واشنطن تعطي إيران 3 أشهر للتعاون.. وفشل الحوار قد يفتح الطريق لضربة «جراحية»

طهران تشكو للأمم المتحدة اختفاء عالمين نوويين إيرانيين أحدهما في السعودية والآخر في تركيا.. وحرب الاستخبارات تنتقل من دبي إلى ماليزيا

سعيد جليلي خلال مؤتمر صحافي في مطار طهران أمس (رويترز)
TT

من سرّب معلومات بناء إيران لموقع نووي لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض في قاعدة عسكرية للحرس الثوري الإيراني في مدينة «قم»؟ ليست هناك إجابة مؤكدة. لكن الجلسة العصبية بين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في نيويورك، ليل أول من أمس، ربما تشير إلى شكوك إيرانية في استخدام علماء نوويين إيرانيين اختفوا بحسب التفسير الإيراني (أو فروا طلبا للجوء السياسي في بلدان أخرى بحسب الاستخبارات الغربية) في السنوات القليلة الماضية خلال رحلات سفر خارجية لهم، ومن بينهم عالمان نوويان أحدهما اختفى خلال زيارة عمل إلى تركيا عام 2007 والآخر اختفى خلال أداء العمرة في السعودية عام 2009. وكانت إيران قد طلبت عقد جلسة ثانية مع الأمين العام للأمم المتحدة بعد الجلسة التي عقدها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مع بان كي مون واستغرقت نحو 3 ساعات يوم كشف الرئيس الأميركي باراك أوباما عن المنشأة الإيرانية الجديدة في قم، حيث شكت إيران للأمم المتحدة «من استغلال بعض الدول لمنصة الأمم المتحدة للإساءة إلى إيران واتهامها باتهامات لا أساس لها من الصحة» بحسب ما قال مصدر في الوفد الإيراني لـ«الشرق الأوسط»، موضحا «قال الرئيس أحمدي نجاد للأمين العام إن استغلال الأمم المتحدة بهذه الطريقة ولأغراض سياسية مكشوفة أحد الأسباب التي دعت إيران دائما إلى إصلاح نظام الأمم المتحدة ومجلس الأمن».

ولم يكن متقي أقل حدة خلال لقائه بان كي مون أول من أمس، موضحا أن إيران لديها شكوى دولية تتمثل في اختفاء 4 إيرانيين تعتقد طهران أنهم إما في السجون الأميركية أو مروا عبر السلطات الأميركية خلال نقلهم لبلد آخر. وتحدث متقى عن شهرام أميري وهو عالم فيزياء نووي إيراني اختفى خلال أدائه العمرة في السعودية في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) 2009. كما تحدث متقي عن حالة علي رضا أصغري نائب وزير الدفاع الإيراني وأحد القادة البارزين بالحرس الثوري الذي اختفى في تركيا قبل عامين وحتى الآن لم يعثر له على أثر وإن كان يعتقد أنه في دولة أوروبية بهوية جديدة. كذلك أشار وزير الخارجية الإيراني إلى اختفاء رجل أعمال إيراني اعتقل في جورجيا ويدعى أردبيلي. أما الشخصية الرابعة التي طرحتها إيران أمام بان كي مون فهو نصرالله طاجيك، وهو دبلوماسي إيراني سابق يعيش في بريطانيا اتهم بمحاولة تهريب معدات للرؤية الليلية إلى إيران. وبينما تعتقد إيران أن شهرام أميري وعلي رضا أصغري اختطفا بشكل قسري، فإن تقارير أخرى تتحدث عن هروبهما وطلبهما للجوء السياسي، ثم تغيير هويتيهما خوفا من ملاحقات إيرانية. ويعتقد بشكل خاص أن الجنرال أصغري كان مصدرا للاستخبارات الغربية حول الحرس الثوري الإيراني وأنشطته، والبرنامج النووي الإيراني الذي يديره ويشرف عليه الحرس الثوري. وانتقد متقي بشدة موقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لانتقاده إيران بعد الكشف عن منشأة قم، حيث قال بان كي مون «كان ينبغي على الإيرانيين إبلاغ وكالة الطاقة الذرية منذ زمن بعيد، وليس فقط عندما تكون المنشأة على وشك الاكتمال. هذه مسألة تتعلق بالشفافية». وتابع بان كي مون بعد لقائه متقي «قرارات مجلس الأمن تلزم إيران بالكشف عن أي منشآت نووية عندما يبدأ البناء». وقال مسؤول رفيع بالأمم المتحدة إن بان كي مون قال لوزير الخارجية الإيراني خلال اجتماعهما «لو كنتم دولة طبيعية، لكنتم أعلنتم عن المنشأة قبل البدء في تشييدها. لهذا هناك قرارات عقوبات من مجلس الأمن بحقكم. لأنكم تحاولون أن تخفوا أنشطتكم».

