اختراق القاعدة

بن لادن وقياداته معزولون وغير قادرين على شن هجمات مؤثرة

TT

يقول المسؤولون في الولايات المتحدة والاستخبارات الدولية، إن النجاح في زرع عملاء الاستخبارات داخل شبكة القاعدة، وزيادة الهجمات الجوية التي تستهدف مواقع محددة، بالإضافة إلى زيادة مساعدة الدولة المتعاونة، قد ساهمت إلى حد كبير في تقليل فعالية المنظمة الإرهابية.

ويقول مسؤول أميركي في مكافحة الإرهاب، إن تلك النجاحات قد أدت إلى مقتل أكثر من اثني عشر شخصا من قادة تنظيم القاعدة والمجموعات المتحالفة معه في باكستان، وبعض الأماكن الأخرى خلال العام الماضي، ـ معظمهم قتل خلال 2009. وقد وصف المسؤولون أسامة بن لادن وقياداته بأنهم معزولون وغير قادرين على شن هجمات مؤثرة.

وقد أصبحت المزاعم الأخيرة بتحقيق نجاح قوي في مواجهة تنظيم القاعدة جزءا من حجج البيت الأبيض في الدفاع عن الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، التي ترتكز على الطلب الذي قدمه الجنرال ستانلي ماكريستال، القائد الأعلى للقوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي هناك، بشن حملة موسعة لمواجهة التمرد، تتطلب زيادة القوات الأميركية. وقد بدأت المناقشات يوم الثلاثاء عندما التقى مسؤولون بارزون من الأمن القومي ومسؤولون عسكريون الرئيس أوباما.

وحتى هؤلاء الأشخاص في إدارة بوش، الذين كانوا يقترحون تقليل العمليات القتالية الأميركية واسعة النطاق في أفغانستان، بمن فيهم بايدن نائب الرئيس، قد أشاروا إلى أن الإنجازات التي حققتها جهود مكافحة الإرهاب، ترجح إمكانية تحقيق هدف أوباما الرئيسي ـ القضاء على القاعدة ـ من دون إرسال المزيد من القوات إلى هناك. ويقال إن أهم الأسلحة الموجودة في ترسانة الأسلحة الغربية حاليا، هو تمكنهم من زرع العملاء داخل تنظيم القاعدة والتنظيمات التابعة لها، وهو الهدف الذي كانوا يسعون دائما وراءه. يقول ريتشارد باريت، رئيس مجموعة مراقبة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، بالأمم المتحدة يوم الخميس: «لقد بدأ استخدام الموارد البشرية يسفر عن نتائج». يذكر أن باريت هو الرئيس السابق لعمليات مكافحة الإرهاب الخارجية لبريطانيا.

وقد أكد مسؤولون أميركيون بارزون سابقون وحاليون تحدثوا حول الأمور المتعلقة بالاستخبارات ـ شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم ـ ما أطلق عليه أحد المسؤولين السابقين بالاستخبارات الأميركية «اختراقنا للقاعدة». ويقول مسؤول بارز بالإدارة إننا استطعنا تحقيق النجاح «لأننا لدينا قدرات استخباراتية قوية؛ فيمكننا رصد الأشخاص التابعين لتنظيم القاعدة والتعرف عليهم».

وقد أشار دينيس بلير، مدير الاستخبارات القومية، باختصار في أحد لقاءاته مع الصحافيين في بداية الشهر الجاري إلى استخدام العملاء قائلا: «إن الطريقة الرئيسية» التي تحدد من خلالها الاستخبارات الأميركية أي المجموعات الإرهابية تشكل تهديدا بالنسبة لها من خلال «اختراقها لمعرفة ما إذا كانوا يخططون لشن هجمات ضد الولايات المتحدة». وقد قال باريت يوم الثلاثاء، في خطاب أمام معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن القاعدة «تفقد مصداقيتها» بين المؤيدين المحتملين، كما أنها تفقد احتمالية تجنيد المزيد نظرا لأن عملياتها الأخيرة «لم ترعب الناس» كما أنها «لم تصل إلى مستوى هجمات11/9». وأضاف أنه بعد مرور عدة أعوام على هجمات 2001، « لم تستطع القاعدة فعليا التواصل مع الأجيال الجديدة» من الشباب المسلم غير الملمين بالأحداث الجارية، الذين ليس لديهم اهتمام بالغ بالدين.

وأضاف أنه في ظل الجهود الغربية، تضاءل تهديد القاعدة لأن «تقنياتنا» مثل التنصت، والمراقبة بالطائرات «قد تطورت إلى حد كبير. وفي الوقت الذي أصبح لدينا عملاء استخبارات أفضل، تضاءل عدد الكوادر المؤهلة لديهم».

