ساركوزي يرسل أقرب مستشاريه إلى بيروت ودمشق.. والإليزيه يتكتم على الزيارتين

باريس تجري اتصالات دبلوماسية عالية المستوى للمساعدة على ولادة الحكومة اللبنانية

الرئيس ميشال سليمان لدى اجتماعه مع مستشار ساركوزي هنري غينو في القصر الجمهوري أمس (تصوير: دالاتي ونهرو)
TT

عاد الزخم إلى قطار تأليف الحكومة اللبنانية مع دخول فرنسي واسع على خط المحادثات، مع وصول أقرب مساعدين للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى لبنان وسورية في زيارتين منفصلتين.

ولم يفصح قصر الإليزيه عن الزيارتين اللتين يقوم بها أقرب مساعدين للرئيس نيكولا ساركوزي إلى لبنان وسورية، وهما مستشاره الخاص هنري غينو الموجود في بيروت منذ مساء السبت، وأمين عام القصر الرئاسي كلود غيان الذي يصل إلى دمشق اليوم. كذلك لم تشر وزارة الخارجية إلى هاتين الزيارتين اللتين تتمان في إطار حملة اتصالات دبلوماسية عالية المستوى تقوم بها فرنسا، وتحديدا قصر الإليزيه، لمساعدة لبنان على استيلاد حكومة جديدة عجز اللبنانيون حتى الآن عن التوافق بشأنها.

وبعد اللقاءات التي عقدها مطلع الأسبوع الفائت رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون مع المسؤولين اللبنانيين على هامش افتتاح دورة الألعاب الفرنكوفونية في بيروت، تسلم أمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان رسالة من نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، نقلها إليه غاينو الذي يزور بيروت لثلاثة أيام للقاء رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.

ولم يكشف غاينو مضمون الرسالة، واكتفى بالقول إنها «تتناول العلاقات اللبنانية ـ الفرنسية والدور الذي تضطلع به فرنسا على المستويين الإقليمي والدولي لإيجاد أرضية مشتركة لإطلاق الحل السلمي العادل والدائم في الشرق الأوسط، وكذلك لدعم لبنان وإبقاء الساحة الداخلية في منأى عن أي انعكاسات خارجية، خاصة في فترة تأليف الحكومة الجديدة». وقالت مصادر القصر الجمهوري لـ«الشرق الأوسط» إن الرسالة جاءت استكمالا للقاءات الثلاثة التي عقدها الرئيسين سليمان وساركوزي على هامش أعمال الدورة الرابعة والستين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، مشيرة إلى أنها تعكس «الدور الفرنسي الناشط في المنطقة على خط السلام». وفيما تحدثت عن «مسألة ما تحضّر»، أكدت أن «الصورة لا تزال غير واضحة وغير متبلورة بعد». وأكدت أن الرسالة «وفي تناولها الشق اللبناني تقتصر على التمني بالإسراع في تأليف الحكومة لمواجهة التحديات، وليس أكثر. فالفرنسيون واضحون في تمنياتهم ولا يتخطّونها لئلا تصبح تدخلا في الشأن اللبناني». وعن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية برنار كوشنير للبنان، قالت المصادر: «لم يظهر شيء إلى الآن في القنوات الدبلوماسية». وكانت باريس ترى في الأسابيع الأولى التي تلت الانتخابات النيابية، وتكليف رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري، أن تأخر ولادة حكومة الحريري الأولى «أمر طبيعي بسبب تعقيدات الوضع والمطالب المتداخلة والاشتباك المحلي الذي يتقاطع مع تأثيرات خارجية أولها يرتبط بإيران»، كما يقول وزير الخارجية برنار كوشنير. كذلك فإن باريس، كما تقول مصادرها، حرصت منذ البداية على تحاشي إعطاء الانطباع بأنها «تحشر أنفها» في قضايا داخلية لبنانية، إذ إن ذلك يتناقض مع ما تدعو إليه، وهو احترام سيادة واستقلال وحرية القرار السياسي للبنان.

غير أن اعتذار الحريري قرع ناقوس الخطر في باريس، ولذا فإن الموضوع اللبناني، كما قالت مصادر فرنسية واسعة الإطلاع لـ«الشرق الأوسط»، كان حاضرا بقوة في لقاءات الرئيس الفرنسي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. واستبق ساركوزي زيارته إلى الأمم المتحدة بسلسلة اتصالات مع القادة اللبنانيين والعرب، وأرسل مستشاره لشؤون الشرق الأوسط نيكولا غاليه إلى السعودية للتشاور مع المسؤولين السعوديين بخصوص الوضع اللبناني. كذلك حظي هذا الملف بقسط وافر من محادثات وزير الخارجية السوري وليد المعلم في باريس بداية الأسبوع المنصرم، بما في ذلك لقائه بساركوزي في قصر الإليزيه، وهي الزيارة التي لم تعلن مسبقا، ولم تشر إليها دوائر القصر لاحقا. وعلى الرغم من أن المعلم وكوشنير كررا أكثر من مرة أن «لا أحد يمكن أن يحل محل اللبنانيين في تشكيل الحكومة»، فإن مصادر فرنسية كشفت عن أن الوزير السوري وعد بتوفير المساعدة «لحلحلة بعض العقد التي حالت حتى الآن دون تشكيل الحكومة العتيدة». وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع كوشنير مساء الثلاثاء، ألمح المعلم إلى ذلك بقوله إن سورية «يمكن أن تحث اللبنانيين على الحوار»، ما فهم في باريس على أنه وعد بالتدخل لدى حلفاء دمشق لتليين المواقف وتسهيل التوصل إلى اتفاق على الحكومة. وبحسب ما قالته مصادر دبلوماسية مطلعة في العاصمة الفرنسية، فإن باريس «تريد أن تعرف مدى قدرة دمشق على تحييد الدور الإيراني في لبنان». ولم يخف على المراقبين «الحرارة» التي أرادت باريس إضفاءها على زيارة المعلم إلى دمشق، ووصف كوشنير علاقات بلاده مع سورية بأنها «استثنائية». كذلك، لاحظ المراقبون الإطراء الذي صبه الوزير الفرنسي على زيارة الرئيس الأسد الأخيرة إلى السعودية وعلى الزيارة المرتقبة للعاهل السعودي إلى العاصمة السورية ووصف ذلك بأنه «مهم».

وترى باريس أن لبنان «لا بد أن يستفيد من الارتخاء الجديد» في علاقات دمشق والرياض، فيما تبدو فرنسا حريصة على أن تكون «في الصورة»، وهو ما يفسر بمعنى ما حصول الزيارتين المتلازمتين لغينو غيان إلى بيروت ودمشق الآن، أي عشية تعميق التفاهم السعودي ــ السوري.