الرئيس الفلسطيني يأمر بتشكيل لجنة تحقيق بشأن تأجيل النظر في تقرير غولدستون

غضب عارم في الضفة الغربية وقطاع غزة إزاء ذلك.. وسورية تستغرب

TT

في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات تأجيل بحث تقرير «غولدستون» في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إثر ردود الفعل الغاضبة التي تعم الشارع الفلسطيني، واتهام السلطة الفلسطينية بالتواطؤ مع إسرائيل في وأد التقرير، كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في عددها الصادر أمس أن الرئيس عباس شخصيا، هو من أعطى التعليمات لرئيس الوفد الفلسطيني في مجلس حقوق الإنسان، إبراهيم خريشة، بالعمل على تأجيل النظر في التقرير. ونقلت الصحيفة عن مصادر فلسطينية قولها إن خريشة طالب عباس بأن تكون تعليماته على شكل رسالة مكتوبة على اعتبار أن مجلس حقوق الإنسان يرفض أي طلب يقدم شفهيا، مما حدا بعباس إلى إرسال الرسالة إلى خريشة عبر فاكس لكي يتم تقديمه بشكل مباشرة للمندوب الباكستاني، الذي يرأس مجموعة رابطة العالم الإسلامي في المجلس.

وكان الرئيس الفلسطيني قد أمر أمس بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات تأجيل تقرير غولدستون. وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، في تصريح صحافي أمس: «إن الرئيس عباس أصدر قرارا بتشكيل لجنة برئاسة عضو اللجنة التنفيذية حنا عميرة، وعضوية كل من المفوض العام لشبكة المنظمة الأهلية الفلسطينية، عزمي الشعيبي، وأمين سر لجنة الانتخابات المركزية، رامي الحمد الله».

وفي غضون ذلك، قالت مصادر إسرائيلية إن استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية سيتم الإعلان عنه قريبا، بعد سحب تقرير غولدستون، معتبرين أن هذه الخطوة سينتج عنها قيام ضغط كبير على إسرائيل من قبل الإدارة الأميركية للمضي قدما في العملية الدبلوماسية.

ورجحت المصادر ذاتها أن يتم الإعلان عن استئناف المفاوضات مباشرة بعد زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل إلى إسرائيل الأربعاء المقبل. وكان ميتشل أجرى محادثات منفصلة مع وفود إسرائيلية وفلسطينية في واشنطن، تركزت حول المطالب الفلسطينية بشأن وضع جدول زمني على امتداد سنتين لإجراء محادثات سلام، وتحديد أساس المحادثات، والعودة إلى حدود عام 1967، فضلا عن مطالب أخرى.

وقال مصدر مطلع على مضمون الاجتماعات «إنه تم إحراز تقدم، وإن الفجوة بين الجانبين تقلصت لجهة استئناف المفاوضات».

ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن الإدارة الأميركية سوف تضغط الآن على إسرائيل لتقديم تعويضات إلى واشنطن التي ساعدت في الحد من الآثار المترتبة على تقرير غولدستون، بعدما مارس مسؤولون أميركيون ضمنهم وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ضغوطا كبيرة على الجانب الفلسطيني من أجل الامتناع عن اعتماد النتائج التي توصل إليها التقرير.

وقال مسؤول إسرائيلي: «إن الولايات المتحدة أنقذتنا من غولدستون، وحجتنا كانت تعتمد على الرغبة في دفع عملية السلام».

إلى ذلك، اعتبرت كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح أن قيام السلطة بطلب تأجيل النظر في تقرير «غولدستون» يضع السلطة في «دائرة الشك والاتهام والتواطؤ مع الاحتلال».

وفي بيان صادر عنها، اتهمت كتائب شهداء الأقصى، السلطة الفلسطينية «بتقديم خدمة مجانية للعدو الصهيوني، والتغطية على حربة السابقة على غزة، ولحرب قادمة على الشعب الفلسطيني، وتواطئا واضحا مع الاحتلال».

