جعجع: حزب الله دفع عون إلى مواقف متشددة.. ويمسك بعقدة تأليف الحكومة لإبقائها ورقة في يد إيران

دعا في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى تشكيل حكومة أكثرية إذا استحال تشكيل حكومة ائتلافية

سمير جعجع
TT

لا يجد رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن المعطيات الإقليمية المستجدة أصبحت كافية للتفاؤل بقرب تشكيل الحكومة اللبنانية. ويقول في حوار مع «الشرق الأوسط» في بيروت إن «زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لدمشق تأتي في إطار اهتمامه بترتيب البيت الداخلي العربي، وسعيه إلى التقارب بين الدول العربية، الأمر الذي سينعكس إيجابا على لبنان من دون بالضرورة أن يحل له مشكلته». ويشير إلى أن «إيران المقبلة على مفاوضات مع الغرب، تحتاج إلى الورقة اللبنانية لتقايض بها، وتشكيل حكومة في هذه المرحلة لا يساعدها على المقايضة». ويضيف أن حزب الله يمسك بعقدة تشكيل الحكومة ويدفع بحليفه المسيحي النائب ميشال عون إلى تعقيد أي حل ممكن، بناء على تأكيد الحزب لعون أنه لن يشارك في حكومة من دونه. ويقول: «عون يدعي الدفاع عن حقوق المسيحيين. ربما كانت هذه نيته، لكنه يتصرف على أرض الواقع بشكل يضمن حقوق حزب الله وإيران وليس حقوق المسيحيين. كما أنه رفض التشكيلة الحكومية التي قدمها (رئيس الحكومة المكلف سعد) الحريري بعد تكليفه للمرة الأولى ليس لأنها لا تخدم المسيحيين بل لأنها لا تخدم حلفاءه الذين يريدون وزارة الاتصالات بأي ثمن للأسباب الأمنية المعروفة». وأبدى جعجع استغرابه من رفض الأقلية الصيغة الحكومية التي قدمها الحريري بعد أن كان قد تفاهم مع سليمان على أن «مسألة تسمية الوزراء هي قابلة للأخذ والرد». كما أضاف أنه يعتقد أن سلاح حزب الله سيجر سلاح «الحركات الأصولية» إلى الساحة اللبنانية.

وفي ما يلي نص الحوار:

* هل تجد أن الأجواء الإقليمية تشير إلى حلحلة لعقدة تشكيل الحكومة في لبنان مع التقارب السوري ـ السعودي والانفتاح السوري على واشنطن وباريس، ومع ملامح مصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس والأجواء الإيجابية لاجتماع إيران مع الدول الست في جنيف؟

ـ بداية، الاجتماع الإيراني الدولي لا يزال من دون معطيات. ولا أستطيع أن أستند بسهولة إلى التفاؤل الذي صدر عن الجولة الأولى من المفاوضات، وإن كنت أتمنى أن يكون هذا التفاؤل في محله لكي نرى حصيلة الأمور عندما تصل إلى الترجمة الفعلية للنوايا. أما في ما يتعلق ببقية المعطيات التفاؤلية سواء في التقارب السوري ـ السعودي أو التقارب الفلسطيني ـ الفلسطيني أو الانفتاح السوري على واشنطن وباريس، فهي كلها مشروعات على الطريق ولم تصل إلى مرحلة إعطاء النتائج. ولا أعرف إلى أي مدى ستكون إيجابية أو تبقى الأمور في مرحلة ترطيب الأجواء أو تتوقف تماما. ربما لا يزال مبكرا الحديث عن حلحلة إقليمية ودولية لها تأثيرها على تشكيل الحكومة. العقد الإقليمية والدولية لا تزال قائمة.

