المعلم في باريس: نحن على طريق تطبيع العلاقات مع واشنطن

كوشنير يشيد بزيارة الأسد إلى السعودية

TT

شهر العسل ما بين فرنسا وسورية مستمر. ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لم يتردد أمس في وصف العلاقات الفرنسية ـ السورية بـ«الاستثنائية» مؤكدا أنها «تتقدم في كل المجالات» آتيا على ذكر الصناعة والاقصادية. ورد الوزير وليد المعلم التحية بأحسن منها فاعتبر أن العلاقات المذكورة «يمكن أن تكون نموذجا» لما يمكن لدمشق أن تبنيه من علاقات مع دول أخرى من غير أن ينسى الإشادة بفرنسا التي «كانت لها الرؤية والشجاعة» في استباق الآخرين والانفتاح على سورية.

وقال المعلم إن العلاقات مع فرنسا: »أصبحت عاملا حاسما في المنطقة لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار». وجاءت تصريحات كوشنير والمعلم في مؤتمر صحافي عقب لقاء مساء أمس في مقر الخارجية في باريس أعقبه عشاء عمل.

ولم يفسد اختلاف باريس ودمشق حول الموضوع النووي الإيراني للود قضية رغم بروز التباين في الرؤية بين المعلم الذي يأخذ تأكيد طهران بأن برنامجها النووي سلمي كما هو وبين «ذهول» كوشنير من اكتشاف موقع قم لتخصيب اليورانيوم. كذلك لم تثر ملاحظة كوشنير في أنه أثار مع المعلم موضوع حقوق الإنسان في سورية، أي رد من قبل المعلم كذلك لم يعلق الوزير السوري على إشارة كوشنير إلى الحاجة إلى «إقامة مناخ أفضل بين دول المنطقة» أي ملاحظة سورية علما بأنها قد تفهم بأنها إشارة إلى التوتر الذي تشهده علاقات دمشق وبغداد أو التطبيع الذي يطلبه الأميركيون بين البلدان العربية وإسرائيل.

وما بين صديقي «برنار» و«عزيزي» وليد، أبرز الوزيران صورة جد إيجابية لما هو جار بين العاصمتين مؤكدين الاتفاق بينهما بشأن الملف اللبناني وموضوع السلام في الشرق الأوسط. وفي الموضوع اللبناني، رد كوشنير على المقال الصادر أمس في صحيفة تشرين الذي تحدث عن «موت سريري» للنظام اللبناني بقوله إن هذا النظام «لم يمت» والدليل الانتخابات التشريعية التي حصلت بكل ديمقراطية. ورغم الصعوبات التي حالت حتى اليوم دون تشكيل حكومة جديدة، فقد دعا كوشنير اللبنانيين إلى «التفاهم» نافيا عن باريس الرغبة في التدخل في الشأن اللبناني. لكن الوزير الفرنسي حث «الجميع» على المساعدة من أجل تسهيل قيام الحكومة المذكورة. وأفاض الوزير السوري في هذا الاتجاه قائلا إنه اتفق مع كوشنير أنه «يتعين على اللبنانيين الاتفاق» رائيا في ذلك الطريقة التي تحقق أمن واستقرار لبنان. غير أن الوزير المعلم لفت للدور الذي يمكن لسورية أن تلعبه بقوله إن دمشق «تستطيع أن تشجع الأطراف لتكثيف الحوار» من أجل الوصول إلى حل.

وأثنى كوشنير على زيارة الرئيس الأسد إلى السعودية الأسبوع الماضي وعلى الزيارة التي ينوي العاهل السعودي القيام بها إلى دمشق واصفا إياها بـ«المهمة». وكانت محادثات أمس فرصة لتناول كل ملفات المنطقة بما فيها الملف العراقي، وأشار المعلم إلى أن زيارة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد إلى واشنطن «مهمة» لأن الجانب الأميركي سيطلعه على التدابير لتخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على سورية ولأنها «خطوة أولى في حوارنا البناء مع واشنطن». وكان لافتا إشادته بمبادرة الرئيس الأميركي أوباما في موضوع السلام رافضا القول إن واشنطن «فشلت» في مهمة الدفع باتجاه السلام. وأبدى استغرابه من أن بلدا مربوطا بالولايات المتحدة مثل إسرائيل يعمد إلى «خذلانها».

