مؤتمر جوبا: انسحاب 6 أحزاب جنوبية.. والحركة تتهم حزب البشير بتقديم «رشاوى» لهم

قيادات جنوبية تتهم أحزاب الشمال بارتكاب أخطاء في فترة قيادتهم للبلاد

TT

تحولت ندوة سياسية عُقدت على هامش مؤتمر جدلي للقوى السياسية السودانية بدأ أعماله في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، إلى ساحة محاكمة نصبها قيادات من جنوب السودان لقيادات الأحزاب السودانية الشمالية المشاركة في المؤتمر، على رأسهم الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض، والدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، ومحمد إبراهيم نقد سكرتير الحرب الشيوعي السوداني المعارض. وحملت القيادات الجنوبية قادة الأحزاب الشمالية مسؤولية ما ارتكبوه من أخطاء في أثناء فترة قيادتهم للبلاد، فيما أعلن الزعماء الثلاثة، المهدي ونقد والترابي، استعدادهم للاعتذار عن تلك الأخطاء وللمحاسبة والمساءلة.

وبينما أعلنت 6 أحزاب جنوبية انسحابها عن المؤتمر «بعد أن لمسوا أن المؤتمر انحرف عن مساره وهو تنفيذ اتفاق السلام»، كشف مسؤولون في الحركة الشعبية أن حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير تقدم برشاوى للأحزاب المنسحبة لاتخاذ الخطوة، ووعدت بكشف شريط مسجل حول عملية الرشاوى. وأبرز الأحزاب المنسحبة حزب جبهة الإنقاذ الذي يقوده بيتر سولي.

واتهم ين ماثيو الناطق باسم الحركة الشعبية في تصريحات صحافية حزب المؤتمر الوطني بالعمل على إفشال مؤتمر جوبا، بقيامه بتحريض الأحزاب الستة المنسحبة من المؤتمر في يومه الثاني، وقال إن الحركة تملك الأدلة ووثائق مصورة تكشف قيام أحد كوادر الأمن الشعبي لحزب المؤتمر الوطني يدعى خالد عثمان بدفع رشاوى لبعض ممثلي الأحزاب المنسحبة في اجتماع عقده مع بعض الأحزاب المنسحبة في جوبا بمنزل القيادي في المنبر الديمقراطي ـ أحد الأحزاب المنسحبة ـ ماترن كجي، وبحضور بيتر سولي رئيس جبهة الإنقاذ المنسحبة، ووعد بأن الحركة ستقوم بكشف أبعاد «مؤامرة حزب المؤتمر الوطني على شعب الجنوب» عبر تلفزيون جوبا. وكذّب ماثيو اتهام حزب المؤتمر الوطني للمؤتمرين بتلقيهم أموالا من الخارج، وقال إن ذلك «محض افتراء»، وطالب حزب المؤتمر الوطني «بتقديم الدليل على ما ذهب إليه». وعددت الأحزاب المنسحبة في بيان أسباب انسحابهم من المؤتمر، وقال البيان إن كلمات قادة الأحزاب الشمالية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ما يوحي بالانحراف عن شعاره المعلن «إنفاذ اتفاق السلام الشامل». وأشار البيان إلى أنه تمت دعوة 20 فقط من جملة 79 حزبا مسجلا على الرغم من إعلانه أنه لجميع الأحزاب السودانية، ما يعني تجاهل 59 حزبا سياسيا، وقالوا إنهم توصّلوا إلى إجماع بأن هدف جميع هذه الأحزاب تدمير اتفاق السلام الشامل، وإن الهدف هو إلغاء حق تقرير المصير الذي تبقّى له 15 شهرا فقط. وقال الموقعون على البيان إنهم لاحظوا أن من أهداف المؤتمر إعادة فتح الحوار حول اتفاق السلام الشامل، وأشاروا إلى أن هدف المؤتمر تعميق الخلافات بين طرفي اتفاق السلام الشامل وتعطيل الاستفتاء على حق تقرير المصير المقرر. وأشار البيان إلى أن مقررات المؤتمر المتعلقة باتفاق السلام الشامل لن تنفَّذ لعدم مشاركة المؤتمر الوطني الشريك الأساسي للحركة الشعبية في المؤتمر، وقال إن المتحدثين قالوا إنهم جاءوا لدعم الوحدويين داخل الحركة، وهذا يعني أنهم ضد الانفصاليين مما سيحدث شرخا كبيرا بين الوحدويين والانفصاليين داخله. وفي ندوة حاشد في جوبا على هاشم المؤتمر، وجه متحدثون جنوبيون في الندوة اتهامات مباشرة لزعيمي الأمة، المهدي والشعبي الترابي بالمسؤولية عن «المرارات التي لحقت بالجنوب والسودان»، واتهم أحد المتحدثين المهدي مباشرة بالضلوع في «أحداث جسيمة وقعت في عهده في جنوب السودان». ووجدت تلك الأصوات تأييدا محدودا من قِبل المشاركين في الندوة عبروا عنه بالتصفيق.

