السلطة تتعرض لأعنف هجوم لموافقتها على تأجيل تقرير غولدستون وأهالي الضحايا يصفون موقفها بـ «سلوك مشين»

«العفو الدولية» تعبر عن أسفها وتطالب بان كي مون برفع التقرير إلى مجلس الأمن

TT

أحرجت منظمة المؤتمر الإسلامي، السلطة الفلسطينية، بإعلانها أن الولايات المتحدة والسلطة هما من اتفقا سويا على قرار تأجيل التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الخاص بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في حربها الأخيرة على قطاع غزة، حتى مارس (آذار) المقبل.

وقالت السلطة إن التأجيل جاء بناء على طلب روسيا وأميركا وأوروبا، وبالتوافق مع الكتل الأخرى في المجلس. وبررت قبولها بالبحث عن إجماع دولي، إلا أن ذلك لم يبرئ ساحتها، وتصاعدت ردود الفعل الغاضبة. واتهمتها فصائل فلسطينية ومؤسسات حقوق إنسان وتيارات شعبية وأهالي ضحايا الحرب، بالتواطؤ مع «الاحتلال وتبرئته، وتقديم هدية مجانية له».

فقالت حركة حماس، إن التأجيل بناء على طلب من السلطة، «انعكاس لحالة التواطؤ بين السلطة في رام الله والاحتلال الإسرائيلي»، متهمة السلطة مجددا بالتورط ودعم الحرب على غزة.

ووصفت حركة الجهاد الإسلامي، ما وصفته بالتنازل بأنه «يوضح أن السلطة الفلسطينية تُشرِّع الاستمرار في ارتكاب مزيد من الجرائم بحق شعبها المحاصر».

ولم تقتصر الاتهامات كالعادة على فصائل خارج منظمة التحرير الفلسطينية، فاعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قرار إبراهيم خريشة تأجيل بحث التقرير «تصرفا غير مسؤول، ينطوي على إساءة بالغة لنضال الشعب الفلسطيني ولكل من أسهم ويسهم في دعم هذا النضال». ورفضت الجبهة «تبريرات السلطة» وقالت «هذا مثال صارخ على مدى الإذعان والاستسلام للإملاءات الأميركية والإسرائيلية وفقدان الإرادة والاستهتار بدماء وكرامة وحقوق أبناء الشعب الفلسطيني». وطالبت الجبهة بمحاسبة المسؤول عن هذا التصرف.

ولم يكن موقف الجبهة الديمقراطية مختلفا، فأدان تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، «سلوك» السفير خريشة، وقال، «إن طلب تأجيل البت بالتقرير خدمة مجانية للسياسية العدوانية لحكومة إسرائيل وإجازة مرور لممارسة الجرائم ضد الشعب الفلسطيني والتحضير لعدوان جديد».

واستهجنت المبادرة الوطنية، قبول مندوب فلسطين للتأجيل «بحجة الرغبة في الوصول إلى إجماع لن يحدث أبدا، لأن هناك دولا لا يمكن أن تعارض السياسة الإسرائيلية، وبالتالي فإن التأجيل لن يخدم سوى مصلحة إسرائيل» وقالت جبهة التحرير الفلسطينية، «إن تواطؤا أميركيا عربيا فلسطينيا يطيح بتقرير غولدستون، في محاولة لإنقاذ قادة الاحتلال من المحاكمة».

ودعا حزب الشعب الفلسطيني، على لسان أمينه العام بسام الصالحي، اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لاجتماع طارئ، وقال، «إن الأمر خطير». وهاجمت مؤسسات حقوقية فلسطينية موقف السلطة، وطلبت موقفا واضحا من منظمة التحرير، وحتى أعضاء كنيست عرب مثل جمال زحالقة قالوا «لا يحق لأحد أن يعبث بدماء 1400 شهيد». أما على صعيد حركة فتح، فإنها تشعر بحرج شديد إزاء الانطباع الذي تولد في الشارع الفلسطيني جراء تأجيل التصويت، وهو ما يفسره عدم خروج أي قيادي بالحركة للرد على الانتقادات الحادة التي صدرت عن جميع الفصائل ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني والمؤسسات الحقوقية الدولية واتهامها للسلطة بالتواطؤ مع إسرائيل. وتضمن بيان اللجنة المركزية للحركة، أمس، انتقادا ضمنيا للقرار من خلال مطالبة الجهات الفلسطينية المعنية «باستئناف العمل الجاد لمتابعة التوصيات التي تضمنها التقرير مع الهيئات الدولية المختلفة وبالتعاون مع الجهات العربية والصديقة». واتهمت بعض الأوساط في فتح رئيس الحكومة سلام فياض بالمسؤولية، بعد أن تعرض لضغوط من الولايات المتحدة وتهديد إسرائيل بالتوقف عن تحويل مستحقات الضرائب للسلطة، في حين اتهمت أوساط أخرى في الحركة الرئيس محمود عباس ومستشاريه بسحب التقرير بعد تدخل مباشر من قبل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.

وعلى الصعيد الشعبي اعتصم أمس، عدد من أهالي الضحايا في حي السلام شرق جباليا احتجاجاً القرار، وشارك في الاعتصام عائلات السموني وبعلوشة وصبح والسيلاوي وريان وعبد ربه التي فقدت أسراً كاملة في الحرب، إلى جانب جرحى، وأصحاب البيوت المدمرة والأراضي المجرفة.

وقال أهالي الضحايا في مؤتمر صحافي إنهم يتطلعون ليروا قادة الاحتلال يحاكمون على جرائمهم أمام المحاكم الدولية، مستنكرين قيام السلطة بتأجيل بحث التقرير، واصفين ذلك بأنه بسلوك مشين و«ضربة قاسية لأهالي الشهداء والجرحى ولآلاف الأسر المشردة». وقالوا إنه لا يحق لكائن من كان أن يتنازل عن حقوقهم، مشددين على أنه لا يجوز المقايضة والمتاجرة بدمائهم ومعاناتهم، مشددين على عدم تسييس قضيتهم لأنها إنسانية بالدرجة الأولى. ودخلت أمس منظمة العفو الدولية على الخط، فاعتبرت التأجيل فشلا ذريعا لمجلس حقوق الإنسان الأممي، ودعت إلى تطبيق توصيات التقرير فورا ودون تأخير. وأعربت في بيان مكتوب عن أسفها الشديد لقرار تأجيل التصويت على التقرير. ودعت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى وضع التقرير أمام مجلس الأمن دون تأخير واتخاذ الخطوات الضرورية لتطبيق توصيات التقرير.