صعود نجم سياسي جديد في ألمانيا

فيسترفيلي حوَّل صورته من مهرج إلى أقوى مرشح لمنصب وزير الخارجية

TT

تركز الحديث في ألمانيا منذ انتخابات الأحد الماضي، حول شخصية سياسية، لكنها لم تكن المستشارة أنجيلا ميركل، الذي حصد حزبها غالبية الأصوات، وإنما زعيم الحزب الذي عمد إلى تعزيز قبضة المستشارة على السلطة. وقريبا، سيعرف العالم بأسره الشخصية السياسية الرائدة الجديدة، غيدو فيسترفيلي، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر». وحسب التقليد الألماني القائم منذ فترة بعيدة، سيقع الاختيار على فيسترفيلي كنائب للمستشارة ووزير للخارجية في الحكومة الجديدة، المنصب الذي سيعد مكافأة له على جهوده في توجيه حزبه المؤيد للسوق الحرة، وتشجيع النشاط التجاري نحو أفضل نتيجة يحرزها في تاريخه في انتخابات فيدرالية. ويعتقد أن فيسترفيلي، 47 عاما، قضى السنوات العديدة الماضية من حياته يتهيأ للاضطلاع بدور رجل دولة، وقد عمل بجد بغرض إحداث تحول في صورته من مهرج محب للمرح ويتمتع بذكاء سياسي كبير، وسبق له الظهور في النسخة الألمانية من برنامج الواقع «بيغ براذر»، إلى صانع سياسات جاد. وعند النظر إلى انتخابات الأحد، نجد أنها كانت ناجحة، حيث احتل فيها الديمقراطيون الأحرار مكانة الفائز الأكبر. وشهد الحزب تنامي نصيبه من الأصوات بأكبر نسبة من نوعها بالنسبة لأي حزب، حيث وصلت إلى 14.6%، أي بزيادة 4.7% عن انتخابات عام 2005. وقد صعد نجم الحزب حتى في الفترة التي فقدت خلالها الكتلة المحافظة التي تتزعمها ميركل بعض مكانتها لدى الناخبين، حيث حصدت ثلث الأصوات فحسب.

والتقى فيسترفيلي، مع ميركل أول من أمس في إطار المفاوضات الجارية لتشكيل حكومة يمين وسط، التي تشكل شراكة، قالت ميركل إنها بحاجة إليها لإصلاح اقتصاد البلاد. وفي مؤتمر صحافي، رفض فيسترفيلي مناقشة تقسيم المناصب العليا، بما في ذلك منصبه، قائلا: «إن الأمر يتعلق بوضع السياسات الصائبة لوطننا، وليس هذه المناصب بالتأكيد». وشدد على «علاقته الطيبة للغاية» مع المستشارة. ويشار إلى أن فيسترفيلي شاذ جنسيا، وكان أعلن عن هذا الأمر عام 2004 بإحضاره رفيقه إلى حفل عيد ميلاد ميركل، في وقت كانت لا تزال في صفوف المعارضة، وفي العام السابق كانت قد تولت منصب المستشارة. من ناحيتها، عبرت ميركل عن رغبتها في تشكيل حكومة في موعد غايته 9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ما يوافق الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين. ويتوقع أن يفد قادة دول من شتى أرجاء العالم لإحياء المناسبة. بيد أن مجرد رغبة الطرفين في الحكم معا لا تعني بالضرورة أنه سيكون من اليسير التوفيق بين مقترحاتهما. وأعرب أحد المشرعين المحافظين البارزين عن اعتقاده أن «فيسترفيلي سيتوصل إلى اتفاق بصعوبة فيما يخص الإصلاح الضريبي». يذكر أن الحملة الانتخابية للديمقراطيين الأحرار دعت لإقرار تخفيضات ضريبية بما يتجاوز 50 مليار دولار، ما يزيد على ضعف ما وعد به «المسيحيون الديمقراطيون» بزعامة ميركل.

وعلى امتداد الكثير من السنوات اللاحقة للحرب، لعب «الديمقراطيون الأحرار» دورا حاسما بين الأصوات في إطار برلمان هيمن عليه أكبر حزبين بالبلاد، «الحزب المسيحي الديمقراطي» و«الحزب الديمقراطي الاشتراكي». إلا أن المسيحيين الديمقراطيين ظلوا خارج السلطة على مدار الأعوام الـ11 الماضية، ومكنتهم هذه الفترة الطويلة التي قضوها في المعارضة من تعزيز حدة مواقفهم المؤيدة لفرض ضرائب أقل، والمناهضة للروتين البيروقراطي. كما وفرت هذه الفرصة لفيسترفيلي، أصغر زعيم في تاريخ الحزب، الوقت للنضوج. قبل انتخابات عام 2002، تطلع فيسترفيلي للفوز بـ 18% من الأصوات، بل إنه ارتدى حذاء مزينا برقم 18. وتعمد ركوب حافلة ذات لون أصفر براق أطلق عليها «غيدو موبيل». إلا أن الحزب حقق نتائج أقل بكثير عما كان يأمل، حيث فاز بـ7.4% فقط من الأصوات، علاوة على اكتساب فيسترفيلي سمعة واسعة كمهرج. وبالفعل، تعلم فيسترفيلي الدرس من هذه التجربة، وحرص على رسم صورة أكثر جدية له. وربما ترك سلوكه الغريب تأثيرا إيجابيا بتوسيع نطاق شعبية الحزب إلى ما وراء قاعدته الشعبية التقليدية المتمثلة في أصحاب الشركات التجارية عبر اجتذاب المهنيين الشباب. وعدا مواقف الحزب المؤيدة لتحرير الاقتصاد، عمد فيسترفيلي أيضا لدراسة السياسة الخارجية على أمل احتذاء حذو هانز ديتريتش غينشر، زعيم الحزب السابق ومستشاره الحالي، الذي شهد العقدين اللذين تولى خلالهما حقيبة وزارة الخارجية إعادة توحيد شطري ألمانيا. من ناحيته، قال جان تيشاو، مدير البرنامج الأوروبي داخل «المجلس الألماني للعلاقات الخارجية»، حيث أدلى فيسترفيلي خطابا مطولا بشأن السياسة الخارجية في مايو (أيار) الماضي: «خلال السنوات القليلة الماضية، من الواضح أنه أعد نفسه لهذا الدور». لكن تيشاو وصف توجه فيسترفيلي على صعيد السياسة الخارجية بالحذر، وأشار إلى حرص الأخير على استمرارية السياسة الخارجية الألمانية والاستمرار في التزام الدور السلبي لألمانيا خارجيا، الذي أيده معلم فيسترفيلي الروحي، غينشر. ورغم تأييد «الديمقراطيين الأحرار» لمشاركة ألمانيا في مهمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، تحدث فيسترفيلي علانية بقوة أكثر من ميركل خلال الحملة العسكرية حول تقليص مدة نشر الجنود الألمان هناك، البالغ عددهم أكثر من 4.000 جندي. وأثناء حديثه عن الأسلحة النووية أول من أمس، أشار فيسترفيلي إلى «إعادة التسلح»، بينما من الواضح أنه كان يعني «نزع التسلح». وبعد قليل، اعتذر عما أصابه من إرهاق بعد ليلة انتخابية طويلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»)