* ماذا عن الإيجابيات المحتملة لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لدمشق؟

ـ لا نتبين من مجمل المعطيات والتصريحات الدور الأساسي للعامل اللبناني في زيارة الملك عبد الله إلى دمشق. قد تأتي هذه الزيارة في إطار ترتيب البيت الداخلي العربي أكثر مما هي قائمة بناء على جدول أعمال متفق عليه ومدرج فيه البند اللبناني. هناك أجواء تصالحية أسس لها الملك عبد الله خلال قمة الكويت الاقتصادية إثر الهجوم الإسرائيلي على غزة. وقد استمرت هذه الأجواء في الاتصالات الثنائية بين المملكة العربية السعودية ودمشق، وتعززت مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى جدة للمشاركة في افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم التقنية. وفي المحصلة ينعكس هذا التقارب إيجابا على الوضع اللبناني لكنه لا يحل المشكلة.

* ألا تؤدي هذه الإيجابية إلى تسهيل تشكيل الحكومة؟ وما الذي يعوق تشكيلها إذا كانت الظروف الإقليمية تتجه نحو التقارب؟

ـ لا أحد يشك في أن من يمسك بعقدة تأليف الحكومة هو حزب الله وليس أي طرف آخر في فريق «8 آذار». والسبب أن إيران في مواجهة كبرى مع الغرب. وفي سياق هذه المواجهة الأوراق الإيرانية قليلة قياسا بأوراق الدول الغربية بمؤسساتها وقدراتها. إيران لديها مشروعها النووي وتحاول جمع أكبر قدر ممكن من الأوراق لطرحها على طاولة المفاوضات لمصلحة مشروعها. هذه الأوراق هي قدرتها على ضبط الأمور أو توتيرها في العراق وغزة ولبنان. ومنطقي أن تسهيل تشكيل الحكومة في المرحلة الراهنة يحرمها ورقة لبنانية ولا يصب في مصلحتها. يهمها أن لا يشعر مفاوضها بأن لبنان دولة مستقرة فيها حكومة فاعلة، حينها لا حاجة إليها لتقدم خدماتها الأخوية. أما وأن لبنان يقف عند استحقاق تشكيل الحكومة فلماذا لا تستفيد إيران من هذا الاستحقاق، خاصة أن لديها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي يخرب أي حل ممكن بناء على تأكيد حزب الله له أن لا حكومة من دونه. وليس لديه أي شك في ذلك، وإلا لما ذهب بعيدا في مطالبه التعجيزية. حزب الله دفع عون إلى مواقف متشددة، وذلك في انتظار أن تحصل إيران على الثمن المطلوب لتسهيل تشكيل الحكومة.

* هل تعني هذه المعادلة أن تشكيل الحكومة في ظل المعطيات الحالية مستحيل؟ وهل طالبتم بحكومة أكثرية انطلاقا من هذه القراءة؟

ـ إذا بقينا نتصرف بهذا الشكل تجاه العقد التي توضع في طريق تأليف الحكومة، بالطبع سنصل إلى حائط مسدود. من هنا دعوتي إلى حكومة أكثرية إذا استحال تشكيل حكومة ائتلافية. في المبدأ نحن نرحب بحكومة ائتلاف وطني. وإذا خيرنا بينها وبين حكومة أكثرية لكُنا مع حكومة الائتلاف الوطني. لكن إذا خيرنا بين حكومة أكثرية أو الفراغ لطالبنا بحكومة أكثرية وفق الدستور لأن الفراغ يقضي على لبنان. ونحن مرغمون على طرح هذه المعادلة لأن الأقلية النيابية تضع شروطا وعندما تحصل عليها ترفع سقف مطالبها.

* تركيزكم على حكومة أكثرية دفع نوابا في كتلة عون إلى اتهامك بالتفريط في حقوق المسيحيين، هل هذا التوصيف صحيح؟ وهل هناك بين المسيحيين تيار يجاهد لاستعادة الحقوق وآخر يتهاون فيها؟