وأضاف البيان «إننا في كتائب شهداء الأقصى لا نعول كثيرا على المؤسسات الدولية التي تسيطر عليها أميركا وإسرائيل، ورغم تحفظنا على كثير من نقاط التقرير، فإننا نرى في عملية سحب مناقشة التقرير، التي كانت من الممكن أن تدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، أن هناك تواطؤاً». وشعرت حركة فتح، تحديدا، بحرج كبير، ولذلك قالت اللجنة المركزية للحركة، إنه يجب التفريق بين موقف فتح وموقف السلطة. ودفعت «فتح» بقوة لإجراء تحقيق في القضية، وقال عضو اللجنة المركزية للحركة، محمد دحلان، إنه بناء على طلب فتح والفصائل قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تشكيل لجنة تحقيق في أسباب تأجيل النظر في تقرير غولدستون، ونفى دحلان أن تكون لحركة فتح معلومات كافية حول آليات اتخاذ القرار الذي كان مع التأجيل.

من ناحيتها، طالبت الحركات السياسية والشخصيات المستقلة الفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة تتولى الكشف عن الجهة المسؤولة التي أقدمت على التأجيل، معتبرة هذا التصرف «غير مسؤول يستدعي التوقف ومحاسبة المتورطين».

وأدانت الفصائل الوطنية والمؤسسات الحقوقية والشعبية، التي شاركت في اللقاء الوطني الذي دعت إليه حركة الجهاد الإسلامي، تأجيل بحث تقرير غولدستون، ورفض «كافة التبريرات الساذجة والمضللة والمتناقضة التي سيقت لتمرير قرار التأجيل». واعتبرت الفصائل والشخصيات المستقلة أن قرار التأجيل «يشكل إعفاءً لإسرائيل من مسؤوليتها عن المجازر التي ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، وتمنحها غطاءً لاستمرار عدوانها، وتمهيدا لحربٍ جديدة على قطاع غزة وقد تكون مقدمة للتنازل عن ثوابت شعبنا الفلسطيني». وقررت الفصائل عقد مؤتمر شعبي اليوم (الاثنين) للإعراب عن رفضها لتأجيل البحث في التقرير.

من جهته، قال رئيس المجلس التشريعي بالإنابة، أحمد بحر، إن السلطة طلبت سحب تقرير غولدستون بأوامر من الرئيس عباس، داعيا إلى تشكيل «محاكمات شعبية واسعة لفضح المتآمرين والمتواطئين على حقوق الشعب الفلسطيني».

ووصف بحر، في مؤتمر صحافي عقده أمس، تأجيل بحث التقرير الذي يؤكد ارتكاب الاحتلال لجرائم حرب بغزة بـ«الجريمة»، معتبرا ذلك «دليلا معلنا على تواطؤ عباس مع الاحتلال في العدوان على غزة».

وأضاف بحر «إن الرئيس عباس وسفيره إبراهيم خريشة لا يمثلان الشعب الفلسطيني لا شعبيا ولا تشريعيا، ويتحملان المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة التي تهدف لإجهاض تقرير القاضي غولدستون أمام مجلس حقوق الإنسان». وفي سياق ذلك، استغربت سورية موقف السلطة الوطنية الفلسطينية إزاء تقرير غولدستون. وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية «إن سورية فوجئت بطلب السلطة الوطنية الفلسطينية تأجيل اتخاذ إجراء في مجلس حقوق الإنسان في جنيف»، مضيفا أنه «في الوقت الذي وصف التقرير الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة بأنها جرائم حرب ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية تستوجب ملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإن سورية تستغرب قيام السلطة الفلسطينية بمثل هذا العمل الذي عطل جهودا عربية وإسلامية ودولية تضافرت من أجل اتخاذ الإجراء اللازم لتنفيذ توصيات هذا التقرير».

وأكد المصدر ذاته في بيان صادر عن وزارة الخارجية «إن سورية ستواصل العمل مع الجهات الدولية المعنية من أجل التمسك بضرورة اتخاذ إجراءات عملية لمحاسبة مرتكبي تلك الجرائم اللاإنسانية التي أشار لها التقرير إنصافا لضحايا العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة من شهداء وجرحى ومشوهين سقطوا ضحية الهمجية الإسرائيلية».

وأعلن المصدر موقف سورية المؤيد للدعوات الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة لإحالة التقرير إلى مجلس الأمن.

ويأتي هذا البيان قبيل زيارة من المتوقع أن يقوم بها رئيس السلطة الفلسطينية إلى دمشق خلال اليومين القادمين، وذلك ضمن جولة له بدأها بزيارة صنعاء.