إسرائيل تتجه لتشكيل لجنة تحقيق في الحرب على غزة.. و«بي إس سي» تتهم الخارجية البريطانية بإنقاذ باراك من الاعتقال

في خطوة تستهدف تفادي اعتقال قادتها السياسيين والعسكريين في الغرب

TT

بعد أن نجا وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، من الاعتقال في لندن، أول من أمس، بات من شبه المؤكد أن تعلن الحكومة الإسرائيلية عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية تحقق في الشكاوى الفلسطينية بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب العدوانية على قطاع غزة في نهاية السنة الماضية ومطلع السنة الحالية.

فحسب القانون الدولي وميثاق جنيف، يمكن محاكمة مجرمي الحرب فقط في غياب إجراءات قضائية نزيهة في بلدانهم. فإذا أجرت إسرائيل تحقيقا قضائيا يوافق المراقبون الدوليون على اعتباره نزيها، يصبح ممكنا التوقف عن مطاردة المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين في فترة تلك الحرب.

ولهذا، فإن إيهود باراك اقترح، وهو ما زال في بريطانيا، أمس، أن تقام لجنة تحقيق قضائية رسمية في ممارسات الحرب، برئاسة القاضي أهرون باراك، الذي شغل منصب رئيس محكمة العدل العليا الإسرائيلية طوال 13 سنة ويعتبر شخصية قضائية مرموقة في العالم الغربي. واليمين الإسرائيلي يهاجمه عادة بسبب أحكامه الحازمة ضد دوس حقوق الإنسان الفلسطيني في إسرائيل. وبعد أن غادر كرسي القضاء، وجه انتقادات ذاتية لاذعة قال فيها إن القضاء الإسرائيلي برئاسته، لم يكن حازما بما فيه الكفاية إزاء دوس إسرائيل على حقوق الإنسان الفلسطيني وإزاء الممارسات الاحتلالية البشعة.

وأجمع خبراء الشؤون القضائية الإسرائيليون، أمس، على أن إقامة لجنة تحقيق رسمية هي السبيل الوحيد لمنع المطاردات القضائية في حق المسؤولين الإسرائيليين.

يذكر أنه بعد نشر تقرير القاضي اليهودي الجنوب أفريقي، ريتشارد غولدستون، حول الحرب على غزة وإدانته الصريحة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب فظيعة ضد الفلسطينيين وإصراره على ضرورة محاكمة القادة الإسرائيليين المتورطين في هذه الجرائم، هو الذي أثار هذا النقاش مؤخرا.

وزاد من حدة النقاش ما جرى في لندن، أول من أمس، حيث تقدم 16 فلسطينيا بطلب إلى المحكمة باعتقال باراك للتحقيق معه في جرائم الحرب في غزة بصفته وزير الدفاع الذي أدار هذه الحرب. وانتهت قضية باراك عندما أعلنت النيابة البريطانية أنه يتمتع بحصانة دبلوماسية بوصفه نائبا لرئيس الوزراء في إسرائيل يقوم بمهمة رسمية في بريطانيا.

لكن حملة التضامن مع فلسطين «بي إس سي» في بريطانيا التي تقود، إلى جانب جمعيات أخرى منها جمعيات برلمانية ونقابات عمالية متعاطفة مع قضية الشعب الفلسطيني، وزارة الخارجية البريطانية بإنقاذ باراك من اعتقال محتم، وذلك من خلال رفع مستوى زيارته من زائر خاص إلى زائر يتمتع بالحماية الدبلوماسية.

ومثل باراك في هذه القضية كلير موتغمري، المحامية التي دافعت عن الطاغية التشيلي الراحل، أغوستو بينوشيه، ضد طلب للحكومة البريطانية بترحيله إلى إسبانيا. وحسب بيان أصدرته لجنة التضامن فإن القاضية التي نظرت في الطلب، دافني ويكام، احتاجت لثمان ساعات لاتخاذ قرارها، مؤكدة أن اتهامات جرائم الحرب الموجهة إلى باراك، موثقة جيدة.

وقال بيتي هانتر، رئيس لجنة التضامن التي قادت مظاهرة أمام مقر مؤتمر حزب العمال البريطاني بمشاركة نواب، إن وزارة الخارجية البريطانية تخذل مرة أخرى الشعب الفلسطيني من خلال السماح لباراك بالتهرب من مسؤوليته عن جرائم حرب، وذلك بتقديم وثيقة إلى القاضية، تمنحه وضع الزائر ذي الوضع الخاص.

يذكر أن هذه ليست المرة الأخرى التي ترفع فيها قضايا ضد مسؤولين عسكريين إسرائيليين في بريطانيا. فقد أصدرت محكمة بريطانية، أمرا باعتقال الجنرال الإسرائيلي، دورون ألموغ، عام 2005 وهو في الطائرة من تل أبيب إلى لندن. وتسرب الأمر إلى السفير الإسرائيلي في بريطانيا، يومها، فهرع إلى مطار هيثرو في لندن، وعندما حطت الطائرة على أرض المطار، صعد السفير إليها وأبلغ ألموغ بالأمر وطلب منه أن لا يغادر الطائرة وأن يعود على متنها إلى إسرائيل حال إقلاعها. وبهذه الطريقة نجا من الاعتقال.

وتعتبر بريطانيا من الدول الخطرة على مجرمي الحرب، بحكم التزامها بميثاق جنيف لحقوق الإنسان. فهي حولت بنود هذا الميثاق إلى جزء من القانون البريطاني، منذ سنة 1957. وبفضل هذا، أصبح بمقدور كل إنسان، حتى لو لم يكن بريطانيا، أن يتقدم إلى المحكمة طالبا التحقيق مع مشتبهين بارتكاب جرائم حرب في أي مكان في العالم. ومثل هذا الوضع قائم في عدد قليل من دول الغرب، ولكنه في بريطانيا أكثر حزما.