ـ نحن كمسيحيين أهم حق نوافق عليه هو أن يكون للبنان حكومة فعالة ومتوازنة بمعزل عن الأسماء المطروحة للتوزير. وذلك لأن مصلحة المسيحيين واللبنانيين عامة تكمن في حكومة ترعى شؤون البلد وتحرك عجلة الاقتصاد لتبقي الأمل لدى الناس في مستقبل بلادهم. لذا كان حرصنا على إزالة العقبات لتسهيل تشكيل حكومة ترسخ الإيمان بلبنان يقودها رئيس الجمهورية. لكن من يدعي الدفاع عن المسيحيين يعطل، ليس ليحصل على حقوقهم، إنما ليضمن حقوق حلفائه، أي حزب الله وإيران. ماذا يريد المسيحيون أكثر من المشاركة التي كانت متوافرة في الحكومة التي قدمها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورفضها عون؟ الأمر مثير للاستغراب ذلك أن الحريري كان قد تفاهم مع سليمان على أن مسألة تسمية الوزراء يمكن تعديلها وهي قابلة للأخذ والرد. أي حكومة لا تمثل المسيحيين بعد إعطائهم حقائب مثل التربية والأشغال والداخلية والدفاع؟ عون لم يكن يهتم بمصلحة من يمثلهم. هو يتاجر بهم لتغطية حلفائه. فقد رفض التشكيلة الحكومية التي قدمها الحريري لأنها لا تخدم حلفاءه، وتحديدا لأن وزارة الاتصالات لم تعد تحت سيطرتهم. فمن يحصل على هذه الوزارة يمسك بمفاصل التنصت. وزير الاتصالات الحالي أخذ حقوق وزارتي الداخلية والدفاع وصلاحياتهما من خلال إصراره على التحكم في مسألة التنصت، مع أن الدستور لا يمنحه هذا الحق. دوره ليس أكثر من صندوق بريد لوزارتي الداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية. لكنه يعمل لمصلحة حلفائه، وتحديدا حزب الله.

* نلاحظ أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان غيّر موقفه المتعلق بـ«أكثرية تحكم وأقلية تعارض» التي كان أطلقها عشية الانتخابات النيابية، كذلك غير موقفه المتعلق بعدم توزير الراسبين، لماذا؟ وكيف تقرأ هذا التغيير؟

ـ الرئيس سليمان هو رئيس توافقي، يسعى إلى ترتيب الأمور بين فريقي «14 آذار» و«8 آذار». الأقلية تضغط عليه وتهاجمه عندما تتطلب مصلحتها الخاصة ذلك. لذا يحاول البقاء في مساحة تسمح له بحل المشكلة وليس إيجاد مشكلات جديدة على صعيد تشكيل الحكومة. لكن يبدو أننا سنضطر إلى التصريح عاليا لنخرج أزمة تأليف الحكومة من عنق الزجاجة. لذا أجدد الدعوة للرئيس سليمان وللرئيس المكلف سعد الحريري، وبعد استنفاد الجهود، بالتصرف في إطار الدستور وممارسة صلاحياتهما الدستورية وتأليف حكومة تنقذ البلاد من الفراغ.

* هل تجد أن مصلحة حزب الله هي في بقاء لبنان من دون حكومة؟

ـ حزب الله لا يزال يسير في مشروعه. فهو صاحب نظرة كاملة متكاملة إلى الشرق الأوسط. وهذه النظرة أكبر من لبنان الذي يشكل عنصرا من عناصر هذا المشروع. بالنسبة لنا لبنان هو المشروع. وهذه نقطة الاختلاف بيننا. ومن يستمع إلى خطابات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله وقادته الدينيين يعرف أن ما أقوله هو كلام حقيقي. صحيح أن الحزب يعتمد أسلوب الابتزاز المعنوي من خلال تصريحاته عن الوحدة الوطنية، مع أن قادته لا يهتمون بفتح حوار مع شركائهم في الوطن عندما يتعلق الأمر بدخول لبنان الحرب. إلا أنهم يحمِّلون خطابهم الوحدوي القائم على العيش المشترك تهديدا مبطنا بأن أي طرح لمفهوم مختلف قد يؤدي إلى ما لا تحمد عاقبته. البعض يصدق ويتراجع والبعض الآخر يخاف فيتجنب المواجهة. أما نحن في القوات اللبنانية فلا نهتم بالتهديد المبطن. وبغض النظر عن الضغط المعنوي نبقى على قناعاتنا وإيماننا بحركة «14 آذار» وثورة الأرز ونطرح أفكارنا من دون تراجع. والصورة لدى الحزب ومسؤوليه هي أن رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط فهم الرسالة وتصرف على هذا الأساس، وأن سعد الحريري يبحث عن تفاهمات هادئة وذلك انطلاقا من طبيعته المسالمة. أما من يصر على طرح الأمور كما هي فيجب تدميره.