وألقى الأمين العام للأمم المتحدة بالكرة في الملعب الإيراني، موضحا أنه يعود لإيران أن تثبت أن برنامجها النووي لا ينطوي على بُعد عسكري. ودعا إيران إلى «احترام قرارات مجلس الأمن الدولي المتصلة ببرنامجها النووي». وتابع كي مون «على إيران التزام الشفافية في موضوع مصنعها الثاني لتخصيب اليورانيوم الذي كشف أمره أخيرا»، وأضاف أنه «دافع عن موقفه هذا أمام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال لقائهما الأسبوع الماضي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة»، وأشار إلى أنه «دعا أحمدي نجاد لفتح المنشأة الجديدة أمام عمليات تفتيش سريعة وتامة». فيما قال وزير الخارجية الإيراني في تصريحات للصحافيين في نيويورك إن المفاوضات النووية «لا يجب أن تكون قائمة طويلة من الطلبات الغربية حول الملف النووي»، مكررا أن المفاوضات يجب أن تشمل النظام العالمي والتجارة الدولية والوضع الإقليمي ونزع التسلح، موزعا خطابا على عدد من السفراء يتضمن مطالب إيران من اجتماع جنيف اليوم ومن بين تلك القضايا إصلاح مجلس الأمن وتسوية في الشرق الأوسط، إلا أنه كان لافتا شكواه الخاصة باختفاء العلماء النوويين الإيرانيين. وهذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها إيران ذلك الموضوع الحساس أمام الأمم المتحدة. وقد دشنت الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2005 برنامجا تحت عنوان «تجفيف العقول» مخصص لتعقب العلماء النوويين الإيرانيين وإقناعهم بالهجرة للغرب والتعاون لمد الاستخبارات الغربية بمعلومات حول البرنامج النووي الإيراني. وفيما لا تكشف الاستخبارات الأميركية عن مسار برنامجها، إلا أنه بعد اختفاء نائب وزير الدفاع الإيراني والمسؤول بالحرس الثوري علي رضا أصغري توصلت الاستخبارات الأميركية لمعلومات حساسة حول برنامج إيران النووي. من بينها معلومات استقيت من أجهزة كمبيوتر إيرانية تشير إلى أن طهران أوقفت جانبا عسكريا من برنامجها النووي. ثم معلومات أخرى أكثر حساسية خرجت للعلن عام 2008 تتحدث عن رسوم ومخطوطات إيرانية لتطوير رأس نووي، وهى الوثائق التي وصلت للاستخبارات الأميركية وطلبت وكالة الطاقة الذرية في فيينا من طهران إيضاحها. إلا أن إيران ردت بأن الوثائق مزورة، وهو ما دفع الدول الغربية إلى الحفر أعمق في برنامج إيران النووي. أما آخر الاكتشافات فهي منشأة قم لتخصيب اليورانيوم التي قال خبراء نوويون لـ«الشرق الأوسط» بينهم جاكلين شير الباحثة في معهد الأمن الدولي في واشنطن والمتخصصة في الملف الإيراني، إنه لا يمكن الكشف عنها بدون عنصر «استخبارات بشري» بسبب صعوبة التقاط الأقمار الاصطناعية للأنشطة تحت الأرض. ويعتقد مسؤولون إيرانيون أن اختفاء نائب وزير الدفاع الإيراني علي رضا أصغري في تركيا سهل «نقل معلومات حساسة» للغرب