تل أبيب تطلق حملة جديدة لمواجهة تمويل حماس تستهدف بالأساس «لجان الزكاة» في العالم

رؤساء المجالس المحلية في جنوب إسرائيل متخوفون من عودة الأوضاع التي سبقت الحرب على غزة

TT

طالما نشط الإسرائيليون طوال السنوات الماضية من أجل سد «أنابيب» تمويل حركة حماس، فداهموا بنوكا، وصادروا أموالا، وأغلقوا مؤسسات خيرية، واعتقلوا صيارفة، ووضعوا اليد على مؤسسات تجارية، ومدارس أطفال.

وخلال العامين الماضيين تكثف هذا الجهد، وانضمت إليه دول غربية وعربية، وحتى السلطة الفلسطينية في رام الله، فأحكم الحصار على قطاع غزة، وتم منع تحويل الأموال، وخضعت الحسابات المصرفية إلى مراقبة عالمية دقيقة، وأغلقت مقار جمعيات خيرية في واشنطن والخليل، وأعلن أن جمعيات أخرى في دول الخليج غير قانونية، والنتيجة أن أموال حماس لم تنضب.

وأطلقت الأوساط الأمنية الإسرائيلية، مرة أخرى، مع شركائها في العالم، خطة لمواجهة تدفق الأموال إلى حركة حماس، وخاصة تلك التي تأتي من خلال لجان الزكاة المنتشرة في معظم أنحاء العالم.

وتدرس الحكومة الإسرائيلية، بموازاة ذلك، إطلاق حملة توعية لتسليط الضوء على الصلة بين هذه اللجان، وجماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس، وستتحدث الحملة عن الفرق بين جمع الأموال لإعانة الفلسطينيين، وبين تمويل الإرهاب.

وتقول أجهزة الأمن الإسرائيلية إنه يتم إدخال ملايين الدولارات من خلال لجان الزكاة إلى الفلسطينيين، ويصل الجزء الأكبر من هذه الأموال إلى حركة حماس.

ويقول الإسرائيليون إن هذه الأموال لا تصرف فقط على العائلات المحتاجة أو في عمليات بناء المدارس ورياض الأطفال، وإنما يصل القسم الأكبر منها إلى مقاتلي حماس، ويستفيد منها كذلك أقارب نشطاء نفذوا هجمات ضد إسرائيليين. ويقولون إنه حتى الأموال التي تعرّف بأنها أموال تعليمية تستخدم للتحريض ضد إسرائيل.

وتستند أجهزة المخابرات الإسرائيلية، في كثير من معلوماتها إلى نشطاء بارزين في حماس، اعتقلوا وتم التحقيق معهم، واعترفوا بأنهم عملوا لحساب جمعيات خيرية تابعة لحماس، وأيضا لجناحها العسكري، وأن الأموال كانت تستخدم لأغراض خيرية وأخرى «إرهابية».

وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إن ارتباط حماس بحركة الإخوان المسلمين العالمية، هو الذي يوفر دعما كبيرا ومتواصلا لها، من خلال وجود الكثير من المنظمات والمؤسسات التابعة لحركة الإخوان المسلمين في الدول العربية والدول الأوروبية.

وتقول الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إنها تملك بيانات مفصلة عن لجان ومنظمات الزكاة في العالم، ومدى ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين، وبالتالي مع حماس.

وستركز إسرائيل في حملتها الدعائية على «كيف تجمع الأموال لأغراض إنسانية، ومن ثم تستخدم لتمويل (الإرهاب)».

واستطاعت إسرائيل تحقيق بعض النجاح في السنوات الأخيرة، عندما أجبرت حكومات غربية منظمات خيرية معينة على كشف سجلاتها وقطع علاقاتها بمؤسسة «ائتلاف الخير»، التي يعتبرها الإسرائيليون، منظمة تعمل كمظلة للمجموعات التي تجمع التبرعات لحركة حماس.

ويقول جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» إن ائتلاف الخير، حول، خلال مدة ثماني سنوات ونصف، ملايين الدولارات إلى حماس.

وفي عام 2008 قدر المبلغ بـ25 مليون دولار، ولكن «شين بيت» يقول إن المبلغ الفعلي أكبر من ذلك بكثير.

ووضعت دول كثيرة قيودا على نشاط كثير من الجمعيات الخيرية، وأصدرت الولايات المتحدة أحكاما بالسجن وصلت إلى 65 سنة ضد نشطاء إسلاميين اتهمتم بتحويل أموال لدعم حماس.

