حكومات الأقطاب في لبنان كانت توحيدية.. واليوم باتت تقسيمية

مفهوم الأقطاب بين الأمس واليوم

TT

كادت حكومة الأقطاب السداسية أو العشرية أو حكومة الأقطاب المطعمة بتكنوقراط، تأخذ طريقها إلى قريطم (دار رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري) وبعبدا (أي رئاسة الجمهورية) في خضم التعثر الذي طبع استشارات الحريري، خصوصا في مرحلة الاستشارات الأولى، وعدم عبور تشكيلته المقترحة إلى مجلس النواب. لكن التطورات الإقليمية أسهمت في فتح كوة في جدار التشكيل انعكست أجواء إيجابية في الداخل، إلا أنها لم تصل بعد إلى حد الترجمة الفعلية، ربما بانتظار مزيد من التطورات الإقليمية ومزيد من الأجواء الهادئة الداخلية.

وبانتظار ولادة الحكومة اللبنانية، تبقى حكومة الأقطاب مطروحة في التداول وتبقى المواقف منها متباينة ومتجاوزة لحدود الاصطفافات السياسية. فقد أكد الرئيس المكلف أنه في حال عدم التوصل إلى حكومة الائتلاف الوطني تبقى الخيارات أمامنا مفتوحة. وعلم في هذا المجال أن حكومة الأقطاب جرى التداول فيها خلال اللقاء الأخير الذي جمع الحريري ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون، ولم يستبعد الطرفان إمكان اللجوء إليها في حال تعذر الوصول إلى تثبيت الصيغة المطروحة للنقاش، أي 15 ـ 10 ـ 5. ولكن المواقف لم تكن موحدة حول صيغة الأقطاب لا في مجموعة «14 آذار» ولا في مجموعة «8 آذار». فعلى صعيد الأغلبية النيابية أيد وزير السياحة إيلي ماروني (ممثل حزب الكتائب في حكومة تصريف الأعمال الحالية) حكومة الأقطاب مطعمة بالتكنوقراط، في حين لم تلقَ الفكرة التأييد من كتلة «القوات اللبنانية» التي كانت وما زالت تفضل حكومة التكنوقراط وجاراها في ذلك النائب السابق في كتلة «تيار المستقبل» مصطفى علوش، معتبرا أن حكومة الأقطاب تلغي وجود الأكثرية والأقلية. وفي المقلب السياسي الآخر سارعت «كتلة التحرير والتنمية»، التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى رفض صيغة الأقطاب وصيغة التكنوقراط مؤكدة تمسكها بصيغة 15 ـ 10 ـ 5، والشيء نفسه بالنسبة إلى «كتلة الوفاء للمقاومة» التابعة لـ «حزب الله». أما رئيس الجمهورية فقد استطاع أن يختصر كل المواقف بقوله ـ بحسب مصادر مؤكدة ـ أن حكومة الأقطاب يمكن أن تكون حكومة وحدة وطنية.

وبالانتقال إلى عملية التشكيل، يمكن تمثيل الطائفة السنية بزعيمها الأوحد سعد الحريري، والطائفة الدرزية بوليد جنبلاط، أما الطائفة الشيعية فلا يمكن اختصارها بقطب واحد، والطوائف المسيحية هي الأكثر تعقيدا لوجود أكثر من قيادة سياسية على ساحتها.

وأيا تكن نتائج الاستشارات الحالية، فإن حكومة الأقطاب ليست دخيلة على الساحة اللبنانية، بل إن أكثر العهود الاستقلالية شهدت مثل هذا النوع من الحكومات وكانت الحكومة الأولى من هذا النوع في عهد الرئيس فؤاد شهاب، أي بعد «ثورة 1958»، وكانت حكومة رباعية برئاسة عبد الله اليافي وعضوية ريمون إده وبيار الجميل والحاج حسين العويني. وفي أواخر عهد الرئيس سلميان فرنجية تشكلت حكومة أقطاب سداسية برئاسة رشيد كرامي، وعضوية كميل شمعون وعادل عسيران ومجيد أرسلان وفيليب تقلا وغسان تويني. وفي عهدي الرئيسين إلياس سركيس وأمين الجميل تكررت الحكومة المطعمة بالأقطاب، ولا سيما بيار الجميل ووليد جنبلاط وكميل شمعون وجوزف سكاف ونبيه بري وسواهم.

ويقول النائب السابق إدمون رزق في هذا المجال «إن مفهوم حكومة الأقطاب في الماضي كان يختلف عن مفهومها اليوم. ففي السابق كان الأقطاب يتلاقون على مشروع وعلى وحدة البلد وكانت «القطبية» تقوم على استقطاب ثقة الناس أكثر من استقطاب النواب. أما اليوم، فأي حكومة أقطاب ستكون حكومة أضداد. ولم يكن القطب في السابق هو من يجمع أكبر عدد من النواب، بل القطب هو الذي يوحي بالثقة. ألا يمكن أن نعتبر فؤاد بطرس قطبا؟ والشيء نفسه بالنسبة إلى الرئيس سليم الحص، وتقي الدين الصلح وسواهم. وكان القطب يجمع شرطين: التمثيل الصحيح والقدرة على التمثيل، أو الالتزام والقدرة على الإلزام». ووصف رزق سلوك الرئيس المكلف بالسلوك المسؤول وطالبه بالإسراع في تشكيل الحكومة بالمشاركة مع رئيس الجمهورية.