وزارة الاتصالات اللبنانية «تمنع» ولادة الحكومة بعد 4 أشهر على الانتخابات

باسيل لـ«الشرق الأوسط»: أعطينا الدولة عضلات للتنصت لكنهم يريدون استعمالها ضد «الأوادم»

الوزير جبران باسيل (أ.ف.ب)
TT

منذ اشتعلت «حرب بيروت والجبل» في 7 مايو (أيار) 2008، كانت وزارة الاتصالات اللبنانية في الواجهة. فالسبب المباشر لإعلان «الحرب» كان إعلان الحكومة الحرب على «سلاح الإشارة» التابع لحزب الله، أي شبكة اتصالاته الهاتفية التي اعتبرتها الحكومة في بيانها الشهير «غير شرعية»، فكان الرد عملية عسكرية استهدفت الموالاة في بيروت والجبل انتهت بالتراجع عن القرار وانتقال القادة اللبنانيين إلى قطر وتوصلهم إلى «اتفاق الدوحة»، فكانت وزارة الاتصالات من نصيب «التيار الوطني الحر» حليف حزب الله الأبرز، ولا تزال. وتحولت وزارة الاتصالات، ووزيرها جبران باسيل، بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، إلى عنوان جديد للأزمة الحكومية في لبنان، مما منع الرئيس المكلف تأليف الحكومة من إعلان تشكيلته بسبب رفعه شعار «عدم توزير الراسبين في الانتخابات» بالإشارة إلى باسيل، بالإضافة إلى عدم قبوله إسناد وزارة الاتصالات إلى المعارضة، وهو ما تمسك بعكسه العماد ميشال عون، فكانت النتيجة أن لا حكومة في لبنان بعد مرور نحو 4 أشهر على الانتخابات.

يرفض باسيل اعتبار نفسه «عقدة»، فهو يرى أن «الإصرار على عدم إعطائه وزارة الاتصالات «يرتبط بإصرار العماد عون والمعارضة عليه»، معتبرا أن المطلوب هو «إسقاط هيبة العماد عون، ولن يكسروا هيبتنا وإرادتنا وطريقة عملنا». ألم تكن أنت «الوزير العقدة؟»، يجيب: «أنا مثلت هذه الهيبة من خلال ممارستي ورفضي للإغراءات والتهديدات التي مورست ضدي». ويضيف: «وزارة الاتصالات ترمز إلى أمر مهم جدا في الأمن والمال، ومن هذا المنطلق أقول إن الناس الذين غشّوا الوزير وليد جنبلاط بالأمن، قبل أن يكتشفهم ويبدأ تعديل مواقفه، هم أنفسهم يغشّون النائب سعد الحريري الآن، وسيكتشفهم».

ويعدد النائب عقاب صقر القريب من الرئيس المكلف سعد الحريري «أسباب مطالبة الأكثرية بوزارة الاتصالات»، مشيرا إلى «أهميتها في ملف أمني يتعلق بتعقب مكالمات كل اللبنانيين واعتراضها، وثانيا لتسهيل عمل المحكمة الدولية وتزويدها بالمعلومات دون تباطؤ كما لتزويد الأجهزة الأمنية عن كل المعلومات عن الشبكات»، معتبرا أن الحريري «يحمل مشروعا لهذه الوزارة يشكل صدمة إيجابية لبنانية».

وعن أسباب مطالبة المعارضة بوزارة الاتصالات يقول صقر: «على المستوى الأمني مَن تعقب اتصال صلاح عز الدين عندما عاد إلى لبنان؟ وأي جهاز أمني تلقى الاعتراض لاتصالاته؟». وعز الدين هو رجل أعمال وُقف منذ نحو شهر في لبنان بتهمة إساءة الأمانة، ومن بين المدّعين عليه أحد نواب حزب الله حسين الحاج حسن. ويضيف صقر: «لقد تم اعتراض اتصاله في وزارة الاتصالات ولم يمر اعتراض الاتصال في أي جهاز أمني لبناني ولم يتم القبض على عز الدين من الأجهزة الأمنية. ولماذا من اعترض الاتصال لم يعطه للدولة اللبنانية؟».