وتختلف ملاحظات باريت مع التقييمات التي قدمها في يوليو (تموز) الماضي، عندما حذر، في لقاء مع راديو الأمم المتحدة، من الوصول لحالة الرضا في المعركة ضد الإرهاب، وركز على جهود القاعدة في التسلل للبلدان الغربية بدلا من الاختراق الغربي للمنظمات الإرهابية.

ويقول المسؤول البارز بالإدارة الأميركية، إن شن المزيد من الهجمات الصاروخية على القادة الإرهابيين في معاقلهم الحصينة بالجبال الباكستانية، وغيرها من الأماكن كان ناجحا للغاية، وساعد إلى حد كبير في تجنب إصابة المدنيين، وهو ما كان يشيع حالة من العداء لأميركا قبل ذلك. وقد تم شن حوالي 39 هجمة من تلك الهجمات بين يناير (كانون الثاني)، ومنتصف سبتمبر (أيلول)، وفقا للتقارير الإخبارية مقارنة بـ36 هجمة في ظل إدارة بوش 2008.

من ناحية أخرى، أشار المسؤول إلى أن «النجاح الذي تم تحقيقه في أماكن أخرى»، خاصة في الصومال، حيث شنت القوات الخاصة الأميركية غارة خلال الشهر الجاري ـ بالمروحيات التي انطلقت من سفينة تابعة للبحرية الأميركية ـ تضمن هبوطا بريا غير مسبوق لاستعادة جثث أربعة إرهابيين تم قتلهم، وكان بينهم هدف الهجوم وهو صالح علي نبهان قائد مجموعة «الشباب» الصومالية المتمردة، التي يعتقد بمشاركتها في عمليات التفجير التي نفذتها القاعدة في 1998، والتي استهدفت سفارتين أميركيتين في أفريقية.

وأضاف المسؤول بالإدارة: «أحد الأشياء التي كنا نحاول القيام بها، هي أن تكون لدينا قدرة أعلى على تحديد الأهداف، وأن نكون أكثر حرصا على ألا نشن هجمات عشوائية، وألا تتضمن العمليات أي نوع من الأضرار الشاملة. فنحن نحاول أن نحل تلك المشكلات من دون خلق المزيد منها».

وقد أقر المسؤول بأن مثل تلك العملية كانت أسهل إلى حد كبير في الصومال ـ التي ليست لديها حكومة فاعلة ـ من أماكن أخرى مثل باكستان. مضيفا: «لكنني لا أريد أن أعطي انطباعا أنهم كانوا سببا في وجود العملاء الأميركيين». لكنه أكد أن الحكومات الأخرى والخدمات الاستخباراتية «كانت أكثر انفتاحا على التعاون مع واشنطن نظرا للصورة الجديدة التي قدمها» أوباما. «وأنا لا أريد انتقاد الإدارة السابقة لأنهم كانوا يسعون وراء نفس الأهداف». و«لكن التعاون الوثيق مع الأميركيين في ذلك الوقت أساء إليهم». ويضيف المسؤول: «إذا كثفت الولايات المتحدة مشاركتها في أنشطة معينة سواء كانت برية، أو جوية، أو بحرية، فإن ذلك يتطلب التعاون مع بلدان معينة. وخلال الشهور التسعة الأخيرة، كانت البيئة مؤهلة تماما للتعاون».

وقد سافر مستشار الرئيس أوباما الرئيسي لمكافحة الإرهاب، والمسؤول السابق بالاستخبارات الأميركية، جون أو برينان، إلى المملكة العربية السعودية مرتين خلال العام الجاري، بالإضافة إلى عدة زيارات أخرى قام بها مسؤولون أميركيون إلى باكستان. وما زال لدى الإدارة الأميركية مخاوف بشأن «مد القاعدة لنفوذها»، خاصة إلى شمال أفريقيا، حيث يبدو أن تنظيم القاعدة ما زال قادرا على إحداث بعض المفاجآت. وقد أشار باريت خصيصا إلى هجمة انتحارية فاشلة خلال الشهر الماضي ضد مسؤول سعودي بارز، هو الأمير محمد بن نايف؛ حيث كان يحمل المفجر متفجرات لا يمكن رصدها داخل ما وصفته الاستخبارات الدولية «ستراتفور»، ـ والتي أعلنت في البداية عن ذلك الهجوم غير المسبوق ـ «تجويف المستقيم». ويعتقد أن القنبلة كانت تعمل بعد تلقيها لإشارة من هاتف جوال، لكن الشخص الوحيد الذي قتل في ذلك الهجوم كان هو الانتحاري، الذي يدعى عبد الله حسن طالع عسيري، وهو واحد ضمن 85 مسلحا مطلوبين في المملكة العربية السعودية، وموضوعين على قائمة الدولة لمناقشة العفو الحكومي عنهم. ويضيف باريت: «إن هذا الجهاز مصمم لكي يثير الرعب في قلوبنا جميعا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»