مسؤولون أميركيون: كويتا أصبحت المأوى الجديد لطالبان في باكستان

قرارات الحركة الاستراتيجية يتم اتخاذها في شورى كويتا

TT

في الوقت الذي تواصل فيه القوات الأميركية تعمقها في جنوب أفغانستان لقتال متمردي طالبان، عبّر المسؤولون الأميركيون عن مخاوفهم من الدور الذي يلعبه قائد طالبان الملا محمد عمر ومجلس قيادة طالبان في التخطيط وشن هجمات عبر الحدود من ملاذات آمنة في مدينة كويتا جنوب غربي باكستان.

لكن المسؤولين الأميركيين اعترفوا بمحدودية المعلومات التي بحوزتهم حول المنطقة الحدودية البعيدة والقاحلة وقدرتهم على توجيه ضربات إلى تلك المناطق وكذلك ندرة عملائها في ذلك المزيج المضطرب من القبلية البشتونية والسياسات الدينية التي حولت المنطقة إلى ملجأ لقادة طالبان المعروفين سويا بمجلس شورى كويتا. وبدورهم واجه المسؤولون الباكستانيون اتهامات أميركية بالسماح لحركة طالبان بإعادة جمع شتاتها في منطقة كويتا، واعتبارها كقيمة استراتيجية بدلا من تهديد محلي، في الوقت الذي يركز فيه الجيش انتباهه بشدة على وقف المتطرفين الإسلاميين في منطقة الحدود الشمالية الغربية التي تبعد مئات الأميال. ونتيجة لذلك قال محللون باكستانيون وأجانب إن كويتا عاصمة إقليم بلوشستان برزت فجأة كهدف ملح لكنه هدف جديد ومضلل لأن القوات الأميركية تواجه تنامي نفوذ طالبان والإرهاب في أفغانستان. وقالت آني باترسون، السفيرة الأميركية في باكستان: «كنا نركز في الماضي على (القاعدة) لأنهم اعتبروا تهديدا بالنسبة لنا، ولم يكن مجلس شورى كويتا يعني الكثير بالنسبة لنا لأن جنودنا لم تكن في المنطقة ولأن جنودنا موجودة في الجهة الأخرى من الحدود فإن شورى كويتا تحتل مكانة مهمة على قائمة واشنطن».

واعترفت باترسون بأن الولايات المتحدة أقل خبرة في هذه المنطقة الصحراوية الواسعة منها في منطقة القبائل التي تتعاون فيها عن قرب مع باكستان منذ سنوات عديدة والتي تقوم فيها بتعقب واعتقال قادة «القاعدة» وطالبان وتقوم بين حين وآخر بقتل متمردين باستخدام طائرات بدون طيار، لكن الولايات المتحدة لا تقوم بغارات كهذه على منطقة كويتا. وتشير بيترسون إلى ذلك صراحة فتقول: «إن المعلومات المتوافرة لدينا قليلة جدا، فلا يوجد لدينا عملاء في المنطقة أو نقوم بعمليات عبر الحدود ولا طائرات بدون طيار». ويقول المحللون الباكستانيون إن الوجود الطالباني في منطقة كويتا أكثر بروزا الآن منه من عقد مضى عندما فر الملا عمر من هجمات القوات الأميركية والأفغانية. فقد انضم إلى الملا عمر آلاف من المقاتلين الذين اختلطوا بجيرانهم من البشتون ومعسكرات اللاجئين.

لكن بالرغم من تدني شعبية الملا عمر ومساعديه وتنقلهم بصورة دائمة بين القرى والمساجد في القطاع البشتوني غير الخاضع لسيطرة القانون بين كويتا والحدود، يقول الخبراء الباكستانيون والأجانب إن منطقة بلوشستان عادت إلى الظهور من جديد كملاذ لطالبان حيث قاموا بتجنيد مقاتلين وإنشاء قواعد لهم.

ويقول أحمد رشيد الخبير الباكستاني في شؤون طالبان في مقابلة أجريت معه عبر الهاتف: «إن كويتا باتت جوهرية بالنسبة لطالبان، حيث يستطيعون تجنيد متطوعين ويحصلون على الوقود والأسمدة لصنع المتفجرات والأسلحة والطعام. كما يتم تدريب الانتحاريين على هذا الجانب، كما أنهم يتلقون الدعم من المساجد والمدارس الدينية». ويصف مايكل سامبل مسؤول الأمم المتحدة السابق في أفغانستان والمقيم في إسلام آباد معسكرات اللاجئين في منطقة كويتا بأنها «جيش احتياطي هائل بالنسبة لطالبان. أشار إلى أن قبائل البشتون في منطقة قندهار في أفغانستان، التي تشكل العنصر الأساسي لطالبان وقاعدتها الروحية لديها صلات وثيقة على الجانب الباكستاني، حيث تربطهم بهم صلات نسب ومصاهرة ويحملون بطاقات هوية باكستانية ولا تستطيع أن تميز بينهم. ومن ناحية أخرى قال إن التقارير التي تتحدث عن عيش قادة طالبان بحرية في كويتا حتى أنهم يحضرون حفلات الزفاف هي محض هراء، وتثير شكوك الباكستانيين كما أن لديهم أجندتهم الخاصة.

وخلال شهر رمضان الذي انتهي الأسبوع الماضي ظهرت ملصقات على الحوائط في كويتا تطلب من الأفراد المساهمة بالمال والسيارات والرجال للحرب ضد القوات المحتلة عبر الحدود في أفغانستان.