وأكد نائب رئيس الحركة الشعبية مالك عقار، أن الكل دون استثناء مسؤول عن أخطاء وقعت للبلاد، ودعا إلى ضرورة أن يعمل مؤتمر جوبا لإيجاد الحلول الناجعة للتنوع بالبلاد، وقال إن ما خلق إشكالية الحرب هو أن الشماليين يريدون تحويل كل الثقافات الموجودة إلى عربية، محذرا من أن ذلك سيقود إلى الانفصال وتمزيق السودان، وأضاف: «إذا ذهب الجنوب ستذهب دارفور والنيل الأزرق، ولا ندري إلى أين».

ومن جانبه، قال المهدي في الندوة: «نحن الآن نقف فوق جبل وتحتنا هاوية كبيرة، التحدي أمامنا أن نصمد أو نسقط»، وحذر من أن سقوط السودان يعني سقوط القرن الإفريقي باعتباره دولة محورية، وأكد أن أمام البلاد فرصة لهندسة سياسية لتقديم نموذج لنظام سياسي حديث وديمقراطي يحترم اللامركزية والتنوع، ومساءلة كل من ارتكب أخطاء في الماضي، وقال إن أمام السودان خيارين: إما أن يكون دولة ثقافة واحدة وسلطة قاهرة يقود إلى استمرار الحروب الأهلية والتدخلات الأجنبية وتمزيق النسيج، وإما بناء دولة يدرك فيها أخطاء تجارب الماضي وتقوم على ميثاق وطني يعم كل القوى السياسية. ودافع المهدي عن الاتهامات التي وُجهت إليه بالوقوف ضد نيفاشا، وذكر أن حزبه أيد الاتفاقية، وقال إنه صاحب الفكرة الأساسية التي تكونت فيها اتفاقية نيفاشا.

من جهته، أكد سكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد ضرورة تحقيق المصالح المشتركة للجنوب والشمال، واعتبر المجتمع السوداني متدينا بفطرته. وأشار نقد إلى أهمية تحقق المصالح للمواطن الشمالي والجنوبي، وأضاف أن الشمال توجد به مشكلات أكثر من الجنوب، وحمّل نقد حكومة الوحدة الوطنية التي تشارك فيها الحركة الشعبية مسؤولية مشكلة دارفور، وأضاف: «إننا نتعامل مع الحركة كحزب حاكم»، مؤكدًا أن القوى السياسية عليها التعامل مع المشكلات كافة مثل مشكلة دارفور، وتحتاج إلى مواصلة التعاون من أجل إنهاء الأزمة الإنسانية في الإقليم.

فيما اعتبر الترابي تعدد الديانات لا يمثل مشكلة للسودان، وقال إن الشريعة تُعنى بتسارع الحياة، وأغلب النواهي في الدين ليست للدولة وإنما للإنسان وحده، وتساءل عن أسباب منع التعدد، ورأى عدم وجود مشكلة في أن يقوم بنك تقليدي في الشمال وآخر في الجنوب وإسلامي في الجهتين، مؤكدا أن الغرب لا يحتمل اقتراب الدين الإسلامي من السلطة. وأقر الترابي بوجود أخطاء في ما يتعلق بالجهاد أيام حكم «الإنقاذ» الأولى، وذكر أن أي حرب لها إفرازاتها، وفسر الجهاد على أنه جهد ومساعدة.