الزلازل والأعاصير تحول جنات آسيا إلى جحيم

مساع لإنقاذ آلاف المحاصرين في سومطرة * أم تبحث عن ابنتها تحت الأنقاض: انتظر منذ أمس وأدعو الله أن تكون على قيد الحياة

جنود أندونيسيون يحاولون التحدث إلى ناجين تحت أنقاص فندق دمر بفعل الزلزال في سومطرة أمس (ا.ف.ب)
TT

كثف عمال الإنقاذ أمس جهود البحث عن ناجين بين الأنقاض بعد الزلزال الهائل الذي ضرب إندونيسيا الأربعاء والمد البحري (تسونامي) الذي أغرق جزر ساموا الثلاثاء، فيما يستعد الناجون من الفيضانات التي تسببت بها عاصفة استوائية في جنوب شرقي آسيا على مدى الأيام الماضية، لإعصار هائل جديد. وضربت الكوارث الطبيعية هذه المناطق الخلابة مجدداً على مدى الأيام الماضية وحولت فجأة حياة سكانها والسياح الذين يقصدونها إلى جحيم.

وعم الفزع مجددا جزيرة سومطرة الإندونيسية بعد أن ضربتها هزة جديدة أمس عقب زلزال أول من أمس الذي بلغت قوته 7.6 درجة، مما دفع بالسكان إلى الفرار من منازلهم. وقال مسؤولون إنه تأكد مقتل 1100 شخص في سومطرة، لكن فيما يواصل عمال الإنقاذ الحفر بأيديهم للوصول إلى الناجين الأحياء تحت المباني المنهارة، يتوقع أن يرتفع عدد القتلى بشكل كبير. وذكر رستم باكايا، رئيس مركز الأزمة في وزارة الصحة «نتوقع أن يكون الآلاف قد قتلوا».

وفي شوارع بادانغ الساحلية المدمرة، تكررت مشاهد البحث عن ناجين تحت الأنقاض أمس بعد أن أدى زلزال الأربعاء إلى اشتعال الحرائق وتدمير مبان. وقالت اندريانا الام، البالغة من العمر 49 عاما، فيما تبحث الشرطة في ركام مدرسة، يعتقد أن عشرات الأطفال محتجزون فيها «انتظر هنا منذ يوم أمس. لم اذهب إلى بيتي بعد وأدعو الله أن تكون ابنتي على قيد الحياة». وهي تأمل أن ترى ابنتها البالغة من العمر 14 عاما تخرج حية من تحت أنقاض المدرسة التي كانت فيها الأربعاء عندما ضرب الزلزال.

وخارج المستشفى الرئيسي للمدينة وضعت عشرات الجثث في أكياس صفراء يحوم حولها ناجون أملاً في التأكد أنها لا تضم أقرباء لهم. وفي فندق مارياني المؤلف من خمسة طبقات يروي صاحبه عارف حسين كيف حاول طمأنة زبون علق تحت أنقاض البهو. وقال: «طلبت منه ألا يتحرك كثيرا ليوفر طاقته وفي الساعة الثامنة صباحا بدأت جرافة ترفع الأنقاض».

وقرب وسط المدينة، دمر مرآب يضم أربع طبقات بشكل شبه تام ولم يبق منه سوى جزء من جدار كبير على ركائزه. وخارج المبنى ثلاث سيارات مسحوقة تحت الركام. ونجح حوالي 15 موظفا في الخروج من المبنى في الوقت المناسب ولم يحالف الحظ اثنين منهم وانتشلت جثتاهما ليلا. وقال هيرلي، حارس المرآب البالغ من العمر 24 سنة «أخشى أن يكون موظفان لا يزالان عالقين تحت الركام». وبعد أن أعرب عن سعادته لأنه لا يزال وأفراد أسرته على قيد الحياة، قال إنه قلق لأنه لا يعرف كيف سيتمكن الآن من إعالتهم. وأضاف «لا أعلم ماذا سيحل بي بعد أن دمر المبنى».

وبدأت أولى الطائرات التي تحمل شحنات المساعدات وأكياس الجثث بالوصول إلى مدينة بادانغ التي يسكنها نحو مليون شخص. وقالت السلطات إنها تعاني من نقص حاد في المعدات الثقيلة، وحث الرئيس الاندونيسي، سوسيلو بامبانغ يودهويونو، المسؤولين إلى «إغراق» المدينة بالمساعدات ومواد الإغاثة الطبية.

وجاء زلزال اندونيسيا بعد ساعات من زلزال هائل بقوة ثماني درجات أدى إلى مد بحري (تسونامي) على جزر ساموا. وقتل 148 شخصا على الأقل وأصيب العشرات فيما اعتبر العديدون في عداد المفقودين بعد أن أدت أمواج بارتفاع 7.5 متر إلى مسح قرى سياحية عن سطح الأرض في أسوأ زلزال يضرب الأرخبيل الواقع جنوب المحيط الهادئ خلال نحو القرن. وشاهد الناجون شاحنات مليئة بالجثث في المنطقة التي كانت مقصداً سياحيا، في تذكير قاتم للمد البحري الذي اجتاح آسيا في عام 2004. وقال ناجون إن الأمواج التي فاق ارتفاعها سبعة أمتار دمرت مباني وجرفت أشخاصا إلى داخل البحر بعضهم كان لا يزال نائما في سريره. وشاهدت امرأة في هلع الأمواج وهي تبتلع أبناءها الثلاثة الذين كانوا يلعبون على رمال الشاطئ. ولقي الكثيرون حتفهم بعد أن ارتطمت بهم أنقاض حملتها الأمواج.