من جانبه دق الجنرال ستانلي ماك كريستال ناقوس الخطر تجاه مجلس شورى كويتا واصفا إياها في خطابه الأخير إلى الرئيس أوباما بأنها مركز القيادة الرئيس الذي تدار منه الموجة الواسعة من الهجمات والتفجيرات التي تشنها طالبان.

وأوضح مسؤولون عسكريون أميركيون إلى أنه من الناحية العملية فإن كل القرارات الاستراتيجية التي تتخذها طالبان يتم اتخاذها في شورى كويتا، وأن القرارات تصل من الجماعة إلى قادة طالبان الميدانيين الذين يقومون بدورهم باتخاذ القرارات التكتيكية التي تدعم توجه استراتيجية الشورى.

وعلى عكس طالبان الباكستانية التي تقع في أقصى الشمال في الجبال على الحدود الباكستانية الأفغانية، تعتبر كويتا منطقة عمليات غير مرغوب فيها لوقوعها في داخل باكستان. ومن جانبهم شكك المسؤولون الباكستانيون في صدق الروايات الخاصة بسيطرة طالبان على منطقة كويتا بل وحتى وجودها في المنطقة، لكن القادة العسكريين الأميركيين وصفوا المنطقة بأنها «مقر قيادة وسيطرة نشط».

وقد دأب المنتقدون على إثارة الشكوك بشأن رغبة القوات الأمنية الباكستانية في القيام بعمل جاد تجاه مقاتلي طالبان وأنشطتهم في بلوشستان. وزعم البعض أن الاستخبارات الباكستانية تقوم سرا بتدريب مقاتلي طالبان هناك، على الرغم من تأكيد المسؤولين الباكستانيين على أنهم طهروا صفوفهم من الضباط ذوي التوجهات الدينية. وأشارت باترسون إلى ازدياد قلق المسؤولين الباكستانيين لأن النزاعات السياسية الحالية في واشنطن يمكن أن تؤدي إلى انسحاب مبكر للقوات الأميركية من أفغانستان وهو ما سيدفعهم إلى قطع العلاقات مع طالبان إذا ما اعتقدوا أنهم سيعودون إلى السلطة مرة أخرى في أفغانستان.

وقد داوم الرئيس الأفغاني حميد كرزاي على اتهام الباكستانيين بغض الطرف عن أنشطة الملا عمر ومعاونيه. فقدم للمسؤولين الباكستانيين، مرتين، قوائم لما قال إنها أسماء لمواقع وأشخاص في منطقة كويتا لكن الجانب الباكستاني رفض تلك المزاعم رفضا باتا. وقال المسؤولون الأمنيون الباكستانيون إنهم قاموا بجهود كبيرة في وقف تسلل مقاتلي طالبان عبر الحدود في بلوشستان وقاموا بتسيير دوريات حدودية بناء على طلب واشنطن.

وقال الميجور جنرال أثار عباس، المتحدث باسم الجيش الباكستاني عندما سئل عن أسماء قادة شورى كويتا التي قدمها لهم المسؤولون الأميركيون والأفغان: «بناء على تقييماتنا لا توجد عناصر من طالبان في بلوشستان فقد قتلنا ستة إلى عشرة منهم اثنان من الأفغان واثنان لم نعرف هويتهما، وعندما يدعي البعض أن الملا عمر هو حاكم كويتا فإن ذلك كلام غير صحيح».

وأشار عباس إلى أن العملية العسكرية الباكستانية الأخيرة في إقليم سوات في الشمال الغربي نجحت في طرد قوات طالبان الباكستانية من المنطقة، وعبر عن أمله في أن تكون حملة سوات قد قضت على كل المخاوف التي تثير قلق واشنطن حول رغبة قدرة باكستان على مواجهة المتمردين الإسلاميين. وقال: «إذا كان لدى الولايات المتحدة أي معلومات عن قادة طالبان في بلوشستان فالأفضل أن يقولوا لنا من هم وأين هم، ولن نسمح لأحد من قواتكم بالدخول إلى هناك، ولكن إن قدتم فسوف نتبعكم».

وقالت باترسون إن المسؤولين الباكستانيين أوضحوا أن لديهم أولويات مختلفة عن أولوياتنا، فهم أكثر اهتماما بعمليات طالبان داخل باكستان منها عبر الحدود. وأشارت إلى أن باكستان كانت تقوم على تدريب مقاتلي طالبان للقيام بعمليات ضد الهند وفي مناطق أخرى وهي المجموعة ذاتها التي انقلبت ضد الدولة الآن.

وقالت: «لا يمكنك ترك الأفاعي ترعى في بيتك دون أن ينالك منها الأذى. وإن ما يقلقنا بشكل رئيس هو إذا كانت باكستان تسيطر حقا على المنطقة، فقد يكون هناك بعض من لا يشكلون خطرا على باكستان لكنهم من الأهمية بمكان بالنسبة لنا».

احد عوامل القلق الأخرى التي أثارها المنتقدون والمسؤولون الأجانب هو الدعم الذي يقدمه بعض السياسيين والقادة الدينيين في بلوشستان تجاه طالبان، حيث أشاروا إلى أن التواجد المحلي للجماعة الإسلامية، الحزب الديني المحافظ الذي دعم حركة طالبان الأصلية والذي تولى حكومة إقليم بلوشستان في الفترة بين عامي 2008 و2008 منحت المتطرفين الإسلاميين حماية إضافية. وقال محمد جان، ناشر صحافي في كويتا، في مقابلة أجريت معه عبر الهاتف إن هناك الآلاف من المدارس الدينية التابعة للجماعة الإسلامية في الحزام البلوشستاني وأن بعض قادة الجماعة يناصرون طالبان صراحة.

* شاركت كارين دي ينغ من واشنطن في الإعداد لهذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»)