حول الأنشطة الإيرانية، إلا أنهم يعتقدون أن أصغري خُطف خلال زيارة عمل ويطالبون الدول المعنية بالكشف عن مصيره. لكن مصادر استخباراتية غربية قالت سابقا إن أصغري فر بمحض إرادته وإنه يعيش بهوية جديدة في أوروبا وإنه تعاون مع أجهزة استخبارات غربية. أما الشخصية الثانية التي ما زالت ملابسات اختفائها غامضة فهي شهرام أميري. وهو عالم نووي متخصص في الفيزياء النووية ويعمل في جامعة خاصة في طهران تدار وتتبع للحرس الثوري الإيراني مباشرة وتخصصها هو العلوم الفيزيائية والفلكية. وعندما نشرت وسائل الإعلام الإيرانية أنباء اختفائه لوحظ تباينات في موعد الاختفاء، ففيما قالت «طهران تايمز» إنه اختفى في 31 مايو (أيار) 2009، قال «برس تى.في» إنه اختفى في يونيو (حزيران). أما الشخصية الثالثة التي تعرف باسم أردبيلي، فهو رجل أعمال إيراني يعتقد أنه على علاقة بالحرس الثوري كان في جورجيا في مهمة شراء معدات عسكرية واعتقل هناك وما زال قيد التحقيق. أما الدبلوماسي الإيراني نصر الله طاجيك فقد أوقعه عنصران بـ«إف.بي.آي» عام 2006 عندما أقنعاه أنهما تاجرا سلاح واتفقا معه على بيعه معدات للرؤية الليلية بـ50 ألف دولار. وكان الدبلوماسي الإيراني، 53 عاما، الذي عمل سابقا سفيرا لإيران في الأردن يعيش في بريطانيا متقاعدا مع زوجته وأولاده. إلا أن تقارير تحدثت عن أنه لم يكن متقاعدا وكان يدير من لندن برنامجا إيرانيا للتسلح يعمل في عدة دول من بينها بريطانيا وتركيا والإمارات. ويشير طرح متقي لحالة هؤلاء الأربعة إلى قلق إيراني من أن يكون أحدهم هو المصدر أو ساهم في إعطاء معلومات حول الأنشطة الإيرانية النووية وحول منشأة قم. وكان مصدر في الوفد الإيراني تحدث لـ«الشرق الأوسط» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أشار للاستخبارات البريطانية «بشكل تلقائي» في كشف منشأة قم، منتقدا بشدة «انسياق» أميركا في الاتهامات لإيران. وبحسب المصدر الإيراني فإن «بريطانيا دائما يكون لها دور في هذه الألاعيب». يذكر أن الإيرانيين يضعون السفارة البريطانية في طهران تحت مراقبة لصيقة بسبب شكوك في أنها أكثر من أي سفارة أخرى تتحرك على الأرض. كما يشك الإيرانيون في أن معلومات دقيقة بدأت تصل للاستخبارات الغربية حول الأنشطة الإيرانية في دبي والتي أدت أخيرا إلى توقيف شحنة سلاح إيرانية في دبي. وقال خبير نووي قريب من الحكومة الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن الأنشطة الأميركية المتزايدة في دبي أدت إلى بحث إيران عن «نقاط» أخرى يمكن أن تتحرك عبرها. وتابع ذلك الخبير، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته بسبب حساسية المعلومات «الأعين والأنشطة الإيرانية تتجه تدريجيا إلى ماليزيا بسبب التضييق المتزايد على أنشطتهم في دبي. ماليزيا هي المحطة الساخنة الآن».

