الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي: القضية الفلسطينية جوهرية في تحديد العلاقات بين العالم الإسلامي وواشنطن

إحسان أوغلو لـ«الشرق الأوسط»: على الدول الإسلامية أن تتحمل مسؤولياتها تجاه القدس الشريف

إحسان أوغلو
TT

شدد أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي إكمال الدين إحسان أوغلو في أثناء زيارته لواشنطن على أهمية بناء العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة بناء على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة. إلا أنه في الوقت نفسه نبه إلى ضرورة تطبيق إدارة الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما وعودها والتزامات التي أطلقتها مع تنصيبه. وكانت القضية الفلسطينية في مقدمة القضايا التي أثارها إحسان أوغلو عند لقائه مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وعدد من المسؤولين والمفكرين الأميركيين. وفي حوار لـ«الشرق الأوسط» قال إحسان أوغلو إن على العالم الإسلامي أيضا أن يتحمل مسؤولياته وأن يتحرك لنجدة القدس الشريف من الممارسات الإسرائيلية وعدم التعلل بعملية السلام وطريقة مسارها. وفي ما يلي نص الحوار:

* هذه الزيارة الثانية لكم إلى واشنطن خلال 3 أشهر، ما الهدف من الزيارتين؟ وما التطورات منذ الزيارة الأخيرة؟

ـ في الواقع أن الإدارة الأميركية الجديدة أعربت عن رغبتها في إقامة علاقات جديدة قائمة على شقين أساسيين: الاحترام المتبادل والمنافع المتبادلة. وهذا كان لب الخطاب الذي سبق أن وجهته إلى الرئيس أوباما في 20 يناير (كانون الثاني) هذا العام، يوم توليه السلطة. عندما دُعيت للاستماع إلى خطاب الرئيس أوباما في القاهرة صار بيني وبين السيدة هيلاري كلينتون لقاء وجيز لكنه كان عمليا ووجهت إليّ الدعوة لأن أزورها في واشنطن. وتصادف في أثناء زيارتي اللقاء بها وعدة جهات هنا لبحث كيفية التعاون مع الإدارة الأميركية جديدة. وصادف ذلك للأسف الشديد وقوع الوزيرة كلينتون وكسر مرفقها، ولكن كان هناك حديث مطول هاتفيا واتفقنا على زيارة تالية على هامش اجتماعات الجمعية العمومية، ولهذا عندما انتهينا من اجتماع الجمعية العمومية والاحتفال في نيويورك بمرور العيد الأربعين على تأسيس المنظمة، جئنا إلى هنا لإتمام اللقاء.

* ذكرتم في إحدى الندوات في واشنطن أن الوقت يضيق لتحقيق المبادئ التي تحدث عنها الرئيس الأميركي في خطابه في القاهرة، لماذا تتوقعون ذلك؟ وما تقييمكم لما قامت به الإدارة حتى الآن تجاه العالم الإسلامي؟

ـ أولا يجب أن نعترف أن الرئيس أوباما أبدى من النيات الحسنة والمشاعر الطيبة تجاه العالم الإسلامي ما لم يُبدِه أي رئيس سابق، على الأقل في جيلنا، وقبل جيلنا نحن نعرف أن هذه الأمور لم تكن في مركز الاهتمام الأميركي. وهذه النيات الحسنة والمشاعر الطيبة عبّر عنها الرئيس أوباما في خطاباته في أثناء الحملة الانتخابية وفي أثناء تنصيبه وبعد تنصيبه وأعرب عنها في عدة مناسبات ثم أجمل ذلك كله في خطابه في القاهرة. وهذا الخطاب وما قبله خلق توقعات كبيرة في العالم الإسلامي. ونص الخطاب أشار إلى عدة مسائل جوهرية تُعتبر في حد ذاتها مقبولة في العالم الإسلامي، سواء ما يتعلق بالقضايا الأساسية مثل قضية فلسطين وقضايا العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وكيف تبنى هذه العلاقة، وعلى الأساسين اللذين أشرنا إليهما في البيان بناء على المصالح والاحترام المتبادل. بعد إلقاء خطاب الرئيس أوباما، أوجزت رأي للصحافة والمسؤولين الأميركيين وهو أن هذه النيات الحسنة لا بد من ترجمتها إلى سياسات ترسم. وهذه السياسات لا بد أن تحول إلى برامج ومشروعات حتى يمكن العمل من أجلها. الآن نحن نرى أن الرئيس الأميركي كان قد عين السناتور جورج ميتشل ليقوم بدور الوسيط من أجل عملية السلام وقام بمساعٍ كثيرة في هذا المجال وجولات مكوكية، وفي اللقاء الثلاثي الذي حدث في نيويورك بين الرئيس أوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء إسرائيل هناك محاولات لإحياء عملية التفاوض وهناك اتصالات دائمة مع الدول المعنية، وبطبيعة الحال نحن نريد أن تبدأ هذه المفاوضات من حيث وقفت وأن يُبنى على ما تم التفاهم عليه في تاريخ طويل للمفاوضات. والآن العالم الإسلامي يتوقع أن يقوم الرئيس الأميركي بوضع موقف حازم حاسم في هذه القضية الأساسية، القضية الفلسطينية وقضية القدس. أما خطاب الرئيس أوباما في الجمعية العمومية فأعطى الأمل أن الرئيس ما زال على موقفه المبدئي، ونحن نتمنى أن تجري هذه المفاوضات بهذه الروح.

