كركوك: الشرطة تنفي الاستهداف السياسي للمسيحيين.. وترجح الأسباب الجرمية

العثور على جثة مسيحي مختطف.. ومسؤول محلي لـ«الشرق الأوسط»: الحكومة تعتم على الأخبار

أقارب وأصدقاء رجل أعمال مسيحي، ينتحبون بالقرب من نعشه إثر مقتله على أيدي مسلحين بكركوك أمس (أ.ف.ب)
TT

مجددا عادت عمليات استهداف المسيحيين في العراق إلى الواجهة ولكن هذه المرة في مدينة كركوك التي لم يسجل فيها حتى الأمس القريب عمليات استهداف ضد المسيحيين تحديدا، في إطار مسلسل العنف الذي تعاني منه البلاد.

فبعد تعرض المسحيين في بغداد إلى عمليات دموية استهدفت رموزهم وكنائسهم بل وحتى البسطاء منهم دون استثناء خلال عامي 2005 و2006 ونزوح المئات من تلك العوائل باتجاه إقليم كردستان أو هروبها إلى خارج البلاد، أخذ العنف الموجه ضد المسحيين بكل طوائفهم ينطلق في عام 2008 من مدينة الموصل التي يقطنها عدد كبير منهم. وقد اتهمت بعض الجهات حينها الأحزاب والقوى الكردية بالوقوف وراء عمليات استهداف المسحيين في الموصل، لكن الأحزاب الكردية وحكومة إقليم كردستان برئاسة نيجيرفان بارزاني فندت تلك الاتهامات واعتبرتها مجرد حملات تضليلية غايتها النيل من العلاقات التاريخية بين الكرد والمسيحيين، وقالت إن إقليم كردستان والشعب الكردي لا مصلحة له إطلاقا في إيذاء إخوته المسحيين، بدليل أن حكومة الإقليم احتضنت المئات من العوائل المسحية النازحة من بغداد والدورة والموصل وكركوك، ووفرت لها المأوى وفرص العمل المناسبة لأفراد الكثير منها.

وتؤكد المصادر المسيحية أن نحو عشر عوائل مسيحية غادرت كركوك في غضون الأسبوع هربا من موجة العنف الجديدة التي تستهدف هذه المرة الأثرياء والميسورين منهم، خصوصا بعد العثور على جثتَي سيدتين مسيحيتين مقتولتين بالرصاص قبل أيام قليلة، علاوة على اختطاف رجل أعمال مسيحي من موقع عمله وقتله برصاصة في الرأس قبل يومين فقط، في أحد أحياء كركوك.

كما أعلنت مصادر أمنية وطبية عراقية أمس، أن قوات الشرطة عثرت على جثة عماد إيليا عبد الكريم (53 عاما) الذي كان قد اختُطف في وقت سابق، وعليها آثار طلقات نارية في ساقه وطعنات بالسكين في قدمه اليسرى التي تمزقت أصابعها.

لكن اللواء جمال طاهر قائد قوات الشرطة في كركوك أكد أن هذه العمليات التي تستهدف المسيحيين، لا علاقة لها بالسياسة إطلاقا، بل هي عمليات إجرامية تندرج في خانة عمليات السرقة والسلب التي يمكن أن تحدث في أي مكان من العراق أو العالم.

وأضاف طاهر في حديث خاص بـ«الشرق الأوسط» أن «التحقيق ما زال مستمرا بخصوص حادث اختطاف رجل الأعمال المسيحي في كركوك أول من أمس الأحد، وقد كشفت التحقيقات الأولية أنه تعرض لعملية خطف من قِبل مسلحين مجهولين بدافع الابتزاز المادي، لكن الرجل أبدى مقاومة شديدة ورفض الانقياد للمسلحين مما دعاهم إلى إطلاق رصاصة على رأسه وقتله، أما بخصوص حالات قتل السيدتين المسيحيتين فإن الشرطة تمكنت بعد أيام قليلة جدا من القبض على الجناة الحقيقيين الذين اعترفوا خلال التحقيق بأنهم قتلوا السيدتين بدافع السرقة وحسب، وأن الحادث لا تكمن وراءه أي دوافع سياسية، وسيحالون إلى القضاء في القريب العاجل».

