«استراحة غداء» بين جليلي وبيرنز تدشن أول محادثات نووية مباشرة بين طهران وواشنطن

مفاوضات جنيف استمرت أطول مما كان يعتقد وعقدت على مرحلتين * مصدر غربي: طولها علامة مشجعة * واشنطن ترسل وفدا بارزا من دبلوماسيي الخارجية والبيت الأبيض

TT

في أول مباحثات نووية مباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران منذ أكثر من 30 عاما، بحث المديرون السياسيون في مجموعة 5 زائد 1 مع مسؤول الملف النووي الإيراني، سعيد جليلي، في جنيف أمس «التمهيد لإطلاق المفاوضات» بين الطرفين بعد تجميد لأكثر من عام، كما اتفقوا على الاجتماع مجددا نهاية أكتوبر (تشرين الأول) لمواصلة محادثات جنيف التي وصفت بأنها كانت «ودية ودارت بالأساس حول الملف النووي» لإيران. واستمرت المفاوضات أغلب يوم أمس ودارت على فترتين مما دعا مصدرا أوروبيا لوصفها لـ«الشرق الأوسط» بأنها «علامة مشجعة»، عززها أرفع لقاء مباشر بين مسؤول إيراني ومسؤول أميركي حول الملف النووي منذ 30 عاما، إذ التقى رئيس الوفد الأميركي ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية دانيال بيرنز مع مسؤول الملف النووي الإيراني سعيد جليلي وجهاً لوجه في استراحة الغداء في الفيلا التاريخية التي استضافت المباحثات، والتي يعود تاريخها إلى القرن الثامن العشر، وتقع في قرية ساحرة في ضواحي جنيف، اختارتها السلطات بعيدة قليلا عن التركيز الإعلامي الذي نالته المفاوضات. وبينما يعد اللقاء المباشر بين بيرنز وجليلي خطوة إيجابية، فإن محادثات أمس يمكن وصفها بأنها «الخطوة الأولى» فقط في سلسلة محادثات يتوقع أن تجرى بين إيران ودول 5 +1 حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وذلك وفقا لما أوضح مصدر أوروبي لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن الجاري الآن هو «بناء عملية تفاوضية تعالج مخاوف الطرفين وترضي تطلعاتهما». فيما حذر مصدر غربي آخر من «التسرع في التفاؤل»، موضحا لـ«الشرق الأوسط» «الاجتماع ساده جو ودي ساعد عليه إعلان إيران وضع جدول زمني لزيارة منشأة قم. لكن القضايا الأساسية التي نحتاج إلى مناقشتها حساسة ولا نتوقع عملية سهلة. نحن فقط بدأنا نفتح نقاشا حول القضايا الصعبة، التوصل لحلول بشأنها سيأخذ الكثير من الاجتماعات والإرادة والرغبة». وتعد مفاوضات جنيف أهم مفاوضات تجريها إيران مع دول 5 زائد 1، ليس فقط بسبب مشاركة بيرنز بشكل مباشر في الاجتماع ولقائه مع سعيد جليلي، بل بسبب «الحساسية المتزايدة» للملف النووي الإيراني بعد الكشف عن منشأة ثانية سرية تبنيها إيران في قم، وهو ما أدانته غالبية دول العالم والأمم المتحدة، كما أدانه مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي بشكل لا لبس فيه قائلا «إيران تقف في الجانب الخاطئ. كان ينبغي إبلاغ الوكالة فور الشروع في بناء المنشأة». واستمرت المفاوضات أمس أطول مما كان يعتقد وعقدت على مرحلتين، وقال مصدر أوروبي مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن استمرار المفاوضات لعدة ساعات وتمديدها «علامة مشجعة». وعقدت الجلسة الأولى من المباحثات من الساعة 10 صباحا حتى الساعة الواحدة ظهرا. ثم أخذ المديرون السياسيون في دول مجموعة 5+1 (الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا) والممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، خافيير سولانا، المشرف على المفاوضات، والمفاوض الإيراني سعيد جليلي والوفد المرافق له، استراحة غداء، ثم عادوا وعقدوا جلسة ثانية مسائية. وعقد الاجتماع في إحدى غرف الفيلا التاريخية، حيث جلس ممثلو دول 5 + 1 في صف من الطاولة، فيما جلس الوفد الإيراني المكون من 3 أشخاص برئاسة جليلي في الناحية المقابلة من الطاولة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبرت وود، إن بيرنز جلس مع رئيس الوفد الإيراني سعيد جليلي خلال استراحة الغداء، حيث جرت مشاورات ثنائية نادرة هي الأولى وجهاً لوجه بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين في هذا الملف الحساس. وذكر مسؤول في المحادثات أن عشاء غير رسمي سيكون فرصة للاجتماعات الثنائية. ويتناقض النهج الأميركي خلال هذا الاجتماع بشدة مع اجتماع مماثل عقد في جنيف في يوليو (تموز) 2008 حين غادر بيرنز الغرفة في مرحلة معينة تجنبا لمصافحة جليلي وفقا لما ذكره دبلوماسيون كانوا حاضرين آنذاك. وقد بدأت محادثات أمس بكلمة ألقاها سولانا وأعقبه وليام بيرنز. وقالت كريستينا غالاتش، المتحدثة باسم سولانا، إن المحادثات بين إيران والقوى الست الكبرى تجري في مناخ «ودي وعملي» وإنها تركز على البرنامج النووي الإيراني. وقالت غالاتش للصحافيين على هامش الاجتماع «هناك نية صادقة من جانب المجتمع الدولي لإقامة علاقة جادة مع إيران. وفي الوقت نفسه هناك إيضاحات مهمة يجب الحصول عليها»، موضحة أن البرنامج النووي الإيراني هو أهم موضوع في المحادثات. وفيما أرسلت فرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا المديرين السياسيين مصحوبين بعدد كبير من مسؤولي وزارات الخارجية وكبار الدبلوماسيين، أرسلت الصين وفدا أقل أهمية، فيما أرسلت أميركا وفدا كبيرا من دبلوماسيين بارزين في الخارجية والبيت الأبيض، فيما صاحب الوفد الأميركي 3 متحدثين رسميين. وقبل المفاوضات مباشرة أكد جليلي أنه سيخوض المباحثات «بنهج إيجابي»، فيما أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن بلاده «لن تتضرر» من محادثات جنيف مهما حصل. ومن المتوقع أن تكون المفاوضات شاقة، لاسيما أن الطرفين لا يتبنيان الأهداف ذاتها، إذ تصر إيران على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم. وحذر سولانا من أنه «لن يكون من السهل» الحصول على ضمانات من إيران بشأن الطابع السلمي لبرنامجها النووي.