* هل القضية الفلسطينية هي القضية الجوهرية لإثبات حسن النيات وتغير مسار العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة؟

ـ ليس عندي أي شك في أنها القضية الأولى، ولا يمكن للعلاقات بين العالم الإسلامي والغرب أن تتحسن وهذا الظلم الفادح يستمر منذ 60 عاما في حق شعب لم يكن في تاريخه إلا أنه أحسن لأصحاب الأديان الثلاثة وأحسن الجوار، ثم يدفع ثمن جريمة قام بها شعب آخر.

* هل يمكن أن تستمر أجواء التفاؤل التي عمّت بعد تنصيب أوباما وخطابه للعالم الإسلامي طويلا مع المعطيات الراهنة؟

ـ ليس من الممكن أن نستعجل هذه الأمور، لا بد من وضع جدول زمني، لأن مفاوضات عملية السلام مستمرة منذ مدريد، عام 1991 ليومنا هذا، 18 عاما، أجيال وُلدت منذ ذلك الوقت، إنها فترة ثلث القضية. لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وهناك إحساس قوي وبخاصة أن الممارسات الإسرائيلية في القدس الشريف تأخذ طابعا عدوانيا كبيرا ولا نجد صوتا من الإدارة الأميركية يتناول هذه القضايا التي تحدث في نفس الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات. هذا يزيد من قلق الرأي العام في العالم الإسلامي وقلقنا أيضا في هذا الصدد.

* في أثناء لقاءاتكم في واشنطن، هل قدمتم مقترحات للقيام بدور للمنظمة الإسلامية لحماية القدس الشريف والدفع تجاه السلام؟

ـ أولا بالنسبة إلى ما نتوقعه من الدول الإسلامية، تحدثت عن ذلك في خطابي في الاجتماع التنسيقي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، على المستوى السياسي والمستوى الفعلي. أوضح للرأي العام العربي أنه على الدول والحكومات والمنظمات أن تقوم بعمل سريع لإنقاذ المقادسة من عمليات الطرد واستملاك البيوت وتعطيل المؤسسات التعليمية والصحية والاهتمام بهذه القضايا وهي ذات أهمية قصوى. ويمكن حل هذه المسائل بتكاليف ليست كبيرة وفي قدرة بعض الأشخاص والمؤسسات أن تقوم بهذا ولا يجب أن يتعلل أحد أن عملية السلام مستمرة أو ناجحة أو فاشلة، هذا مسار آخر لا بد أن نعمل من أجله. وهنا لا يمكن انتظار شيء من الرئيس أوباما أو من الإدارة الأميركية أو من الرباعية أو من أي من دول مجلس الأمن أو خارجها، هذا واجب إسلامي في الدرجة الأولى ويجب على الجميع من الحكومات والمنظمات والأشخاص أن يقوموا بواجبهم. ومنظمة المؤتمر الإسلامي مستعدة أن تنسق في هذا، وأقول يجب أن لا نتخاذل. مقاومة الاستيطان يجب أن يقابلها حرص على الممتلكات والأرض الموجودة التي هي في ملكية أهل فلسطين وبخاصة في القدس الشرقية. وهذا شيء أكد عليه بشدة في هذا الصدد، هذا المجال العملي لمساعدة حل القضية الذي لا يتوقف على الإرادات الدولية، ادفعوا الأموال وأنقذوا المنازل والمستشفيات والمدارس.

* حتى الآن لم تسمِّ الإدارة الجديدة مندوبا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هل علمتم بآخر المستجدات حول تعيين المندوب الجديد.

ـ نعم، نتوقع هذا التعيين قريبا، وقد بلغنا أن الحكومة الآن تنظر في عدد من المرشحين. نتوقع أن يكون شخصية مسلمة ذات كفاءة عالية مقربة من الرئيس وهذا ما توقعناه من الإدارة السابقة وتحقق من الإدارة السابقة.