وتقول المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وممثلوها في الخارج، إن حماس سيطرت على كثير من المنظمات في الأراضي الفلسطينية في الخارج، بعد أن تزايدت حاجتها لمصادر تمويل يمكن الاعتماد عليها في الخارج، خاصة بعد انتفاضة الأقصى، إذ كان عليها أيضا أن تنافس السلطة الفلسطينية التي تحكمها فتح، والتي تستفيد من مليارات الدولارات من التبرعات والمنح سنويا من حكومات غربية وعربية.

وفي الضفة الغربية، سيطرت السلطة الفلسطينية على جمعيات الزكاة، وعينت مستقلين على رأسها أو محسوبين على فتح. وقالت مصادر حماس في الضفة إن الحركة تضررت جزئيا بسبب حرب السلطة ضدها، الذي أطال إحكام القبضة على لجان الزكاة، وإغلاق مؤسسات، وعزل إدارة مؤسسات أخرى، ومراقبة أي تحويل يتم عبر البنوك أو الصيارفة.

وبموازاة ذلك، تواصل السلطة في الضفة حربها على ما تسميه «غسيل الأموال».

وكانت «الشرق الأوسط» نشرت في وقت سابق تقريرا حول توظيف حماس أموالها في بناء دولة المؤسسات، التي تشمل امتلاك الحركة لمصانع ومحلات تجارية ومعارض ومصارف وشركات كبيرة يقودها «رجال أعمال حماس».

وتسخر حماس من جهود إسرائيل والسلطة إلى حد ما، وقال مسؤولون كبار فيها لـ«الشرق الأوسط» إن مصادر تمويل الحركة لا تنضب، وأن الخير كثير».

ولجأت حماس مؤخرا إلى أساليب أخرى لتحويل الأموال، ومن بينها «الشنطة» أي تسليم الأموال يدا بيد. واستخدمت الحركة أنفاقا في غزة للقيام بذلك، وعن طريق قادتها المارين عبر معابر القطاع. أما في الضفة فقد لجأت الحركة إلى الصيارفة لتحويل الأموال، بالإضافة إلى شبكتها التجارية.

وتتعدد الطرق التي تسلكها حماس لإدخال أموال ضمنها إدخالها عن طريق نساء مسافرات، كما قال مصدر أمني كبير لـ«الشرق الأوسط». ورغم شراسة الحرب، ما زالت السلطة الفلسطينية تكتشف بين فترة وأخرى، ملايين الدولارات في ملكية حماس.

على صعيد آخر، أبدى عدد من رؤساء المجالس المحلية في جنوب إسرائيل مخاوفهم من إمكانية العودة إلى الأوضاع التي سبقت الحرب الأخيرة على قطاع غزة، سيما مع تزايد عدد الصواريخ التي تطلق من القطاع نحو إسرائيل.

ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن رئيس بلدية سديروت، التي كانت أكثر البلدات الإسرائيلية تعرضا لإطلاق الصواريخ قبيل وأثناء الحرب، قوله: «مع أنه لا يوجد ثمة إنذارات مسبقة، لكنني، والسكان في المدينة، لدينا إحساس أننا مقبلون على فترة سيتم خلالها إطلاق الكثير من الصواريخ علينا».

وأضاف: «هذه حقا ليست نيران مكثفة، ولكن قذائف الهاون والصواريخ تقترب شيئا فشيئا من الأماكن السكانية داخل المدن، وأنا آمل أن يعود الهدوء مجددا إلى المنطقة».

وزاد قائلا: «في الشهر الذي تلا الحرب على القطاع كانت هناك نيران متفرقة بسيطة، ولمرة في الشهر، ولكنها الآن أصبحت روتينا يوميا، ونحن بالطبع مستمرون في الاعتماد على الجيش، وأنا آمل أن يبدي المستوى السياسي رأيه في ذلك بهدف تطوير ما تم تدميره، وهذا التطوير بحاجة لهدوء، ويجب أن يكون هناك رد على هذه الصواريخ».

وكان قائد قوات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، الجنرال ايال ايزنبيرغ قد حذر من مغبة قيام حركة حماس بتفجير الأوضاع في حال شعرت أنها تسير عكس مصالحها.

وأشار إلى أن حركة حماس معنية بتهريب سلاح يخرق التوازن الاستراتيجي القائم حاليا، وتحسبا لاندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل. وتوقع ايزنبيرغ أن تنجح حماس في قصف تل أبيب في جولات المواجهة المقبلة.