وفي موضع الشراكة مع أوروبا، عبر المعلم عن موقف متشدد إذ أكد أن بلاده ترفض ربطها بـ«شروط وسياسية» ما حمل كوشنير على التدخل ليقول إن كل اتفاق يقيمه الاتحاد مربوط بشروط سياسية. ودعا الوزير السوري الأوروبيين إلى «الاتفاق في ما بينهم وإعلام سورية باتفاقهم». وجاءت زيارة الوزير السوري ردا على الزيارة التي قام بها كوشنير لدمشق أواسط يوليو (تموز) الماضي والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد والمعلم.

وتعتبر باريس أن الزيارة تندرج في إطار «الدينامية» الجديدة في العلاقات السورية ـ الفرنسية وأنها فرصة لتقويم ما حصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعد اجتماع اللجنة الرباعية والجهود الهادفة إلى إعادة إحياء مسار السلام في الشرق الأوسط فضلا في عما آلت إليه العلاقات الثنائية ومحطات التصديق على اتفاقية الشراكة السورية ــ الأوروبية التي وقعت بالأحرف الأولى وتحتاج لموافقة برلمانات الدول الأوروبية قبل أن تصبح نافذة.

وأكدت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» أن باريس عازمة على «الذهاب أكثر ما هو ممكن» في دفع مسار العلاقات الفرنسية ـ السورية التي تصفها بأنها «استراتيجية» خصوصا أن فرنسا تسعى وأوروبا إلى لعب «دور ما» في جهود السلام الشرق أوسطية وهي جاهزة للعب دور الوسيط بين سورية وإسرائيل فضلا عن طرحها مشروع عقد قمة للاتحاد من أجل المتوسط بالشراكة مع مصر وبالتفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية وحضورها.

وتتحاشى باريس إعطاء الانطباع بأنها تحشر نفسها في مسألة الحكومة اللبنانية لتفادي اتهامها بالتدخل في شؤونه الداخلية. غير أن الفراغ الحكومي «يقلقها» بحسب ما تقوله مصادرها وهي بالتالي تحث اللبنانيين على الخروج من المراوحة السياسية. وترى باريس أن التعقيدات «خارجية وداخلية» على السواء وهي تنصح بالسعي لحكومة وفاق وطني فيما ترى يد إيران وراء التعقيدات التي واجهها الحريري. كما تعول باريس على دور سوري إيجابي. وعبر رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون في بيروت يوم الاثنين عن أهمية الدور المذكور بقوله في مؤتمر صحافي: «من الوهم الاعتقاد أنه يمكننا أن نحل مشاكل هذه المنطقة من دون أن نتحدث إلى السوريين وإلى أي دول لها تأثيرها ويمكنها أن تلعب دورا في حل مشاكل لبنان والمنطقة». غير أن المصادر الفرنسية تشدد على أن الاعتراف بوجود تأثير سوري على لبنان «لا يعني أبدا المساومة على حسابه أو الانتقاص من سيادته ولكن التعامل مع الملف بواقعية». وتنظر باريس بكثير من الارتياح إلى القمة السعودية ـ السورية التي انعقدت في جدة على هامش تدشين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. وقالت المصادر الفرنسية إن باريس «ستوصل رسائل» إلى الأطراف الإقليمية وعلى رأسها سورية لحثها على توفير الظروف لقيام حكومة لبنانية فاعلة ووفاقية مع إعادة التأكيد على دعمها للرئيس سليمان ولاستقلال لبنان وسيادته. وحتى الآن، قالت باريس إن سورية «لم تقدم على ما من شأنه تعقيد الوضع والحيلولة دون قيام حكومة جديدة» وتريد بالتالي استخدام «القناة السورية» لحث طهران على الامتناع عن التدخل في الشأن اللبناني.