي المقايضة بينها وبين قاتل شهبور بختيار، آخر رئيس حكومة في عهد الشاه والمسجون في فرنسا.

وصعدت فرنسا لهجتها التحذيرية إزاء إيران على خلفية تجارب الصواريخ الباليستية التي أجرتها طهران في الأيام الأخيرة مقرونة بالكشف عن موقع قم لتخصيب اليورانيوم. وذهبت الخارجية الفرنسية أبعد من الموقف الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في قمة بيتسبرغ إلى جانب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ورئيس الحكومة البريطانية، غوردن براون، منبهة إيران إلى أنه في حال رفضها التعاون فسيتعين عليها أن «تتحمل النتائج» المترتبة على ذلك.

وعبرت باريس عن «قلقها البالغ» بعد تجارب الصواريخ الإيرانية، خصوصا صاروخي «شهاب 3»، و«سجيل» البعيدي المدى، معتبرة أنها «تزيد من قلق دول المنطقة والأسرة الدولية». وحثت فرنسا إيران على اختيار «طريق التعاون (مع الأسرة الدولية) بدلا المواجهة»، وذلك عن طريق «الوقف الفوري» لنشاطاتها الصاروخية والنووية التي وصفتها بأنها «تضرب الاستقرار»، والاستجابة «من غير تأخير» لمطالب مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة النووية. وتنبه باريس إلى أنه في حال رفض طهران «التفاوض جديا» في اجتماع جنيف المرتقب في جنيف بين ممثل لإيران ومجموعة الست (الدول الخمس الدائمة العضوية وألمانيا) فإنه يترتب عليها في هذه الحال أن «تتحمل النتائج» من غير تحديد طبيعتها.

ووصفت باريس عملية إطلاق الصواريخ بأنها «عمل استفزازي»، وأنها «لا تساهم في توفير الشروط المناسبة لمفاوضات جدية» حول ملف إيران النووي، المطلوب منها أن «تغير نمط تصرفاتها، وأن تستجيب بوضوح لمشاغل الأسرة الدولية» بخصوص برنامجها النووي. وتشدد باريس على أن إيران «انتهكت» التزاماتها إزاء الوكالة الدولية للطاقة النووية بإخفاء موقع قم كما كانت أخفت في الماضي موقع ناتانز.

وكان ساركوزي قد «تبنى» في كلمته أمام مجلس الأمن الأسبوع الفائت «مهلة» نهاية العام الحالي التي أعطاها الرئيس الأميركي أوباما لإيران لتوضح موقفها وتغير سياستها وتقبل التعاون بخصوص برنامجها النووي والباليستي. وترى باريس، وفق مصادر فرنسية متابعة لهذا الملف، أن التطورات الأخيرة «ستدفع الرئيس أوباما إلى التزام مواقف أكثر تشددا من إيران» كالموقف الفرنسي، وأن تباشير ذلك أخذت تتضح إذ «لم يتردد أوباما في القول إن كل الخيارات (بما فيها الخيار العسكري) مطروحة على الطاولة»، رغم أنه يؤكد تفضيله للخيار التفاوضي. وخلال الأشهر الأخيرة، بدت فرنسا أكثر تشددا من الولايات المتحدة إزاء إيران. وبرز ذلك في تباين ردود الفعل بين باريس وواشنطن إزاء المقترحات الإيرانية الخاصة بمعاودة المفاوضات مع مجموعة الست، إذ كانت باريس تميل إلى رفضها وإلى اعتبارها غير صالحة كأساس للتفاوض ولاجتماع جديد مع ممثل إيران.

وباغت القبول الأميركي عددا من الأوروبيين الذين اضطروا إلى اللحاق بواشنطن وقبول اللقاء مع التأكيد على إصرارهم على طرح الملف النووي كموضوع رئيسي.

ولا تبدو باريس «متفائلة» إزاء ما قد يسفر عنه اجتماع جنيف بمشاركة أميركية «فاعلة». غير أن وزير الخارجية، برنار كوشنير، قال، أمس، في حديث إذاعي، إنه لا يعتقد أنه سيحصل «تدهور». وبحسب كوشنير، فإن الحوار مع إيران «لم يكن أبدا حوارا حقيقيا»، حيث إن الملف الأساسي أي النووي «لم يكن يعالج بعمق». وتأمل باريس أن يأتي الوفد الإيراني بـ«أجوبة» شافية تقدم للوكالة الدولية حول النقاط الحساسة في البرنامج الإيراني. والتغير الذي تراه باريس في الوقت الحاضر يكمن في تحول موقف روسيا التي أعلن رئيسها ميدفيديف في نيويورك، إن العقوبات تصبح في بعض الأحيان «ضرورية». وبحسب المصادر الفرنسية، «سيصبح من الصعب على الإيرانيين في المستقبل اللعب على انقسامات الست».

وتناول كوشنير الأخبار الصحافية التي تحدثت عن «جدل حام» بينه وبين الرئيس ساركوزي بخصوص معارضة وزير الخارجية لفرض عقوبات تمنع إيران من استيراد المشتقات النفطية مثل البنزين والمحروقات الأخرى، فيما يدعم ساركوزي فرض عقوبات مالية واقتصادية ونفطية «موجعة». ويبرر كوشنير موقفه بأن عقوبات كهذه ستصيب المواطنين الإيرانيين «الأكثر هشاشة، الذين نزلوا إلى الشارع، ومنهم تشكلت الحركة الاحتجاجية» ضد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ونفى كوشنير أن يكون هناك نقاش محتدم حصل بينه وبين الرئيس ساركوزي الأسبوع الماضي في نيويورك بشأن إيران، وقال: «نعم، إنني أتكلم مع رئيس الجمهورية الذي يرد علي أحيانا. ليس هذا نقاشا محتدما، بل حوارا وديا جدا». وأوضح: «كان الأمر يتعلق بعقوبات جديدة بشأن إيران.. وجرى تبادل لوجهات النظر، في رأي طرحته على الرئيس» بشأن احتمال فرض حظر على واردات الوقود الإيرانية. وأضاف: «الأمر برمته استغرق دقيقة وخمسين ثانية. لم يرد علي بالنسبة لهذا البلد، بل بالنسبة لبورما، هذا كل ما في الأمر». وتابع: «رئيس الجمهورية هو الذي يقرر. أحاول تقديم الخبرة التي أملكها، وفي هذه الحالة لم يتم اتخاذ قرار بل كان تبادلا كما يجري بيننا غالبا».