وفي المقابل يقول باسيل: «القضية ليست وزارة الاتصالات، فكلما أردنا وزارة ما أصبحت عزيزة على قلوبهم ويتمسكون بها. أما وزارة الاتصالات فهي موضوع ذو شقين: ماليّ وأمني. وفي الشق الأول هناك أولا المافيات الصغيرة التي تتمتع بأغطية سياسية صغيرة يتفاوت حجمها بتفاوت المبالغ المستوفاة، وهذه كلها متضررة منا، فقسم منها وُقف وقسم آخر مهدَّد بالتوقف وثالث على طريق التوقيف. وهناك المافيا الكبيرة التي تجفف كل موارد الدولة، وأبرزها قطاع الاتصالات سواء في الهاتف الثابت أو الجوال أو الإنترنت. نحن نقلنا القطاع من التدهور إلى قطاع ناجح له إمكانات، وبالتالي ارتفعت قيمته المالية بشكل كبير أصبح معه اللبناني يعيد التفكير في موضوع بيعه، وإذا باعه فبأي ثمن؟ وهذا أمر معاكس للفكرة التي كانت قائمة بضرورة التخلص من هذا القطاع بأي ثمن، والمشتري موجود، والصفقة كذلك، وكل ما يحتاجه الأمر الظرف المناسب».

ويضيف: «أما الجزء الأمني فهو بسيط جدا، فوزير الاتصالات يستطيع أن يشتغل بالأمن، أو بالقانون. فإذا أراد العمل أمنيا، يمكنه أن يترك حبل القطاع على غاربه، حيث القرصنة قائمة، رسمية وغير رسمية. فيمكن أن تكون هناك أجهزة أمنية رسمية تمارس التنصت غير الشرعي، وأن يكون هناك أجهزة غير شرعية تمارس التنصت غير الشرعي. إذا تركت الوضع على ما هو عليه يكون الوزير يؤمّن الغطاء لما يجري، وهذا ما كان يحصل، وأنا قدمت بشأنه ملفات إلى التفتيش القضائي والتفتيش المركزي».

متى كانت تحصل هذه «التجاوزات»؟ يجيب: «في المرحلة السابقة، تحديدا تطورت بعد عام 2005». ويقول: «هذا لا يعني أنه قبل ذلك التاريخ لم يكن أي تنصت رسمي وغير رسمي، لكن المؤكد أنه بعد عام 2005 تطورت وحصلت على غطاء سياسي». ويتابع: «لو اقتصر الأمر على الجانب الأمني، لكان الأمر مفهوما إلى حد ما. لكن هذا الوضع تطور إلى الجوانب السياسية والشخصية أيضا، بالاعتداء على خصوصيات الناس. أما في حالتي أنا، فالوزير قرر أن يعمل تحت سقف القانون، ومن اليوم الأول رفعت الصوت بكتب رسمية ورفعت الأمر إلى مجلس الوزراء، واستطعنا أن ننشئ مركزا للتنصت هو الأول من نوعه في لبنان حيث تستطيع الدولة أن تمارس التنصت الشرعي والفعال، وهذا أهم إنجازاتي في الوزارة».