وكان أحمدي نجاد قد قال في نيويورك الأسبوع الماضي إن الوفد الإيراني سيطلب من اجتماع جنيف السماح لإيران بشراء يورانيوم مخصب لأغراض طبية من الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى مستعدة لبيعه. إلى ذلك أعلنت موسكو أنها مستعدة لتخصيب اليورانيوم لمفاعل الأبحاث الإيراني، وذلك ردا على الرئيس الإيراني الذي قال إن إيران مستعدة أن تقبل بتخصيب طرف ثالث لليورانيوم المستخدم في مفاعلها المخصص للأبحاث لإثبات أن إيران لا تقوم بأنشطة غير شرعية.

وجاء الإعلان الروسي بعد تأكيد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أمس في موسكو أن فرنسا «أقرب إلى تأييد» اقتراح إيران أن يخصب طرف آخر اليورانيوم لتغذية المفاعل النووي المخصص للأبحاث في طهران. وقال كوشنير للصحافيين في ختام اجتماع مجلس فرنسا روسيا للأمن في موسكو «انه لمفاعلهم للأبحاث، وقد عرضنا ردا اقرب إلى التأييد».

وكان من المقرر أن تقترح إيران أمس في جنيف على الدول الكبرى أن يقوم طرف ثالث بتخصيب اليورانيوم على المستوى المطلوب لتغذية مفاعلها النووي للأبحاث في طهران بدلا من القيام هي نفسها بالعملية.

وقال مسؤول أميركي إن واشنطن ستوضح أنها ليست مستعدة لبيع إيران أي يورانيوم. ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت إيران قد عرضت تلك الفكرة في اجتماع جنيف. ويعتقد على نطاق واسع أن اجتماع أمس قد يمهد الأرضية لتشاورات إيرانية ـ أميركية ثنائية مباشرة أكثر خلال الأشهر القليلة المقبلة، وكانت مصادر أميركية قد تحدثت في نيويورك عن إمكانية تشكيل فرق متعددة للتفاوض بين إيران ودول 5 زائد 1، موضحة أنه قد يكون مفيدا أكثر أن لا يتم دمج الملفات معا في مسار تفاوضي واحد، وأن الملف النووي، بسبب الأولوية التي يحتلها، يحتاج إلى أن يتقدم بسرعة، فيما باقي القضايا الأخرى يمكن أن تعالج بدون العجلة ذاتها. إلى ذلك وفي إطار الضغط المتزامن مع المحادثات النووية، ذكر موقع «برس تى في» الإيراني الناطق بالإنجليزية أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية طلبت مزيدا من التفاصيل بشأن المنشأة النووية الجديدة التي كشف أن طهران تقوم ببنائها في «قم» وذلك لتتمكن من دخول الموقع بسرعة أكبر.

وقال «برس تي في» في موقعه على الإنترنت إن مدير العمليات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هيرمان ناكيرتس، طلب من إيران تزويد الوكالة «باسم وموقع (المنشأة) ومرحلة البناء وخطط إدخال المواد النووية» إلى المنشأة. وفي رسالة إلى السلطات الإيرانية، قال ناكيرتس إن «الوكالة ستقدر كذلك منحها السماح بالدخول إلى المنشأة بالسرعة الممكنة». وأعلنت الوكالة الدولية الأسبوع الماضي أن إيران كشفت للوكالة في 21 سبتمبر (أيلول) أنها تبني منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم. وحذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طهران، أول من أمس، من أنه يتحتم عليها «القيام بخيار»، فإما «الوفاء بواجباتها الدولية، وهذا لا يعني فقط السماح بتفتيش (منشآتها النووية) بل أيضا وضع حد لأنشطتها» طالما لم تستأنف عمليات التفتيش، أو أن «البديل هو العزلة والمزيد من الضغوط الدولية».