نصائح الأفغان للأميركيين : فاوضوا طالبان.. وانفقوا الأموال على المحاريث بدلا من السيوف

10% أو أقل من الأموال المخصصة لأفغانستان توجه نحو التنمية المدنية

TT

استعن بنصائح السكان المحليين بدلا من محاولة فرض أفكارك الخاصة على مجتمع قبلي، وقم بدعوة طالبان إلى مائدة التفاوض، واستخدم المؤسسات التقليدية الحاكمة بدلا من بناء نظام حكم جديد، وأنفق المزيد من الأموال على المحاريث بدلا من السيوف.

بهذه النصائح توجه أصحاب المتاجر الأفغان والنساء والعمالة اليومية والمجاهدين السابقين الذين عبروا عن ضجرهم من الدمار الذي شهدوه على مدى ثلاثة عقود من القتال، إلى الأميركيين. كما عبروا عن خشيتهم من تحول الأمور مرة أخرى إلى الأسوأ، حيث ازدادت معدلات العنف وأنفقت الأموال الضخمة دون تحقيق نتائج ملموسة.

وقد قدم الأفغان الذين التقيناهم في المحلات وفي الشوارع نصائح للرئيس الأميركي وحلفائه، بأنه لا توجد هناك ضرورة لأن ترحل لكن من الأفضل أن تكون أكثر وعيا بما أنت بصدده هنا لصالحك وصالحنا.

وقال العديد من الأفغان إنهم رحبوا بوجود القوات الأميركية والناتو الذين رأوا فيهم أكثر لطفا من الجنود السوفييت الذين احتلوا البلاد في الثمانينات. وأعربوا عن خشيتهم من أن يعود الانسحاب السريع للقوات الأجنبية بالبلاد إلى أتون الحرب الأهلية. وأشاروا إلى أن زيادة عدد القوات في أفغانستان لا يشكل بالضرورة الحل للنجاح.

وقال عبيد الله زاهر، بائع الثياب الذي يبلغ من العمر 30 عاما، وهو يقف إلى جوار صف من تماثيل عرض الملابس المزركشة: «أخشى أن طالبان تزداد قوة، كما أخشى أن تغادر القوات الأميركية وتعود الحرب كما كانت».

فيما اقترح محمد عثمان نوابي، شرطي يبلغ من العمر 53 عاما، طريقة أفضل تتمثل في تطوير تسليح وتدريب الجيش والشرطة الأفغانية. وقد كان العامل البشري والتدريب للقوات الأفغانية العناصر الرئيسة للخطة التي بعث بها قائد القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال في أفغانستان إلى الرئيس باراك أوباما.

من ناحية أخرى، أعرب البعض عن حاجة البلاد إلى المزيد من الاستثمارات في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بقدر الإنفاق على القوات العسكرية، حيث تشير التقييمات إلى أن 10% أو أقل من الأموال المخصصة لأفغانستان توجه نحو التنمية المدنية. وأوضحوا أنه في الوقت الذي تتم فيه هذه التغيرات ستترسخ الديمقراطية.

وعلى الرغم من قدرة الأجانب على تطوير الكثير من الأمور إلا أن العديد من الأفغان يلقون باللائمة على المسؤولين الأفغان الذين قالوا إنهم يفكرون في أنفسهم قبل بلادهم. وتأتي الانتخابات التي شهدتها البلاد في 20 أغسطس (آب) الماضي كأبرز الأمثلة على ذلك. فقد منحت النتائج البرلمانية الرئيس الأفغاني حميد كرزاي نسبة 54.6% من الأصوات ووزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله 27.8% لكن شائعات تثار بحدوث تزوير في الانتخابات. لكن بعض التقييمات تشير إلى أن 20% من أصوات الناخبين البالغ عددهم 5.5 مليون ممن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات موضع شكوك.

وقال نوابي: «إن نظامنا مزر، وإذا لم تتوافر لدينا الرغبة في حل الأمور بأنفسنا فسنكون بذلك قد ضعنا». وقد تزامنت موجة العنف التي شهدت تزايدا في الآونة الأخيرة مع الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، حيث تقع التفجيرات الانتحارية بصورة شبه يومية، ما جعل السكان خاصة الفقراء ممن لا يشكلون هدفا رئيسا للمتمردين يرون أيام حكم طالبان الوحشية أفضل كثيرا.

وقال محمد غول، البالغ من العمر 60 عاما، صاحب محل تجاري: «ليس هذا رأيي وحدي، فمن يستطيع إعادة الأمن إلى أفغانستان سيسعد الجميع».

في تلك الأرض التي تسود فيها الحكمة القبلية «عدو اليوم حليف الغد», ودللوا على ذلك بتفضيل التعامل مع ما اعتبروه أضعف اللاعبين من أشباه كرزاي وعبد الله الذين لا يسيطرون على ابعد من كابل. وقال أمين خاطر، الطالب الذي يبلغ من العمر 24 عاما، إما أن تحاول أن تستميل طالبان أو أن تواجه عدوا يزداد قوة وتنظيما وأكثر انتشارا، وتلك مشكلة كبيرة مهما كان عدد معدات وأسلحة القوات الأجنبية.

وقال خاطر إن الأميركيين لا يرغبون في الحديث سوى إلى الأشخاص الذين يلتقونهم، والذين يتحدثون اللغة الإنجليزية وليس إلى أولئك الأشخاص على الجانب الآخر. ولن تتمكن الانتخابات من حل أكثر من 1% من المشكلات التي تواجه أفغانستان. لذا يجب علينا البحث عن طرق جديدة والقضية الرئيسة بالنسبة لن هي الأمن.

أما الأستاذ وادر صافي الأستاذ في جامعة كابل فيؤمن بسيادة القانون ويقضي الكثير من الوقت في تدريب القضاة ومسؤولي وزارة العدل، لكن المسؤولين الأفغان يقولون للأجانب ما يرغبون في سماعه.

وأشار إلى أن سيادة القانون التي تفرضها بنية تقليدية مهتزة حصلت علي موقعها عبر انتخابات مشكوك فيها وصفة صعبة لاستقرار المجتمع، فالكثير من الوزراء الأفغان يرتبطون بصلات بتجار المخدرات أو أمراء الحرب ويمررون القوانين التي تضمن لهم الحصول على العفو.

وقال صافي: «إنهم يدركون أن إذا ما حصلت على مكاسب غير مشروعة فالطريقة الأفضل للاحتفاظ بها هو الدخول إلى عالم السياسة».

ويرى أن على الشعب الأفغاني أن يعقد اجتماعا لمجلس القبائل أو اجتماعا لوسطاء الحرب في البلاد لاختيار رئيس الدولة كما فعلوا في أعقاب سقوط طالبان، عوضا عن الانتخابات التي لم تلق سوى القليل من القبول، وقال «إذا ما وضعت المزيد من الطوب في منزل غير مستقر فإن النظام بكامله سينهار».

ويقول بعض الأفغان إن البلاد بحاجة شديدة إلى إحصاء رسمي، حيث أجري آخر إحصاء رسمي للبلاد عام 1979. ومن دون معلومات دقيقة فستحتج كل المجموعات العرقية بأنها مخولة للحصول على تمثيل أكبر في البرلمان، الأمر الذي يثير المزيد من عدم الاستقرار في البنية السياسية الأفغانية.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»