ويضيف: «لقد أعطت الذراع الأمنية للدولة عضلات حقيقية تستطيع من خلالها أن تمارس التنصت الشرعي وفق القوانين المرعية. ففي هذا المركز تستطيع الأجهزة المعنية أن تقوم بالوصول إلى أي رقم في أي لحظة لمعرفة مكان وجود صاحبه وفحوى المكالمة، وهذا التنصت يشمل الهاتف الثابت والجوال والإنترنت جزئيا. هذا المركز هو لتقوية الدولة، فحزب الله والأجهزة غير الرسمية لا تستطيع الدخول إليه والإفادة منه. هذا المركز بإدارة وزير الداخلية، لا بإدارتي. ودور وزارتي تقني فقط. فلم يعد بإمكان أي قاضٍ أو شرطي الدخول إلى شركات الهاتف والحصول على معلومات، لكن بإمكان مرجعيتهم السياسية تقديم طلب وفق الأصول يتم تنفيذه. لا يريدون إعطاءنا الوزارة لأنهم يريدون أن يبقى حبل الأمور على غاربها، فهذه وسيلة ابتزاز سياسي وغير سياسي... الأمور لم تنجز بالكامل بعد، وهي تحتاج إلى مزيد من العمل وإلى حسن إدارة، لكن الأساس أصبح موجودا، وإذا تم التعاون معنا لاحقا فبإمكاننا تحقيق الكثير، فلماذا يجب أن تبقى الأمور على هذا النحو؟».

ماذا عن التنصت غير الرسمي؟ يعترف الوزير باسيل بصعوبة كشف وضبط مثل هذا التنصت، لكنه يعتبر أن «وضع الضوابط من شأنه أن يكشف كل ما هو شاذ». ويقول: «التنصت غير الرسمي يتم عبر الهواء، يمكن أن يكون عبر البحر والأقمار الصناعية والدول المجاورة، وهناك من يمارس التنصت على الأرض اللبنانية دون هوائي ومن مركز غير ثابت. إذا كانت الدولة جامدة، فيمكن أن تضبط الأمور وأن تحد من الممارسات غير الشرعية، إذا كان منعها كليا غير متاح».

ماذا عن كلام عون عن تقارير كانت ترسل إلى السفارات؟ يجيب: «هذا صحيح»، مشيرا إلى تقارير تنصت كانت ترسل إلى سفارات رفض تسميتها، مكتفيا بالقول إنها «سفارات غربية»، وردا على سؤال عما إذا كانت السفارة الأميركية من بين السفارات التي تتلقى التقارير، يجيب باسيل: «قصدت أن لا أحدد. لكن ربما بعض السفارات لا تحتاج إلى تقاريرنا فلديها وسائلها الأقوى بكثير من وسائلنا». كيف تم اكتشافها؟ يقول: «الموضوع ليس كيفية اكتشافها، لكن بمجرد أن الأجهزة الأمنية الرسمية لا تزال حتى اليوم تحاول الدخول إلى الشركات بطريقة غير شرعية فهذا يعني وجود غايات غير شريفة. فكيف لو كانت الأمور متروكة؟». وردا على ما يقال من أن التمسك بهذه الوزارة هو من حزب الله تحديدا، يقول إن الحزب «حمى شبكة اتصالاته بيديه ومن دون (جميلة) من أحد عندما كانت وزارة الاتصالات في يد الموالاة». ويضيف: «شبكة الحزب لا تتداخل مع الشبكة الرسمية وجهاز المقاومة الأمني يؤمن حمايتها كما يؤمن حماية قادة المقاومة». ويلفت إلى أن «الحزب يقبل الآن أن تذهب وزارة الدفاع إلى إلياس المر لأن وزارة الدفاع لا تهدد أمن السيد نصر الله، ومن المنظار نفسه هو غير معنيّ بوزارة الاتصالات».

ويخلص إلى القول إنه «إذا كان أمن السيد نصر الله مرتبطا بإحدى وزارتي الدفاع أو الداخلية، فإن أمن شبكة اتصالات الحزب يرتبط بوزارة الاتصالات». ويشدد باسيل على أنه لم يمارس «أي حماية لأي شيء غير شرعي، لأي كان، بمن في ذلك حزب الله». ويضيف: «ألم يكن يقال إن الاتصالات الدولية غير الشرعية تعود إلى حزب الله؟ فلماذا أشنّ إذن هذه الحملة العنيفة والمرشحة للتصاعد على التخابر غير الشرعي؟».