وكانت تقارير عدة قد تحدثت خلال العامين الماضيين عن فرار علماء نوويين إيرانيين للخارج بسبب معارضتهم للسياسات الداخلية أو عدم ارتياحهم للطريقة التي يدار بها البرنامج النووي الإيراني. وتعرض مسؤولون نوويون مقربون من الإصلاحيين عارضوا طريقة إدارة حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد للملف النووي، للاتهامات بالتجسس للغرب وسجنوا أو فصلوا من مناصبهم، وأبرز الأمثلة هو المفاوض النووي الإيراني البارز حسين موسويان الذي حكم عليه بالسجن عامين عام 2007 بعد اتهامه بالتجسس والإضرار بأمن إيران. وكان موسويان، الذي شغل منصب السفير الإيراني في ألمانيا، اعتقل بسبب اتهامات بـ«الاتصال بعناصر أجنبية ونقل معلومات إليها» وذلك خلال عمله مفاوضا نوويا في حكومة أحمدي نجاد. وقال الادعاء الإيراني إن هناك أدلة على أن موسويان نقل معلومات عن الملف الإيراني إلى مسؤولين غربيين خلال توليه ملف المفاوضات، إلا أن رئيس مجلس الخبراء الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني نفى صحة هذه المعلومات ودافع عن موسويان طالبا إطلاق سراحه، موضحا أن الاتهامات له «سياسية» لإقصائه عن المنصب وتصوير الإصلاحيين كعملاء للغرب. يذكر أن موسويان كان خلال فترة الولاية الثانية للرئيس محمد خاتمي (2001 ـ 2005) الرجل الثاني في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ـ وهو الهيئة الرئيسة المسؤولة عن المفاوضات النووية ـ بعد كبير المفاوضين حسن روحاني، وتربطه علاقات وثيقة مع خاتمي ورفسنجاني. واعتبرت ساعتها قضية موسويان جزءا من صراع داخلي على السلطة بين المعسكر المقرب من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والجناح الإصلاحي المقرب من الرئيسين السابقين خاتمي وأكبر هاشمي رفسنجاني، كما اعتبرت جزءا من الخلافات بين الإصلاحيين والمحافظين على طريقة إدارة ملف التفاوض النووي مع الغرب، وسط اتهامات الإصلاحيين للمحافظين بأن إدارتهم كلفت إيران «3 جولات من العقوبات دون داع». إلى ذلك وبينما تتجه الأنظار إلى اجتماع جنيف اليوم، قالت مصادر أميركية مطلعة إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لا تتوقع «نتائج فورية» من مباحثات اليوم. وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الموضوع «سنضع أمام الإيرانيين اليوم مطالب محددة وسنستمع إليهم. وسيكون أمام الطرفين فرصة 3 أشهر للتعاون وإظهار الرغبة في فتح صفحة جديدة». وأشارت المصادر الأميركية إلى أن الرئيس الأميركي سيكون بنهاية العام الجاري، أي خلال 3 أشهر، قد قيم مستوى التعاون الإيراني والشفافية في الملف النووي. وتابعت المصادر «نحن لدينا تصورات جاهزة لنوع العقوبات إذا لم تتعاون إيران. الرئيس أوباما يريد تقريرا وتقييما من مسؤولي الملف الإيراني قبل نهاية العام. بمعنى أنه سيترك للمفاوضات 3 أشهر كي تظهر لها نتائج محددة. إذا ماطل الإيرانيون، الخيارات الأخرى جاهزة». ويعتقد مسؤولون غربيون أنه إذا فشلت المفاوضات ولم تطمئن إيران المجتمع الدولي حول نواياها النووية وتفتح منشآتها للتفتيش فإن الخيار قد لا يكون قاصرا على عقوبات فقط، بل وحتى ضربة «عسكرية جراحية». وهو الخيار الذي لم تستبعده واشنطن، وتدعمه إسرائيل على أساس أن العقوبات كي توثر على النظام الإيراني تحتاج إلى ما لا يقل عن عام وربما حتى عامين أو ثلاثة أعوام، وهذه فترة تكفي لأن تطور إيران قنبلة نووية لو أرادت. وهناك داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من يلوحون أنهم لن ينتظروا عاما أو عامين حتى يظهر تأثير العقوبات المشددة. فالعقوبات قد تزيد عزلة إيران ومصاعبها الاقتصادية لكنها لن تمنعها عن إنتاج رأس نووي إذا اتخذت القرار بذلك، مشيرين إلى أن كوريا الشمالية طورت سلاحا نوويا تحت الحصار. وبحسب مصادر مطلعة فإن التنسيق الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الغربي حول الملف الإيراني «يتم على أسس يومية» باتصالات تليفونية وتبادل معلومات بشكل متواصل. وقال مسؤول غربي قريب من الملف الإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة «التنسيق يتم على مستويات عليا. والتحرك الإسرائيلي المنفرد خلال الشهرين المقبلين مستبعد لأن هناك قناعة بدأت تتزايد أن إدارة أوباما تتعامل بجدية مع الملف الإيراني وبشدة أكبر من إدارة بوش. إذا فشل الخيار الدبلوماسي بنهاية العام، ستكون كل الخيارات مفتوحة وسيكون هناك توافق عليها».