وفي بلدة لالومانو بارخبيل ساموا، لم يبق من المنازل الصغيرة التقليدية والفنادق المطلة على الشواطئ سوى أنقاض بعد أن كان يقطنها مئات السكان قبل الكارثة. واخرج المسعفون من تحت الأنقاض حقيبة صغيرة تحتوي على صور أسرة في الموقع الذي انتشلت فيه جثث في وقت سابق. وقال لابا توفيلو، المتطوع في الصليب الأحمر، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا نزال ننتشل جثثا. اليوم عثرنا على 30 إلى 40 جثة. يضاف إلى هذه الجثث تلك التي ينقلها السكان إلى المستشفى أو التي تدفن. نقوم بكل ما في وسعنا للعثور على مفقودين».

ونفذ شرطيون ومسعفون من الجيش الاسترالي عمليات بحث في التلال المجاورة وأنقاض البلدة للعثور على جثث فيما حلقت طائرة تابعة للجيش النيوزيلندي فوق السواحل. ويبحث الشرطيون بين الأنقاض على الشواطئ التي هي عادة مساحات شاسعة من الرمل الأبيض يرتادها سياح.

والمشهد يتكرر في كل أرجاء ساموا. ففي منطقة بوتاسي كان القرويون أمس لا يزالون تحت وقع الصدمة بعد العثور على جثتي امرأة وابنتها تقاذفتهما الأمواج. وعلقت فرق الإغاثة المجهزة برافعات عملها لدقائق لدى مرور موكب جنائزي. وروى أحد السكان أن إحدى قريباته التي جرفتها الأمواج قضت بعدما سحقت جمجمتها تحت زورق صيد. وقالت لوني ماي، وهي من سكان ساموا: «لم تطلق أي صفارة إنذار. في دقيقة واحدة فقط جرفتهم الأمواج».

واستخدمت حاويتا شحن مزودتان بوحدات تبريد وضعتا على الحشائش خلف المستشفى الرئيسي في العاصمة ابيا كمشرحة مؤقتة بعد أن امتلأت مشرحة المستشفى بالجثث عن آخرها. وسويت أشجار النخيل جميعها تقريبا بالأرض على طول الساحل الجنوبي لجزيرة أوبولو الرئيسية في ساموا وهي أكثر المناطق تضررا بأمواج المد، حيث هشمتها قوة مياه المحيط وكأنها أغصان صغيرة. وغطت طبقة من الطين والرمال الكثير من المباني المدمرة وعلقت قوارب وسيارات بالأشجار مع قيام الناجين بإزالة الأنقاض. وقال ناجون إن البعض يجمعون الأسماك النافقة التي ألقتها الأمواج على الشاطئ لإطعام عائلاتهم. ووصلت طائرات المساعدة إلى ساموا من استراليا ونيوزيلندا وعلى متنها عمال إنقاذ هالهم ما رأوا من دمار. وقال أحدهم ويدعى توني هيل «بالنسبة لساموا، هذا دمار حقيقي، لم أر شيئا مثل هذا من قبل».

من جهة أخرى ضربت مناطق جنوب شرقي آسيا كارثة أخرى مع ارتفاع عدد قتلى الفيضانات والانزلاقات الأرضية التي تسبب بها إعصار «كيتسانا» أمس إلى 383 في الفلبين وفيتنام وكمبوديا ولاوس. وتواجه تلك المناطق تهديدا جديدا يتمثل في إعصار «بارما» الذي يتوجه نحو الفلبين ترافقه رياح عاتية بسرعة 185 كلم في الساعة ويتوقع أن يصبح إعصارا هائلا قبل أن يضرب ذلك البلد غداً السبت. وقال ناثانييل كروز المتحدث باسم مكتب الأرصاد الجوية في الفلبين «نحن نتعامل مع إعصار قوي جدا، ولذلك علينا أن نكون على أعلى مستوى من الاستعداد. ولا يزال نحو 700 ألف شخص في ملاجئ مؤقتة أقامتها الحكومة الفلبينية.

وحذرت السلطات من أن الإعصار قد يضرب مناطق لا تزال تحت وطأة الدمار الذي أحدثته عاصفة «كيتسانا»، التي أدت إلى سقوط أغزر أمطار تشهدها البلاد منذ أكثر من 40 عاما أغرقت منطقة مانيلا ومعظم أنحاء العاصمة.

وكثفت فيتنام أمس جهودها للحصول على غذاء وماء للضحايا المحاصرين، إلا أن العديد اشتكوا من بطء المساعدات. وفر أكثر من 200 ألف شخص من منازلهم في ذلك البلد. وفي كمبوديا تفقد السكان أنقاض منازلهم الخشبية المهشمة بعد أن تشرد الآلاف بفعل العاصفة التي أدت كذلك إلى إغراق أجزاء من ولاية سييم رياب التي تضم معابد انغكور وات الشهيرة.