وأشار اللواء قائد شرطة كركوك إلى أن الشرطة تكثف من تحقيقاتها لمعرفة ما إذا كانت بقية الحوادث التي استهدفت المسحيين في كركوك خلال الأيام القليلة الماضية هي مجرد حوادث إجرامية عادية أم إرهابية تنفذ بدوافع سياسية أو دينية. وعن أسباب دوافع استهداف المسيحيين تحديدا دون غيرهم من الأثرياء في كركوك إن لم تكن هناك دوافع سياسية قال قائد الشرطة: «المسيحيون معروفون بكونهم أناسا مسالمين وينبذون العنف لذلك فهم يصبحون أهدافا سهلة لعصابات الخطف والابتزاز والسرقة، وأجزم بأنه لا دوافع سياسية وراء استهدافهم».

لكن إدوار أوراهو معاون محافظ كركوك وهو شخصية مسيحية مستقلة أكد أن مسلسل الإجرام الذي يستهدف المسيحيين وعوائلهم في كركوك هو نوع من أنواع الإرهاب السائد في العراق، وقال في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إن «الغاية من هذه العمليات هي تفريغ العراق من المكون المسيحي الذي هو أحد أهم المكونات العراقية الأصيلة التي وُجدت على أرض العراق منذ القدم وحتى الآن، وفي اعتقادي أن استهداف المسيحيين هو جزء من مخطط إجرامي تنفذه أطراف عنصرية وإرهابية مرتبطة بجهات خارجية».

ومضى أوراهو قائلا إن «السبب في تنامي استهداف المسيحيين يُعزى إلى كون المسيحيين أناسا مسالمين ويشكّلون أهدافا سهلة المنال بالنسبة إلى أفراد عصابات الخطف والابتزاز والسرقة، ولا أحد يحمي هذه الشريحة المسالمة من العراقيين». وأوضح معاون المحافظ أنه «ليست لدى الجهات المعنية أدلة دامغة وثبوتية تؤكد ضلوع تنظيم القاعدة والتنظيمات المرتبطة بها في تنفيذ العمليات الإجرامية ضد المسيحيين ولكن الاعتقاد السائد في أوساط المسحيين يرى أن تلك العمليات لا تخرج عن نطاق العمليات التي تنفذها القاعدة»، وأردف يقول إن «العوائل المسيحية تعيش في رعب حقيقي في كركوك، انطلاقا من شعورها بأن ما حدث للمواطنين المسيحيين خلال الأيام الماضية يمكن أن يحدث للجميع في وقت لاحق، فحتى لو كانت أسباب استهدافنا كمسيحيين مرتبطة بالدين، فليس على الأرض دين يبيح قتل المسيحيين بهذه الطرق البشعة وبالتالي فإن منفذي تلك العمليات الدموية لا يفقهون شيئا من الدين حسب اعتقادي».

وفيما إذا كانت أطراف سياسية عراقية متورطة في هذه العمليات ومستفيدة من تهجير المسيحيين وإيذائهم قال أوراهو: «مشكلتنا مع الدولة التي تعلن بين الحين والآخر أنها قبضت على منفذي تلك العمليات من المجرمين وأحالتهم إلى القضاء ثم تنقطع أخبارهم ولا نعرف هويات المجرمين أو الجهة التي ينتمون إليها أو أسباب ودافع استهدافهم لنا، لذلك لا نستطيع الجزم بضلوع هذه الجهة أو تلك في هذه العمليات الإجرامية».

وفي رده على كون أسباب استهداف المسيحيين مرتبطة بكونهم من الأثرياء قال أوراهو: «أنا من أبناء كركوك أبا عن جد، ولدي معلومات مؤكدة تشير إلى أن 90% من العوائل المسيحية الميسورة في كركوك قد غادرت البلاد نهائيا، ولم يبقَ سوى المواطنين البسطاء والفقراء، أي أن المسيحيين في كركوك باتوا من أفقر الشرائح الاجتماعية، لكن تكاتفهم الاجتماعي يجعلهم هدفا لمثل تلك العمليات، لذلك نتوقع ازدياد تلك العمليات ضد المسيحيين خلال الأيام القادمة خصوصا وأن ثلاث عمليات دموية ضدهم خلال أسبوع واحد يُعتبر رقما كبيرا قياسا بحجم المكون المسيحي الصغير في كركوك».

يُذكر أن المسيحيين يقطنون حي عرفة في كركوك وهو حي قديم أُسس من قِبل شركة النفط العراقية أيام انتداب الشركة من قِبل بريطانيا، ويضم مجموعة كبيرة من البيوت الحكومية المشيدة من الطابوق، أما أسباب تجمع المسيحيين في ذلك الحي فتُعزى إلى كون معظمهم منتسبين إلى شركة نفط الشمال في كركوك التي مقرها هناك، ويقدر عددهم بنحو 150 ألف مواطن.