فاطمة الزق وطفلها يتنسمان الحرية بعد سنتين في سجن إسرائيلي

قالت إن فرحتها تظل ناقصة ما لم تنعم بقية الأسيرات بالحرية

TT

رغم أن أشقاءه الثمانية يحاولون اللهو معه ومداعبته في محيط المنزل، فإن يوسف الذي يوشك على تجاوز العامين من عمره، يصر فقط على الالتصاق بوالدته. فهذا الطفل الذي وُلد وعاش في زنزانة مع أمه فاطمة الزق، السيدة الفلسطينية التي كانت معتقلة في سجن هشارون وسط إسرائيل، وتم الإفراج عنها الجمعة الماضية ضمن ما بات يُعرف بـ«صفقة الشريط» بين حماس وإسرائيل، ما زال غير قادر على التكيف مع البيئة الجديدة التي انتقل إليها بعد أن كان أول طفل فلسطيني وُلد وعاش في ظلمة السجن خلف قضبان الزنازين.

ويواصل أشقاء يوسف ابتكار «الحيل» من أجل تكيفه مع الأجواء الجديدة. ولا يخفي شقيقه علي (14 عاما) فرحته العارمة بلهوه مع يوسف قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لقد غادرتنا أمي وحدها، وعادت إلينا بيوسف، وكنا نعد اللحظات لكي يجمع الله شملنا به وبأمنا من جديد، فمن الآن فصاعدا سنشعر أن للحياة طعما آخر، فمن دون أمي كانت اللحظات تمر مثل السنين».

أما فاطمة أو «أم محمود» كما يناديها الجميع هنا، فلم تتمكن منذ الإفراج عنها من التقاط أنفاسها بسبب كثرة المهنئين الذين يتوافدون جماعات ووحدانا على بيت العائلة. فعلى الرغم من أن البيت يقع في أطراف حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، وهي من مناطق التماسّ الخطيرة لقربها من الخط الفاصل بين إسرائيل والقطاع، فإن ذلك لم يمنع الحافلات والسيارات التي تقل المهنئين من السير في الطرق الوعرة حتى الوصول إلى المنزل. وفي الوقت الذي كانت تعانق فيه المهنئات، حرصت فاطمة على متابعة أولادها الثمانية وهم يتحركون حولها، ثم لا تلبث أن تعانق أحدهم.

وبشأن اللحظات التي أعقبت معرفتها بقرار الإفراج عنها، قالت فاطمة، التي تنتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي: «بمجرد أن عرفت أنه سيتم الإفراج عني، تدافعت الأسئلة: كيف لي أن أحتمل لحظة رؤية واحتضان أبنائي الثمانية الذين فارقتهم؟ فشدة الشوق تكاد تلهب فؤادي، ذلك أنه بعد مرور أكثر من عامين لم تفرح عيناي بالنظر إلى فلذات كبدي».

وأضافت أنها أذرفت دمعا غزيرا عندما أطلت برأسها من الحافلة التي أقلتها من المعبر الحدودي إلى بيتها عندما سمعت أطفالها يصرخون بفرح وتأثر: «ماما ماما». وزادت قائلة: «كانت هذه هي اللحظة التي صليت من أجلها وحلمت بها طويلا، فلا تمر لحظة دون أن يحضر أبنائي في مخيلتي، حتى في أحلك الظروف، أي في أثناء جلسات التحقيق والتعذيب». بيد أنها ترى أن هذه الفرحة تنقصها بكل تأكيد رؤية بقية رفيقاتها في السجن اللاتي بقين خلف القضبان، وهن ينعمن بالحرية. وأضافت: «كنت أتمنى الإفراج عن الأسيرات ذوات المحكوميات العالية والمريضات، ولو كان لنا الخيار، لفضلناهن على أنفسنا».

وقالت فاطمة إنها ما زالت تشعر بغصّة في القلب لأنها تركت خلفها فلسطينيات هن بطلات بكل ما للكلمة من معنى، مشيرة إلى أن فرحتها بالإفراج عنها لا توصف، بيد أنها تظل منقوصة، وتنغصها رؤية نساء فلسطين وهن ما زلن يقبعن في معتقلات الاحتلال.

وتحدثت فاطمة عن الظروف المأساوية التي تعيشها المعتقلات والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال، وقالت إن سلطات السجن لا تراعي الظروف الخاصة للمعتقلات، وتتفنن في ابتكار المزيد من الوسائل للتنغيص عليهن».

ورغم الإفراج عنها، لم تتمكن فاطمة من التعود على الحياة في البيت، فهي تتخيل باستمرار أنها ما زالت تعيش خلف القضبان، كما يقول زوجها الذي يؤكد أنه دائما يذكّرها أنها في البيت لا في الزنزانة.

ولا يخفي زوجها أبو محمود فرحته العارمة بالإفراج عنها، لأن ذلك سيخلصه من عبء كبير يتمثل في مسؤوليته عن تربية الأبناء.

ويضيف: «سأشعر براحة كبيرة، فرغم محاولاتي المتواصلة لتعويض الأولاد عن حنان أمهم فإن ذلك لم يكن له جدوى، باعتبار أن السؤال عنها لا يتوقف ليل نهار».