* الولايات المتحدة سائرة في الحرب في أفغانستان، كيف تؤثر العمليات العسكرية هناك على العلاقات مع العالم الإسلامي؟ وهل يمكن للمنظمة لعب دور لتهدئة الأوضاع هناك؟

ـ نرى أن الحل العسكري أو حل المشكل في أفغانستان عسكريا أكبر خطأ ممكن أن تقوم به أميركا، وفي التاريخ شواهد وأدلة ونماذج تؤكد هذا المعنى. للأسف الشديد، الذين يتخذون قرارات هذه الحروب ينظرون إلى الأمور على مائدة أركان حرب، والحدود السياسية والديمغرافية للبلدان التي يريدون أن يدخلوا فيها، ولا ينظرون إلى التاريخ وتكوين هذه الشعوب وتركيبتها الداخلية وعلاقتها بالخارج، يتم القرار العسكري من منظور سياسي ضيق في حسابات قوى يهتم بها العسكر، وهذه تؤدي إلى فتح أبواب جهنم. ما حدث في العراق دليل على أن القرارات تُتخذ بنظرة عسكرية بحتة بعيدة عن أي اعتبارات عقلانية أو نظرة شمولية مبنية على أسس سليمة. المنطق العسكري البحت منطق يؤدي إلى الفشل، هذه ليست حربا بين جيوش في ميدان الحرب حيث يجلس أركان الحرب ويحسبون عدد الدبابات والطائرات وقوة نار المدافع، هذه حروب تتم في بلاد شعبها يحرص على استقلاله ولا يريد الأجنبي فيه، وهي حروب لا تستمد أي شرعية من مبادئ إنسانية. لذلك لا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا إذا كان هناك تفهم لأصول المشكلة. لو نظرنا إلى المشكلة في أفغانستان يكفي أن ننظر إلى تجربة الاتحاد السوفياتي هناك، السوفيات خسروا 15 ألف جندي وعشرات الآلاف من الجرحى، وكان هذا من أقوى أسباب انهيار النظام السوفياتي. فالوجود العسكري في أفغانستان على مر السبع سنوات لم يحقق الأهداف التي دعوا من أجلها، بالعكس، الإرهاب لم يقف بل ازداد، وبالإضافة إلى ضحايا الإرهاب هناك ضحايا التحركات العسكرية التي تؤجج مشاعر العداء والكراهية لدى الشعب الأفغاني. زاد الإرهاب وزاد تهريب المخدرات وأصبحت أفغانستان مركزا لتجارة المخدرات بطريقة غير مسبوقة، وهذا دليل على أن الحل العسكري لم ينجح.

* إذن ما الحل؟

ـ الحل أن يكون هناك نظرة شمولية للموضوع تأخذ بالإضافة إلى البعد الأمني البعد السياسي وتركيبة الشعب الأفغاني الديمغرافية والدينية، مصحوبا ببرنامج لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي ورفع مستوى الدخل لدى الفرد. وهذا الأمر ليس يسيرا ولكن يجب أن نشير إلى أن مليارات الدولارات التي تُصرَف من أجل إلقاء القنابل الفتاكة، ومصاريف الجيوش، إذا وُجهت إلى السياسات السلمية يمكن لها في وقت غير طويل أن تجلب النتائج.

* لقد حذرتم من تكرار الأخطاء التي حدثت في العراق في إيران، هل أنتم قلقون من إمكانية ضربة عسكرية لإيران؟

ـ لا أظن أن أحدا يريد أن يكرر هذه المغامرة غير محمودة العواقب، وأعتقد أن التصريحات الأخيرة للرئيس أوباما ووزير الدفاع روبرت غيتس كانت في هذا الاتجاه.

* ولكن أليس على الدول الإسلامية أن تحث إيران على اتباع منهج أكثر شفافية في التعامل مع برنامجها النووي؟

ـ بطبيعة الحال هذا شرط لا بد منه ويجب أن تتقيد إيران بقواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقواعد اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية وأن تكون هناك شفافية كاملة. بما أن إيران تؤكد أنها لا تريد أن تنتج أسلحة نووية، من مصلحتها ومصلحة العالم الإسلامي والعالم كله تحقيق الشفافية الكاملة. وإذا لم تكن هذه النقطة واضحة، هناك دائما شكوك دولية، ويجب تجنيب العالم الإسلامي مثل هذه المواجهات الساخنة.

* وما دور منظمة المؤتمر الإسلامي في حل النزاعات في دول كثيرة في العالم الإسلامي، مثل الصومال وأفغانستان وغيرها؟

ـ العالم الإسلامي عليه أن يتحمل المسؤولية أكثر في حل هذه المشكلات. ونحن في المنظمة نسعى جاهدين في أن نقوم بدور بنّاء في تقريب بين وجهات النظر للأحزاب المختلفة وأطراف النزاع. وصارت لدينا تجربة لا بأس بها في العراق، ونحن الآن بصدد تكثيف جهودنا للقيام بدور في الصومال ولدينا اتصالات مع الحكومة الصومالية والتقيت الرئيس شريف في نيويورك. وننتظر نتيجة الانتخابات في أفغانستان لنطور دورنا هناك. الآن بطبيعة الحال، المؤتمر الوزاري الأخير تبنى ورقة لتطوير وتمتين دور المنظمة في القيام بأعمال بناء السلام وحل النزاعات. ونحن بصدد الانتهاء من تقرير واسع بهذا الصدد يقدَّم للمؤتمر القادم.