* أين ثورة الأرز و«14 آذار» في ظل ما جرى ويجري بعد الاستخفاف بنتائج الانتخابات وتصوير الحديث عن أكثرية نيابية وكأنه موضوع خلافي متفجر؟

ـ حركة «14 آذار» لا تزال فاعلة بغض النظر عن كل التطورات. من دونها لا وجود للبنان سيد حر ومستقل. من دونها تعود التعليمات من طهران ودمشق لتتحكم في القرار اللبناني. ثورة الأرز أوقفت هذه التعليمات لذا نكلوا بها واغتالوا رجالاتها. ولكن على الرغم من التنكيل والاغتيالات لم ينجحوا في الانتخابات النيابية التي شكلت أكبر انتصار لنا.

* لكنكم لم تتمكنوا من ترجمة هذا الانتصار. وعقدة تشكيل الحكومة تدل على ذلك. والأقلية تحذر من حرب أهلية أو توتير أمني إذا لم تقبل الأكثرية بشروطها. من سيحارب من؟ خاصة أن هناك طرفا واحدا يملك القوة العسكرية ويوزع بعضها على حلفائه، في حين أن الأكثرية لا تملك سلاحا؟

ـ لا خوف على الوضع الأمني، إلا إذا أراد الفريق الآخر عودة مسلسل التفجيرات والاغتيالات. لكنهم جربوا وعرفوا أن ما قاموا به لم يؤت ثماره. إذا أرادوا العودة إلى هذا الأسلوب فإن الثمن الذي سيدفعه الفريق الآخر سيكون عودته إلى الانعزال. لا نتيجة لاعتماد هذه الأساليب. الثمن مكلف والفريق الآخر ليس مرتاحا كما يحاول أن يبدو. بالتالي لا مؤشرات ولا أدلة على أن هناك من يجرؤ على العبث بالأمن الداخلي. لكنّ لجنوب لبنان بحثا آخر، لنفترض أنه لسبب من الأسباب حصلت ضربة عسكرية على إيران من جهة ما، حينها ستتحرك جبهة جنوب لبنان. انطلاقا من هذه النقطة يمكن الاستنتاج أن هذه الجبهة قد تتحرك بدرجة أو بأخرى عندما تستدعي حاجة إيران ذلك. من هنا الجنوب رهينة لدى الفريق الذي يحركه. ومسؤولية الحكومة كبيرة لأنها ترتبط بالمحافظة على الشعب اللبناني، لا سيما أن الدولة تملك القرار 1701 الذي يفترض أن يحمي الجنوب وأهله. وإذا تلكأت الدولة سيدفع لبنان ثمنا باهظا.

* هل لديك خوف من المجموعات الأصولية المتشددة؟

ـ وجود حزب الله، وتحديدا بعد السابع من مايو (أيار) 2008، يغذي وبكل أسف بشكل غير مباشر قيام الأصوليات السنية في لبنان. وهي بحدودها الحالية لا تؤذي السلم الأهلي، لكن إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه فهناك خوف من أن تكبر حركة هذه الأصوليات، لأن كل أصولية تجر إلى أصولية أخرى طالما أن هناك سلاحا خارج الدولة وإن لأسباب سامية. وسيجر هذا الواقع جماعات أخرى على حمل السلاح واعتباره مقدسا، لأن للجهاد وجهات نظر متناقضة. والحل الأفضل لهذا الواقع يكون ببقاء الجميع تحت حكم الدولة ومؤسساتها والتمنطق بالقانون والدستور وضمن أطر اللعبة السياسية ووفق منطقها.